فعلًا مشكلة.. هل أبدأ بالنهار؟ أم بالجدار؟ أم بالورد؟ وهى حكايات وحواديت لا تطاردنى فقط بل «معششة فى دماغى» وأكيد بتونّسنى وغالبا بتواسينى.. «ماتقلقش مش هنسيبك لوحدك» هييه عايز تسمعها؟! نعم كانت الساعة 8 صباحًا وأنا جالس فى مقهى بواشطن.. أتابع وأراقب وأستمتع بحركة البشر اللى رايحين واللى جايين.. وهمّ فى عالمهم وهن بالطبع فى عالمهن، وأنا كعادتى فى عالمى.. ما أحلاه من عالم أسرح فيه وأحلم فيه (زى ما أنا عايز). وجيمس يقف كعادته بالقرب من محطة المترو المجاورة للمقهى ويبيع الزهور والورود. ومحطات المترو فى قاموسى هى الرحلة والصحبة والالتفاتة والقبلة.. قبلة اللقاء أو قبلة الوداع.. وطبعا الوعد بلقاء آخر. وأنا فى عالمى أرتشف القهوة على مهل (ورانا إيه!) وأقلّب صفحات الجرايد بشغف، وأرى اللهث المتواصل من حولى للحاق بالمترو والخطوات السريعة لاحتضان الحبيبة، وأرى أيضا جيمس ينظر بحسرة إلى زهوره ووروده والجميلات وهن يسرن أمامه.. «يا ورد من يشتريك؟ وللحبيب يهديك». ما تحمله الصحف من مصايب الدنيا أصبح روتينا يوميا أدمنه مع قهوة الصباح، وجرْى المارة إلى المحطة وانتظار جيمس لمن يشترى الورد. وفجأة أجد محمود درويش يقترب من طاولتى ليهمس لى.. ويذكّرنى «حين تبدو السماء رمادية وأرى وردة نتأت فجأة من شقوق جدار لا أقول: السماء رمادية بل أطيل التفرس فى وردة وأقول لها: يا له من نهار!» يا له من نهار أعيشه وأراه أمامى.. وتويتات متواصلة تعصف بى عن رمادية السماء فى القاهرة، والسحابة التى تغطى السماء وتحجب عنا الأمل وأحيانا بكرة كمان. وتصلنى تويتة عن منع نشر عامود عبلة الروينى فى الأخبار. والعامود اسمه «نهار» (يا محاسن الصدف). وعبلة كانت قد كتبت منذ فترة فى عامودها «نهار» «نفسى أصحو يوما لأجد مصر، أقل عنفا، وأكثر هدوءًا، أسير فى الشارع فأجد وجوه الناس مبتسمة، وابتسامتهم عذبة، أو أقف أمام حديقة لأشاهد تفتُح الزهور فيها، الزهور التى كدنا أن ننساها، بعد أن دخلت فى قائمة الممنوعات، والأشياء الغريبة والبعيدة والنادرة.. قبل يومين اقترحت على الصديقة الدكتورة فاطمة البودى بمناسبة افتتاح المقر الجديد لدار العين للنشر، أن تضع ورودًا ملونة فى شرفة البلكونة، لتكون الشرفة الوحيدة بوسط المدينة المميزة بالورود، وتكون أشهر شرفة فى مصر». «يوووه، بعد المحطة والجدار هنطل كمان من البلكونة»، وهنا أتذكر الراوى وهو يختتم قصة لنجيب محفوظ عنوانها (صباح الورد) بعبارة «وإنها لنقمة أن تكون لنا ذاكرة ولكنها أيضا النعمة الباقية». وأنتهى من شرب القهوة وأتوجه إلى جيمس، وفى بالى أن أحكى له عن عبلة وفاطمة ومحفوظ ودرويش وعبد الوهاب وحواديتهم وحواديتى عن البلكونة والجدار والسماء والوردة وبنت الجيران. نعم كل هذا كان فى بالى إلا أن «جووود مورنينج» ناعمة وغير غريبة على أذنى تخطفنى من السرحة. فأقول بتلقائية «يا صباح الورد». نعم تبتسم الصديقة العزيزة «برييز» وهى تسألنى إذا كنت ذاهبًا إلى المترو؟ أقول «نعم» وأمشى معها وأنا أفكر فى الرحلة والصحبة.. ودايما فى بالى النعمة الباقية! وأقول لنفسى: «جيمس ممكن أحكى له الحكايات دى المرة الجاية».