مجلس الوزراء يوافق على 8 قرارات حكومية جديدة    برلماني: تفتيش حرب الفرقة السادسة رسالة مهمة للداخل والخارج    إحالة عدد من العاملين بمدرستين في الفشن ببني سويف للتحقيق    مصر الخير تطلق 22 شاحنة مواد غذائية لأهالي شمال سيناء    بزيادة تصل ل 55 جنيهًا، ارتفاع أسعار منتجات أوكسي في الأسواق    تعديل قانون «المشروعات الصغيرة» على رأس أولويات اللجنة المختصة خلال دور الانعقاد الخامس    إسكان النواب تجهز خطة عمل دور الانعقاد الخامس.. تفعيل الدور الرقابي والتشريعي.. متابعة تنفيذ المسكن الملائم.. الإيجار القديم يدخل دائرة الاهتمام.. وتعديل قانوني البناء وتقنين وضع اليد    الأقصر تترقب وصول رئيس مجلس الوزراء لافتتاح المشروعات التنموية والخدمية    75.62 مليار جنيه تمويلات من بنوك وشركات في مبادرة التمويل العقاري بنهاية سبتمبر    خبير اقتصادي: قرار حظر تدابير الدولار لاستيراد السلع الترفيهية "حماية للاحتياطيات الأجنبية"    السلاب: اجتماعات مكثفة ب النواب لمناقشة الاستراتيجية الوطنية للصناعة 2024-2030    جيش الاحتلال: رصدنا إطلاق 40 صاروخا من الجنوب اللبناني تجاه منطقة الجليل الأعلى وخليج حيفا    الأقوى على مر التاريخ.. إعصار ميلتون يصل ولاية فلوريدا الأمريكية    الرئيس السيسي يستقبل وزير الخارجية الأردني.. والرئاسة تكشف التفاصيل    قرار عاجل من الاتحاد الآسيوي بشأن مباراة النصر السعودي واستقلال طهران الإيراني    بين الماضي والحاضر في الأهلي.. محمد رمضان الذي "لا يعرف إلا الأبيض والأسود"    بعد رحيله عن ليفربول.. يورجن كلوب يُحدد وجهته المقبلة    فالفيردي: مبابي أخرس الجميع.. وأشكر الله على وجوده معي بالفريق    ضبط 3 أشخاص بحوزتهم كميات من المواد المخدرة وسلاح بالأقصر    تقلبات جوية حتى منتصف الأسبوع.. الأرصاد تكشف طقس الأيام المقبلة    فيديوهات أكثر من 6 ساعات.. إخلاء قاعة محكمة شبرا لفض الأحراز بقضية طفل شبرا الخيمة    مصرع سباك إثر سقوطه من الطابق الخامس أثناء عمله بالشرقية    دفاع أحد المتهمين بقضية "فساد التموين": تأخير تقرير الخبراء يعطل سير القضية    غدا، نظر الإدعاء بالحق المدني بقضية حريق نادي صيادلة الإسكندرية    إعلام النواب تناقش خطة عمل قطاعي الثقافة والآثار بدور الانعقاد الأخير    فيلم عصابة الماكس يحتل المركز السادس في منافسات شباك التذاكر    رحمة رياض تنضم لفريق لجنة تحكيم برنامج "X Factor"    أهالي سوهاج يشتكون من نقص الأدوية في التأمين الصحي، ومديرية الصحة: جاري حصر النواقص    «الصحة» تبحث تقوية نظام الترصد الوبائي باستخدام التحول الرقمي مع الأمم المتحدة    ضمن مبادرة "بداية ".. تقديم خدمات صحية ل 1382 مواطناً بقافلة طبية بملوي    وائل جسار يعلن تأجيل حفله بمهرجان الموسيقى العربية    رئيس المركز الاعلامى لمبادرة ألف قائد: تأهيل شباب مسؤولية ولا غنى عن عودة المجالس المحلية    انطلاق برنامج البناء الثقافى لأئمة سوهاج.. صور    أخبار الأهلي : 3 قنوات مفتوحة تنقل مباراة الأهلي والعين في إنتركونتيننتال    أخبار الأهلي : صفقة تبادلية بين الأهلي وزد ..تعرف على التفاصيل    «العدل» يعلن إعادة الهيكلة واستحداث أمانات جديدة لتعزيز الأداء    جامعة بنها تنظم قافلة طبية متخصصة في أمراض العيون بقرية بطا    ممثلة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين: نساء غزة يواجهن فظائع لا يمكن تحملها    بشرى سارة على صعيد العمل.. حظ برج الثور اليوم الأربعاء 9 أكتوبر 2024    لماذا رفضت منال سلامة دخول ابنتها أميرة أديب مجال الفن؟    وكيل زراعة الإسكندرية يتفقد منطقة آثار أبو مينا ببرج العرب لرصد المشاكل    الرمادي: اعتذرنا للزمالك لعدم بيع بيكهام.. وأخطأنا في رحيل خالد صبحي للمصري    تمنى وفاته في الحرم ودفنه بمكة.. وفاة معتمر مصري بعد أداء صلاة العشاء    جيش كوريا الشمالية يعلن إغلاق الحدود مع كوريا الجنوبية بشكل دائم    جنود إسرائيليون فى رسالة تحذيرية: إما وقف إطلاق النار أو التوقف عن الخدمة    الأجهزة الأمنية تواصل جهودها لمكافحة جرائم السرقات وملاحقة وضبط مرتكبيها    مسئول أممى: الجيش الإسرائيلى يهاجم لبنان بنفس الأساليب التى يستخدمها فى غزة    الفتوى وبناء الإنسان.. الإفتاء على خطى المبادرات الرئاسية لمواجهة الفكر المتطرف وتنمية المجتمع    "سرابيوم الإسكندرية" أحدث إصدارات سلسلة "عارف" الوثائقية    جائزة نوبل فى الكيمياء.. كيف حفر أحمد زويل اسمه فى تاريخ العلوم؟    محافظ أسيوط يتفقد مركز بني محمديات المتميز للخدمات الصحية للأم والطفل لبحث تشغيله ودخوله الخدمة    بالأسماء، السماح ل 21 شخصًا بالتنازل عن الجنسية المصرية    الحالة المرورية بشوارع وميادين القاهرة الكبرى.. الأربعاء 9 أكتوبر    أمين الفتوى: الوسطية ليست تفريط.. وسيدنا النبي لم يكره الدنيا    هدنة غزة.. «رويترز» تكشف عن خطوة مفاجئة من قيادات حزب الله والسبب لبنان    الدعاء وسيلة لتحسين العلاقة بالله وزيادة الإيمان    هل الأهلي بخيل في الصرف على صفقات فريق الكرة؟ عدلي القيعي يرد    الدعاء كوسيلة للتخلص من الهموم وجلب الطمأنينة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع بنوك
نشر في التحرير يوم 31 - 07 - 2012

سيذكر التاريخ العربى الحديث، أن الصراع العربى الصهيونى بدأ أولا «كصراع وجود»، ثم تحوّل بمرور الوقت إلى «صراع حدود»، وانتهى فى مسلسل «فرقة ناجى عطا الله» إلى «صراع بنوك».
لا أتحدث هنا فقط عن سطحية الرؤية السياسية فى المسلسل، ولكنى أريد توسعة الفكرة لتشمل سطحية الرؤية فى الأعمال الدرامية عموما، ستجدُنا عادة أمام أمرين: إما نغمة جهيرة الصوت إلى درجة «إنت من الأحرار يا على» و«مصر ح تفضل غالية علىّ» وكارثة «ليلة البيبى دول»،أو معالجات شديدة السذاجة، تدعو إلى الرثاء، على طريقة مهمة نادية الجندى فى «تل أبيب»، أو معالجاتها العميقة لعصر «فاروق»، أو على طريقة فيلم «طبّاخ الرئيس»، وهو من أعمال يوسف معاطى قبل ثورة يناير، شاهدنا فى هذا الفيلم محنة الرئيس النبيل، عاشق كشرى «أبو طارق»، وسط حاشية من اللصوص، وكأن هؤلاء اللصوص هبطوا عليه من السماء، وكأن القانون يجب أن يلتمس العُذر للرؤساء المغفّلين، ولا يلتمس العُذر للشعوب البائسة.
فى «فرقة ناجى عطا الله» يقطع «معاطى» أشواطا فى اختيار معادل موضوعى عجيب، ترجمةً للصراع بين العرب وإسرائيل، دعك من زحف التجاعيد على وجه وجسد عادل إمام الذى يُفترض أن يقود فريقا مدربا لسرقة بنك إسرائيلى، وحاول أن تنسى استلهام فكرة سرقة البنك للانتقام من سرقة الأرض والمال من الفيلم المعروف «ملح هذا البحر» للمخرجة الفلسطينية «آن مارى جاسر»، وتغاضَ عن استلهام تكوين فريق للعملية من أعمال معروفة مثل «رجال أوشن الأحد عشر»، و«مهمة مستحيلة».
كل ذلك يمكن ابتلاعه بالماء والخشاف، بعد يوم صيام وإفطار دسم، ولكن ما لا يمكن ابتلاعه الإلحاح على فكرة أن محاولة دبلوماسى مصرى استرداد أمواله من الصهاينة بسرقة أحد بنوكهم، يمكن أن يكون معادلا دراميا لقدرة المصريين والعرب على هزيمة إسرائيل فى ميدان العلم والتكنولوجيا، بل إن بطلنا العجوز القادم مباشرة من انتصار أكتوبر، يكاد يعتبر عملية السرقة عبورا جديدا يعادل رمزيا اقتحام خط بارليف!
من السذاجة أن تقدم للمتفرج المصرى والعربى البائس هذا التعويض الهزلى عن سرقة الأرض، ومن العبث أن يكون اقتحام بنك فى إسرائيل دليلا على تفوقنا التقنى والحضارى والتكنولوجى، كأن إسرائيل لا تستطيع مثلا التخطيط لسرقة بنك فى أى عاصمة عربية، وقد رأيناها تغتال كبار المسؤولين الفلسطينيين، أو تحاول اغتيالهم، فى عمليات مشهورة، من بيروت وعمّان، إلى دبى وتونس، بدا الأمر وكأننا نستطيع تكوين فرقة «ناجى عطا الله»، ولا يستطيعون هم تكوين «فرقة ديفيد شالوم لسرقة البنوك العربية».
يفشل هذا البناء للأحداث فى أن يكون مقنعا، خصوصا أن «ناجى عطا الله» تضخمت ثروته أصلا بسبب جلسات القمار التى ينظّمها، كما أنه يشعر بحيرة بالغة فى إنفاق الأموال المسروقة فى الدول العربية، التى اشترك بعض مواطنيها «بالدعم اللوجيستى» فى عملية السرقة. لا شك أن بطلة فيلم «ملح هذا البحر» كانت أكثر قدرة على إقناعنا بالتعاطف معها: الفتاة الفلسطينية «ثريا» التى ولدت ونشأت فى «بروكلين» بالولايات المتحدة، ثم اكتشفت أن بنك «يافا» قام بتجميد حساب جدها، عندما ترك بلاده إثر النكبة فى عام 1948، هنا يمتزج العام (النكبة) مع الخاص (مصادرة البنك لأموال الجد)، وبالتالى تكون لمحاولة استرداد المال بنفس الطريقة الإسرائيلية، مدلولها الرمزى القوى، بصرف النظر عن نتيجتها.
فإذا أضفت إلى كل ذلك، انتقال المسلسل إلى التناقضات العربية فى لبنان وسوريا والعراق والصومال ومصر، فإن السرقة فى مسلسل «ناجى عطا الله» لم تحلّ المشكلة، ولكنها كشفت عن تناقضات أكبر، ترجع إلى طريقة تعامل الذهنية العربية مع مشكلاتها، أى أن نجاح السرقة نفسه فقد تأثيره تماما، لأن ما بين الحكام العرب وشعوبهم، وما بين الأنظمة العربية من صراعات، يتجاوز بمراحل سرقة إسرائيل لإيداعات دبلوماسى مصرى، ومحارب قديم مغامر.
نحن إذن أمام فكرتين، تُحقق الأولى نصرا وهميا وكاذبا، وتُدخلنا الثانية فى دوامة الصراعات العربية، وبينهما حقائب أموال مسروقة لا يعرف سارقها كيف ينفقها، فيستخدمها لتحرير الأسرى وتزويج العشاق وإطعام الجوعى، ده على أساس أن أموال النفط لا تُستخدم إلا فى شراء الجوارى، وباعتبار أن العرب لا يدققون كثيرا فى مصدر الأموال، وقديما قال الحكماء: «كله عند العرب صابون». إذا بدأت من فكرة ساذجة ستدخل فى طوفان من السذاجات المتتالية حتى لوكانت هناك مشاهد كثيرة خفيفة الظل، امتزجت دوافع «ناجى عطا الله»، حتى لم نعد نعرف هل سرق البنك من أجل الانتقام الشخصى، أم كراهية للصهيونية التى سرقت أرض فلسطين، والتى أوصلتنا إلى التفرّغ للصلح بين فتح وحماس، أم أنه اتخذ قرار السرقة بدافع تاريخى، ذلك أن اليهود عندما خرجوا من مصر، أيام فرعون موسى، سرقوا الحلى والذهب المصرى، تقدر تقول إن عملية «ناجى» وفرقته، مجرد تعويض مؤقت، قرش صاغ لأحد أحفاد الفراعنة المسروقين، فى انتظار سرقة أكبر، فى مواسم رمضانية قادمة.
لستُ ضد فكرة كتابة المسلسلات والأعمال الدرامية لتناسب ممثلا معينا، المشكلة تبدأ عندما تكون الشخصية الدرامية أضعف من الممثل، تشعر فى مناطق كثيرة أنك أمام عادل إمام شخصيا بصورته النمطية فى أفلامه: ساحر النساء، الشخصية الأقوى فى السفارة رغم أنه مجرد ملحق إدارى، الزعيم الذى يقود ويدرب ويسيطر على العملية الكبرى.
عندما كتب الراحل الكبير أحمد بهاء الدين، سلسلة مقالاته الشهيرة إثر هزيمة العرب العسكرية فى حرب 1967، قال عن حق إن الصراع العربى مع الصهيونية هو صراع حضارى بالأساس، كان يقصد بالتأكيد أشياء أخطر وأكثر عمقا من أن نستخدم التكنولوجيا فى سرقة بنك إسرائيلى، أو أن نفرح بالفرجة على ذلك فى مسلسل رمضانى ظريف.
فكرة «بهاء» تتحدث عن صراع مستقبلى بين العقول والقدرات والمواهب، عن عدد العلماء العرب مقابل عددهم فى إسرائيل، عن إسهام العرب فى تقدم البشرية لا فى فتاوى الدخول بالرجل اليمين إلى دورات المياه، أو حُكم الوقوف فى أثناء الاستماع إلى السلام الجمهورى. كان «بهاء» يناقش أخطاء الحرب وأسباب الهزيمة باعتبارها التجلّى الواضح لأخطاء العقل العربى فى الميل إلى التعميم، وعدم الاستفادة من تجارب الماضى، لدرجة أن «موشى ديان» قال يوما: «إن العرب لايقرؤون»، وربما أضاف أيضا: و«إذا قرؤوا لا يفهمون».
الانتصارات العسكرية لا تحددها الأسلحة والخطط فقط، ولكنها تكشف دوما عن رؤية معقدة تجعلك تعرف لماذا تحارب، وكيف تحدد أهدافك، وما الذى تريده من كل معركة؟ تجعلك أيضا تدير مجتمعك لصالح مواطنيك، وتحرر عقول الناس قبل أن تحرر الأرض التى تدافع عنها. بعد سنوات طويلة من فكرة «بهاء» الرائعة، ما زلنا ندور وسط حلقة مفرغة، اكتشفنا مع الأسف أن أنظمة عربية قتلت من شعوبها أضعاف ما قتلته من الإسرائيليين، «بشّار» الجزار استخدم جيشه لقتل الآلاف ولم يطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل.
معمر القذافى كان مجنونا هاربا من البيمارستان يعيش أيام المماليك، صدام حسين استخدم الغازات لقتل الأكراد، أموال النفط ما زالت فى بنوك أوروبا وأمريكا، وتحت أقدام الروسيات، «فقه المراحيض»، كما كان يطلق عليه الشيخ محمد الغزالى، ما زال سائدا، ولولا بقية من الحياء لخصّصوا له إحدى مواد الدستور.
ثم إننا اهتدينا أخيرا إلى حلّ عبقرى يحسم القضية: نأخذ من كل قبيلة رجلا، وندربهم جميعا على سرقة بنوك إسرائيل، فلا تقوم للدولة العبرية قائمة.
نسرق لهم بنكا، وهم يسرقون لنا بنكا، ونعيش من غير بنوك «إحنا الاتنين».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.