تشهد واحدة من أصغر وأقدم الديانات في العالم موجة إحياء جديدة في إقليم كردستان العراق، هذه الديانة لها جذور كردية عميقة؛ أسسها زرادشت، الذي وُلد في الجزء الكردي من إيران منذ 3500 سنة، والكتاب المقدس لهذه الديانة هو "أفستا"، الذي كُتب بلغة قديمة اُشتقت منها اللغة الكردية، حسب تقرير ل"ديلي بيست". تشير التقديرات الآن، لوجود ما يصل إلى 190 ألفًا من المؤمنين بهذه الديانة في العالم. ولكن، بعد أن أصبح الإسلام الدين السائد في المنطقة خلال القرن السابع؛ اختفت الزرادشتية. وللمرة الأولى منذ أكثر من 1000 سنة، قام السكّان المحليون في منطقة ريفية من محافظة السليمانية بمراسم قديمة في مايو الماضي؛ حيث يضع الأتباع حزامًا خاصًا يدل على أنهم مستعدون لخدمة الدين واحترام معتقداته. إنّه أمر يشبه المعمودية في المسيحية. وقال الزرادشتيون الجدد إنّهم سينظمون احتفالات مماثلة في أماكن أخرى بإقليم كردستان العراق، وطلبوا أيضًا الحصول على إذن لبناء ما يصل إلى 12 معبدًا داخل المنطقة؛ التي لديها حدودها، وجيشها، وبرلمانها الخاص. ويزور الزرادشتيون أيضًا الدوائر الحكومية في إقليم كردستان العراق ويطالبون بأن يتم الاعتراف بالديانة الزرادشتية كدين رسمي. كما لديهم نشيد خاص بهم ويحضر العديد من السكان المحليين الطقوس الزرادشتية ويستجيبون للمنظمات الزرادشتية، ولديهم العديد من الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي. على الرغم من عدم وجود أرقام رسمية تبيّن عدد السكّان المحليين من الأكراد الذين تحوّلوا فعلًا إلى هذه الديانة، لكن، من المؤكد أن هناك الكثير من النقاش حول هذا الموضوع المثير للجدل. ويعتقد من يعتنقون الزرادشتية أنّه بمجرد تعلم السكّان المحليين المزيد عن هذه الديانة؛ فإنّ أعدادهم سوف تتزايد. ويبدو أنّهم يروجون لفكرة الزرادشتية بالقول إنّها بطريقة أو بأخرى "أكثر كردية" من الأديان الأخرى، إنّها فكرة جذابة في المنطقة؛ حيث يهتم العديد من السكّان المحليين بهويتهم العرقية أكثر من اهتمامهم بالانقسامات الدينية. ويقول لقمان الحاج كريم، أحد كبار ممثلي الزرادشتية ورئيس المنظمة الزرادشتية، زاند، الذي يؤمن بأن نظام معتقده أكثر "كردية" من الديانات الأخرى: "هذا الدين سوف يستعيد الثقافة الحقيقية والدين للشعب الكردي. إنّ إحياء هذا الدين هو جزء من الثورة الثقافية، يعطي الشعب طرقًا جديدة لاستكشاف راحة البال والوئام والمحبة". في الواقع، يعتقد الزرادشتيون أنّ قوى الخير والشر في صراع مستمر بهذا العالم؛ ولعل ذلك هو السبب في شكّ العديد من السكّان المحليين أنّ هذا الإحياء الديني يرتبط بالأزمة الأمنية الناجمة عن الجماعة (المتطرفة) التي تُعرف باسم "الدولة الإسلامية" والانقسامات الطائفية والعرقية العميقة في العراق. ويقول مروان نقشبندي، الناطق باسم وزارة كردستان العراق للشؤون الدينية: "شعب كردستان لم يعد يعرف أي حركة إسلامية، وأي عقيدة أو فتوى ينبغي الإيمان بها". كما أخبرنا أنّ الاهتمام بالزرادشتية هو أعراض ناتجة عن خلافات داخل الإسلام وعدم الاستقرار الديني في المنطقة الكردية العراقية، وكذلك في البلاد ككل. ويوضح نقشبندي: "بالنسبة للعديد من الأكراد الأكثر ليبرالية وقومية، تبدو الشعارات التي يستخدمها الزرادشتيون معتدلة وواقعية. هناك الكثير من الناس هنا يشعرون بالغضب من وحشية تنظيم الدولة الإسلامية". كما أكّد نقشبندي أنّ وزارته تساعد الزرادشتيين على تحقيق أهدافهم. وقال إنّ الحق في حرية الدين والعبادة من الأمور التي ينص عليها القانون الكردي، وسوف يكون هناك تمثيل للزرادشتيين في مكاتبه. زعيم الزرادشتية، الحاج كريم ليس، على يقين تام حول ما إذا كان تنظيم الدولة الإسلامية هو الذي يغيّر طريقة تفكير السكّان المحليين بشأن الدين. ويقول: "شعب كردستان يعاني من ثقافة الانهيار التي تعيق التغيير. فمن غير منطقي الربط بين الزرادشتية وتنظيم داعش. نحن ببساطة نشجّع طريقة جديدة للتفكير في كيفية عيش حياة أفضل، الطريقة التي أخبرنا بها زرادشت". على وسائل التواصل الاجتماعي المحلية كان هناك الكثير من النقاش حول هذا الموضوع. وكان أحد الأسئلة الأكثر شيوعًا: هل الأكراد يتخلون عن الإسلام تمامًا لصالح المعتقدات الأخرى؟ رد الحاج كريم، وقال: "نحن لا نريد أن نكون بديلًا عن أي دين آخر، لكننا ببساطة نريد أن نستجيب لاحتياجات المجتمع". حتى لو لم يعترف الحاج كريم بذلك، فمن الواضح للجميع أنّ الالتزام بالزرادشتية يعني التخلي عن الإسلام. ولكن، حتى أولئك الذين يرغبون في الحصول على "حزام" الزرادشتية يبتعدون عن تشويه سمعة أي نظام معتقد آخر. قد يكون هذا أحد الأسباب لعدم انتقاد رجال الدين الإسلامي والسياسيين الإسلاميين للزرادشتيين بشكل علني حتى الآن. يقول أحد السياسيين المحليين، حاجي كروان، النائب عن كتلة الاتحاد الإسلامي في كردستان العراق، إنّه لا يعتقد أنّ الكثير من الناس قد تحوّل فعلًا إلى الزرادشتية على أي حال. ويعتقد أيضًا أنّ أولئك الذين يروّجون لهذه الديانة هم مجرد قلة قليلة. ويقول: "لكن بطبيعة الحال، الناس أحرار في اختيار أي دين يريدون اعتناقه؛ فالإسلام يقول لنا لا إكراه في الدين". من ناحية أخرى، لا يتفق كروان مع فكرة أنّ أي دين، ناهيك عن الزرادشتية، هو "كردي" في طبيعته. ويقول إنّ الدين جاء إلى الإنسانية جمعاء، وليس لمجموعة عرقية معينة.