لم تقف خبرة الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الكنيسة الإنجيلية الجديد، الذي لم يمر على انتخابه سوى ثلاثة أشهر، عند مجرد حنكته في التعامل مع الشأن الروحي والكنسي واللاهوتي، إذ إنَّه بخلاف كونه رئيسًا للكنيسة فهو مدير للهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، وهي واحدة من كبرى مؤسسات المجتمع المدني في مصر. هو يجمع بين الدورين "الروحي والمجتمعي"، لذا كان ل"التحرير" حوارٌ معه، تحدَّث فيه عن دور الهيئة الإنجيلية من خلال علاقات الدبلوماسية الشعبية في دعم مصر، وفتح سبل الحوار مع أمريكا والاتحاد الأوروبي والوطن العربى، مؤكدًا أنَّ مصر ليس أمامها سوى التقدم للأمام، كما أعرب عن أمله في أن تجدِّد الكنيسة من خطابها لخلق تواصل أفضل مع الشباب، وإلى نص الحوار.. كيف ترى المشهد بعد عام من تولي الرئيس السيسي المسؤولية السياسية في مصر؟ مصر ليس لديها سوى خيار واحد هو التقدم للأمام، وعن نفسي أرى أنَّ الأوضاع الاقتصادية تتحسن، والتحسن ليس مجرد كلام بعيدًا عن المؤشرات، فالقيمة السوقية للبورصة في ارتفاع مستمر، ولم يفقد الجنيه المصري قيمته أمام العملات الأجنبية إلا ما بين 15 إلى 20% في مرحلة أربع سنوات، أمام تحديات اقتصادية، وهذا في حد ذاته نجاح كبير جدًا. أمَّا على مستوى العلاقات الدولية فمن الواضح أنَّ الرئيس السيسي أدَّى دورًا غير مسبوق في هذا الشأن، وأنَّ المؤتمر الاقتصادى لم يكن فقط ناجحًا من الناحية الاقتصادية، لكنه كان شهادة اعتراف دولية بالنظام المصري والدولة المصرية الناشئة عقب "30 يونيو" ولمسنا التغير في خطاب الولاياتالمتحدة، الذي تمثِّل في الإفراج عن "الأباتشي"، والمعونات العسكرية، ورأينا تطور الموقف في فرنسا وإسبانيا، وأتوقع تطور الموقف في ألمانيا قريبا، وإذن يمكننا تأكيد نجاح العلاقات الدولية بدرجة جيد جدًا. وماذا عن الشأن الداخلي؟ على المستوى الداخلي، المنظومة الأمنية تتطور، والأوضاع أكثر أمنًا مقارنة بفترة سابقة، هناك مشروعات اقتصادية كبرى، وافتتاح قناة السويس لو تم في 6 أغسطس المقبل كما هو محدد له، والمشروعات الاقتصادية التي ستولد على طرف القناة ستمثل نقلة نوعية في الاقتصاد المصري، فيما يتعلق بفرصة التوظيف وسمعة مصر الدولية، لكن لا بد من مراعاة أننا في فترة انتقالية، والانتقال من نظام إلى نظام ليس مجرد "ضغطة ماوس" على الكمبيوتر، بل يتطلب وقتًا ومجهودًا كبيرًا. كيف ترى العلاقة بين الأزهر والكنيسة؟ أرى العلاقات الإسلامية المسيحية في تطور أفضل بكثير، نبرة التوترات الطائفية بدأت تتراجع، والعلاقة مع الدولة بدت أفضل بكثير، هناك تقدم ملموس على كل هذه المستويات. ماذا عن البرلمان؟ أتمنى أن تتم انتخابات البرلمان الجديدة في موعدها، وأتمنى أن يأتي برلمان جديد معبر عن الثورة المصرية، وخلال عام من الآن سنرى ثمارًا أفضل، وفي السنة التي تليها سنجنى ثمارًا حقيقية على مستويات متعددة في مصر. بعيدًا عن "الكوتة"، كيف ترى فرص الأقباط في الوصول إلى البرلمان، وهل الفرصة مواتية عن طريق الفردي أو القوائم الحزبية؟ أتوقع أنَّها ستكون أفضل من أي فترة سابقة، لن نذهب بعيدًا، ففي انتخابات 1995 لم يكن قبطي واحد مرشحًا على قائمة الحزب الوطني الحاكم في ذلك الوقت، وهو ما تم في انتخابات 2000، وانتخابات 2005 و2010 لم تختلفا كثيرًا، فكان آخر 20 سنة أدنى صورة لتمثيل المصريين الأقباط في البرلمان. أنا متوقع أنَّ 2015 مع ثورتي يناير ويونيو سيكون هناك تمثيل قبطي أكثر، وبعيدًا عن أرقام الكوتة لا أستطيع أن أتكهن بأرقام، لكنى مطمئن إلى أنَّ هناك تغييرًا في المجتمع بسبب الثورة، سيؤدي حتمًا إلى تعددية في البرلمان المقبل. هل ترى أنَّ الأزهر قادر على تطوير الخطاب الديني كما طالب الرئيس أكثر من مرة؟ مطالب الرئيس بتجديد الخطاب الديني لا تقف فقط عند حدود مؤسسة الأزهر، في اعتقادى هو خطاب موجه إلى المؤسسات الدينية في مصر، إسلامية ومسيحية، لأنَّه كما أنَّ الخطاب الديني الإسلامي يحتاج تطويرًا، فكذلك الخطاب الديني المسيحي يحتاج تطويرًا، لنكن صرحاء، أعتقد أنَّ الرئيس أسبق من المؤسسات الدينية، وأسرع منها بشكل عام، وعلى المؤسسات الدينية أن تتحرك في هذا السياق، وشخصية الرئيس كما أراه، يفاوض دائمًا في الوقت، وفي سرعة الإنجاز. الدعوة إلى تغيير الخطاب الديني في مصر هي بداية 60% من الإصلاح، لأنَّ التفكير الديني تفكير مؤثر، ونحن شعب، مسلمون ومسيحيون، متدين بالفطرة، وإذا تم فعلاً واستطاعت المؤسسات الدينية أن تنقل خطوة سريعة في هذا المجال وتسعى لتطوير الخطاب الديني أؤكد أنَّ 60% من مشكلات مصر ستُحل. ما تطلعاتك للكنيسة الإنجيلية في الفترة المقبلة؟ أتمنى أن تكون الكنيسة الإنجيلية أكثر فاعلية في خدمة أعضائها وفي خدمة المجتمع، كما أتمنى أن تكون الكنيسة المحلية، وهي أساس الكنيسة العامة، فاعلة ومؤثرة، وتفتح أبوابها وتحتضن الجميع، وتقدم لهم المحبة، كما لديّ أمل في كنيسة محلية قوية مؤثرة، قادرة على بناء الجسور مع الشباب، بعدما أصبح هناك فجوة كبيرة بين الشباب والكنيسة، فاتجه الكثير إلى الإلحاد، وتعرض الشباب لضغوط اقتصادية كبيرة، ولذا أتمنى أن تتحدث الكنيسة بلغة الشباب الجديدة، وأن تبنى جسورًا معه، وأن تطور أساليب عبادتها، لتكون ملائمة للعصر وملائمة للمتغيرات، وهناك الكثير فيما يتعلق بالعمل الكنسي. ماذا عن العلاقات مع الكنائس الأخرى ومجلس كنائس مصر؟ أتمنى علاقات قوية ودورًا أكبر لمجلس كنائس مصر، وعلاقات مبنية على الاحترام، وتفاعلاً وتعاونًا بين الكنائس الكبرى بعضها مع بعض، وفتح مجالات جديدة للخدمة والتنسيق في هذا المجال، وعلاقة مع الدولة تكون أكثر قوة ومتانة، وعلاقة مع المؤسسات الإسلامية تشمل الاحترام، وأن نتكاتف معًا لثورة دينية، ونضع آليات جديدة للخطاب الديني. ما الجديد بخصوص رسامة المرأة قسًّا في الكنيسة الإنجيلية؟ بخصوص هذا الموضوع، الطائفة الإنجيلية في مصر بها 18 مذهبًا، ويناقش على نطاق واسع داخل الكنيسة الإنجيلية المشيخية، وهى أكبر كيان إنجيلي في مصر والشرق الأوسط، والكنيسة الإنجيلية المشيخية بها ثلاث تيارات رئيسية فيها تتعلق برسامة المرأة قسًّا، التيار الأول يراه أمرًا جائزًا لاهوتيًا وجائزًا اجتماعيًا، والثاني يراه جائزًا لاهوتيًا وغير جائز اجتماعيًا، والثالث يراه غير جائز لاهوتيًا واجتماعيًا. وقرر السنودس في اجتماعٍ سابق تأجيل التصويت على القرار إلى أبريل 2016، وفي هذا العام سيكون هناك مزيد من الدراسات والأبحاث واللقاءات، بهدف توسيع دائرة فهم القرار. هل الكنيسة الإنجيلية تأثرت بحالة التشدد في المجتمع بشكل عام؟ لا نستطيع أن نقول إننا بمنأى عن مناخ التطرف الموجود في الشرق الأوسط ككل، وليس مصر وحدها، لكن ما زالت الكنيسة الإنجيلية تحتفظ بحيويتها وشبابها ورغبتها في التطوير والتجديد، وهي دائمًا في صراع بين الجماعة التي تريد السيطرة من خلال التشدد والجماعة الإبداعية التي تريد أن يستمر دور الكنيسة قيد المتابعة، وهذا ما سنراه في موضوع رسامة المرأة قسًّا. نعود إلى مجلس كنائس مصر.. هل ترى أنَّه يؤدي دوره وله فاعلية وتأثير؟ في إجابة مختصرة ودبلوماسية لا يزال هناك الكثير الذى لم يُعمل بعد. وماذا عن العلاقة مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية؟ العلاقة تتميز بالاحترام الشديد والمتبادل، وقداسة البابا الأنبا تواضروس، شخص له كل التقدير والاحترام، والعلاقة طيبة للغاية ومبنية على الاحترام المتبادل. هل تم الاتفاق على قانون الأحوال الشخصية الموحَّد بشكل نهائي؟ المعلومات التي لديّ أنَّ الكنائس الثلاث وقَّعت على قانون موحَّد في ديسمبر الماضي، بحضور صفوت البياضي، رئيس الطائفة في ذلك الوقت، وقداسة البابا تواضروس، والبطريرك إبراهيم إسحق، بطريرك الأقباط الكاثوليك، وتم تسليمه إلى وزارة العدالة الانتقالية، لكن مصيره لا يزال مجهولاً، ولا ندري هل سيقدَّم لمجلس الشعب؟ أم هل سيرسل إلى الكنائس مرة أخرى لإبداء الرأي قبل تقديمه إلى البرلمان؟ علمي علمك. هل هناك مشروع كتاب جديد عقب كتاب الأقباط والثورة؟ أكتب الآن كتابًا جديدًا بعنوان "نحو لاهوت سياسي عربي". ما تفاصيل موضوعات الكتاب؟ ما زلتُ في البداية، لكني أذكرك بأنَّ الفصل الرابع في كتاب "الأقباط والثورة"، تحدثت فيه عن أفكار لاهوتية في قرينة عربية، وكثيرون رأوا أنَّه بذرة مشروع أكبر، والموضوع لا يعني مزج الدين بالسياسة، لأنَّي ضد هذه الفكرة، بل كيف يهتم الفكر الديني بالشأن العام، فمثلاً الفكر الديني يمكنه أن يتحدث عن العدالة السياسية، ولا يقدم نظامًا سياسيًّا، لأنَّه بهذا يكون قد خلط الدين بالسياسة، ويصير نظامًا سياسيًّا مقدسًا، وهنا لا يمكن نقده، والكتاب يدور حول اهتمام المسيحية بالشأن العام. هل هو يشبه لاهوت التحرير في أمريكا التلاينية بروح مصرية؟ هو أكثر تقدمًا من لاهوت التحرير. بمناسبة زيارة الرئيس السيسي الأخيرة لألمانيا.. هل يكون للكنيسة الإنجيلية والهيئة القبطية دور في توطيد العلاقات المصرية مع ألمانيا؟ إجابتي ستعود بنا إلى التاريخ منذ صدور الأحكام في المنيا بإعدام 528 متهمًا إخوانيًّا، وما تلا هذا من سلسلة أحكام من ذات النوعية، أدَّت إلى ردود فعل كثيرة في ألمانيا، وبالفعل فإنَّ هناك قيادات من الكنيسة في ألمانيا، ومن مؤسسات المجتمع المدني اتصلوا بي، وحاولنا بعد أحكام الإعدام شرح النظام القضائي المصري الذي يعطي أغلظ عقوبة في حالة غياب المتهم، كما أوضحنا أنَّ هناك مراحل للتقاضي في النظام القضائي المصري، وهناك محكمة نقض، ومحكمة استئناف، وبالتالي تتغير الأحكام طبقًا لقناعات القضاة، وأنَّه لا دخل للدولة في عمل النظام القضائي المصري، شرحنا كل هذا، لكن يبدو أنَّ الآلة الإعلامية الغربية والتي تسيطر عليها جماعات ذات توجه معين، نجحت في إفساد هذا. إذن كيف ينظر الغرب إلى هذه الأحكام؟ نحن هنا لنا نظامنا ولا أحد يتدخل فيه، لكن الغرب لا يرى المسألة بهذه الطريقة، هو يرى أنَّها أحكام إعدام بالجملة، وهذا سبب ردود الفعل غير الجيدة التي وقعت في اليومين الماضيين، والإعلام المصري نفسه تناول هذه الأحكام بقوله إنَّ لها ردود فعل في الغرب، طبعًا، نحن دون شك نشرح الموقف وسنشرحه، ونلعب دورًا مهمًا في توضيح الصورة. هل لهذه الدرجة لا يعرف السياسيون والإعلاميون في الغرب طبيعة الأمور في مصر؟ لا نستطيع التعميم بأنَّ هذا هو الموقف على مستوى الغرب كله، ولا بد أن نعرف أنَّ الإعلام الغربي يتأثر بأجندات عديدة، وليس إعلامًا موضوعيًّا 100%، هذا كلام غير دقيق، الإعلام في أي مكان بالعالم، خصوصًا الغربي، له أجندات، الأمر الثاني، واضح أنَّ هناك بعض التيارات الدينية مثل جماعة الإخوان لديها مؤسسات دولية تؤثر في بعض الأجندات الإعلامية الغربية، ليس فقط الإعلام، بل في مجموعات "think tank" أو "خلايا التفكير" والمجموعات البحثية المحيطة بصناع القرار في بعض المؤسسات الغربية. هل استطاعت المؤسسات المصرية التعامل بشكل جيد مع الدعاية في الغرب؟ للأسف، لم ننجح في تطوير منظومة قادرة على التعامل مع الإعلام الغربي، وهذا لا يتطلب فقط إدراك المتغيرات في الغرب، ولا إدراكًا للغة التي من المفترض أن تستخدم، بل يتطلب قدرة تسويقية، وأنا أتصوَّر أنَّ منظومة العلاقات الدولية والعلاقة مع الإعلام الدولي، واحدة من الأمور التي تحتاج الدراسة بالتدقيق في مصر. هل سيكون هناك دور للدبلوماسية الشعبية لتوطيد العلاقات مع دولة تقود الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا؟ بالتأكيد، الدبلوماسية الشعبية موضوع مهم بالنسبة إلى الهيئة القبطية الإنجيلية، وفي ألمانيا تربطنا علاقة بجناحين مهمين، الجناح الأول "الأيكا" وهي رئاسة الكنيسة الألمانية، وهي كنيسة إنجيلية، وتمثل دورًا مهمًا في ألمانيا، والباحثون يرصدون فرقًا بين العلمانية الألمانية، والعلمانية الفرنسية، التي تفصل تمامًا بين الدين والسياسة، أمَّا العلمانية الألمانية فمختلفة، فهناك مكان ودور للعلاقة مع الدين والكنيسة في ألمانيا، وبالتالي لنا علاقة مباشرة مع الأيكا، ورئيس الكنيسة في ألمانيا زارنا في مصر ديسمبر الماضي، وإن شاء الله سأسعى لتوجيه الدعوة إليه مرة ثانية لزيارة مصر، وأتصور أنه في المرة المقبلة حين يأتي سنحاول توفير وقت لزيارة القيادة السياسية والمؤسسات الإسلامية المصرية. وما الجناح الثاني للعلاقة مع ألمانيا؟ الجناح الثاني هو مؤسسات المجتمع المدني الألمانية، وهي مؤسسات كبرى ولها تأثير، وبالتالى نحن متواصلون، ولدينا في الهيئة الإنجيلية ما يسمى بالحوار المصري الألماني، والحوار المصري الألماني للشباب، والحوار العربي الأوروبي، وكل هذه التكتلات لها ركائز في ألمانيا، ولها شركاء متعددون في ألمانيا، وهو مجال سنعمل عليه بقوة في المرحلة المقبلة. ما الفعاليات التي تنظمها الدبلوماسية الشعبية بالهيئة الإنجيلية في الفترة المقبلة؟ نتحرك في الوقت الحالى على عدة مستويات، المستوى الأول، سأجري زيارةً إلى الولاياتالمتحدة خلال شهر يونيو الجاري، وسألتقي قيادات سياسية في الخارجية الأمريكية، وقيادات دينية، وممثلي مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية، وكل هذه اللقاءات تهدف إلى الإعداد إلى برنامج أكبر للحوار المصري الأمريكي، والحوار العربي الأمريكي فيما يتعلق بالدبلوماسية الشعبية. وماذا عن الفعاليات في أوروبا؟ شكّلنا لجنة شارك فيها ممثلون من ألمانيا، والسويد، واليونان، والدنمارك، والهيئة الإنجيلية من مصر، كلجنة تأسيسية للدبلوماسية الشعبية في مجال الحوار العربي الأوروبي، وسنلتقى معًا خلال أغسطس المقبل، للإعداد لبرنامج كبير للدبلوماسية الشعبية بين العالم العربي وأوروبا، يتوقع أن يتم تنفيذه خلال النصف الأول من 2016، كما نجهز الآن لبرنامج كبير للقاء عربي عربي سيعقد في أوائل سبتمبر المقبل في دبي، أو بيروت، ليكون نواة للإعداد للحوار العربي الأوروبي.