قبل أيام قليلة كتبت هنا سطورا تعمدت أن تكون صياغتها متحفظة، وقد بدأتها بالشك قائلا: لو صحت الأنباء المتداولة على نطاق واسع بشأن ضغوط شاذة وغير قانونية يمارسها معالى المستشار القاعد حاليا فوق مقعد النائب العام (بقرار غير شرعى من جناب «الذراع») على وكلاء النيابة أصحاب الضمير لكى يخالفوا ضمائرهم ويضعوا فى السجن ضحايا المجزرة الإخوانية البشعة، التى ارتكبتها ميليشيات وعصابات مدربة على القتل والتعذيب فى محيط قصر الاتحادية، بدل الإفراج عن هؤلاء الضحايا والبحث عن الجناة المجرمين وتقديمهم للعدالة.. لو كانت هذه الأخبار المأساوية صحيحة فإننى أنصح الست «جماعة الشر» أن تقوم فورا من رقدتها على قلوبنا، وتمسك بدستورها المشموم وتضيف بسرعة إلى خليط سمومه وبلاويه بندا يقلب المسمى الوظيفى للنائب العام ويجعله «نائبا خصوصيا» للست وذراعها!! هكذا قلت قبل أن يتفضل معالى المستشار الجالس مرتاحا (هل هو مرتاح فعلا؟) على مقعد النائب العام، ويهدينى أول من أمس، أنا والمجتمع كله دليلا دامغا (دعك من شذوذه المروع) أسقط كل سبب للتحفظ والشك فى أن معاليه يتصرف ليس كنائب عمومى عن المصريين جميعا واجبه الأول والأخير أن يحفظ حقوقهم وحرياتهم، بل على أساس أن هذا المنصب الخطير الذى تبوأه بقرار سلطانى أصدره جناب «الذراع» منفلتا من أى شرعية مجرد وظيفة فى الخاصة السلطانية الإخوانية، حيث لا حقوق ولا حريات ولا قوانين أو أعراف، وإنما عسف وظلم وبغى وبلطجة وعدوان فظ وغشيم على خلق الله، كما لم يحدث ربما فى أسوأ وأحط عصور تاريخ الدولة المصرية الحديثة. فهل سمعت عزيزى القارئ من قبل عن نائب عام (مهما كان انحرافه) يتدخل بفجاجة وفظاظة فى تحقيقات تجريها النيابات بشأن وقائع إجرامية خطيرة من النوع الذى شهده محيط قصر الاتحادية الأسبوع الماضى، عندما نفذت عصابات إخوانية هجوما بربريا على شباب أعزل يمارس حقه فى الاحتجاج السلمى، ويطلب صراحة من مرؤوسيه الوكلاء والمستشارين الأجلاء الذين يباشرون التحقيق أن يعطوا ضمائرهم إجازة، ويخالفوا أصول مهنتهم السامية ومقتضيات القانون ويصدروا قرارات بحبس متهمين هم أصلا ضحايا وقائع وجرائم بشعة وخسيسة يندى لها الجبين (القتل والخطف والتعذيب فى الشوارع)، وأن يضرب هؤلاء القضاة صفْحا عما شاهدوه بأعينهم والحقائق الساطعة التى أظهرتها تحقيقاتهم، وأهمها أن الماثلين أمامهم شرفاء أبرياء تعرضوا للخطف والتعذيب وتكسير العظام على أيادى قطعان مشوهة عقليا وخلقيا، وتمادت فى الاغتصاب والعربدة لدرجة اغتصاب سلطة أجهزة الدولة الأمنية، وراحت تقبض على الناس وتعذبهم ثم تسلمهم مكدودين معجونين للشرطة (هذه الحقيقة سجلها ضباط فى تقاريرهم ومحاضرهم الرسمية)؟! وهل سمعت أو قرأت فى أى كتاب، أن نائبا عاما (على كثرة السيئين الذين تولوا هذا المنصب) فعل ما فعله معالى نائب الأمر الواقع الحالى الذى أغضبه عدم استجابة مرؤوسيه الأجلاء لتدخلاته وضغوطه لكى يخالفوا ضمائرهم ويعصفوا بالقانون وأصول العدالة، وفاقم هذا الغضب أن التُرّهات والأكاذيب التى أعلنها فضيلة «الذراع الرئاسية» فى خطبته الركيكة بشأن مجريات التحقيق فى جرائم «الاتحادية»، بدت مفضوحة وعارية تماما أمام عيون الناس مما جعل جناب المستشار النائب يندفع متجاوزا كل الحدود، ويصدر قرارا انتقاميا غير مسبوق بمعاقبة والتنكيل بالمستشار الجليل مصطفى خاطر المحامى العام لنيابات شرق القاهرة، التى أجرت التحقيق فى جرائم وفظائع محيط القصر الرئاسى.. وقد قضى هذا القرار الشاذ المشؤوم بنقل وتشريد المستشار خاطر وتخفيض درجته الوظيفية لا لسبب سوى أنه انصاع هو وزملاؤه لحكم الضمير والقانون ومقتضيات واجبهم المهنى.. هل سمعت حضرتك من قبل عن واقعة شنيعة ورهيبة وفضائحية بهذا الحجم وبهذه الغلظة والفظاظة؟! **.. وبمناسبة النوادر والشذوذ غير المسبوقين، هل عبَر بأسوأ وأثقل كوابيسك أن يوما سيأتى على هذا الوطن تحكمه فيه «جماعة» انفلت عيار إجرامها وفحشها لدرجة أن تقتل القتيل (عمدا ومع سبق الإصرار والترصد) ثم لا تمشى فى جنازته، بل تسرق دمه علنا ومن دون أن يهتز رمش واحد فى جفون قيادتها الهاربة من وجه العدالة؟! هذا بالضبط ما فعلوه مع الصحفى النابه الشهيد الحسينى أبو ضيف، فبعد أن قتلوه عقابا له على تقرير صحفى موثق نشره فى صحيفته (صحيفة الفجر) كشف فضائح أعلى مراجع حكمهم (نشر العبد لله تنويها عنه فى هذا المكان قبل شهور قليلة) وبعد أن سرقوا الكاميرا التى سجل بها الشهيد صورهم وهم يمارسون القتل فى محيط القصر الذى يسكنه «ذراعهم».. يدعون الآن أن الحسينى (المنتمى سياسيا لتيار يعادونه ويعاديهم) هو شهيدهم هم وكان من قطعان مريديهم! دلونى على ألفاظ فى قاموس اللغة تصلح لوصف هذا الفجور الخرافى.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.