تعتبر المعادلة التي تسعى الصين إلى إقامة علاقات على أساسها مع دول الشرق الأوسط، مختلّة الأركان كونها قائمة على الجمع بين جملة من المتناقضات التي لا يمكن التأليف بينها. فمحاولة ترسيخ العلاقات مع بلدان الخليج العربي دون إيلاء اهتمام لأمنها القومي الذي تمثل إيران أكبر مهدد له، والعمل على جذب طهران إلى دائرة تحالف يكون العرب طرفا فيه، يعدّ نوعا من العبث الصيني الذي لا يمكن أن يعود بفائدة على مصالح بكين عاجلا أو آجلا. مؤطئ قدم يتطلّب فهم الدور الصيني في الشرق الأوسط، النظر في جملة الأحداث والتحركات التي تقوم بها بكين على مدى السنوات الأخيرة من أجل إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة. ففي أواخر شهر مارس الماضي، كشفت بكين عن بعض العناوين العريضة التي تسير سياستها الخارجية وفقها عبر إرسال سفن حربية قالت إنها تهدف من خلال وجودها إلى حماية مئات الصينيين إلى جانب مواطنين أجانب آخرين موجودين في اليمن على إثر سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء واستهدافهم من قبل قوات التحالف العربي عبر عملية "عاصفة الحزم". البقاء خارج الصراع وفي أوائل شهر أبريل الجاري، وفق ما أوردته وثيقة صادرة عن موقع "فورين بوليسي"، ألغى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، زيارته الأولى المقرّرة لكلّ من المملكة العربية السعودية ومصر. وتفيد الأنباء بأنّ هذه الخطوة كانت بسبب الصراع الدائر في اليمن، حيث شدد الرئيس الصيني على أنّ بكين تفضّل البقاء خارج دائرة الصراع السياسي في الشّرق الأوسط. ويلفت مراقبون إلى أنّ مثل هذه الخطوات "الحيادية" التي تعتقد الصين أنّها تصبّ في صالحها، إنما هي تعمّق من غيابها عن قضايا المنطقة، حيث أنّه بدلا من أن تسعى لتكون لها علاقات مزدهرة، خاصة مع البلدان العربية، مازالت تسير على هدي سياستها الانعزالية التي تجعلها بالضرورة عاجزة عن تشكيل تحالفات صلبة ومتينة في الشرق الأوسط. سياسة خارجية خجولة تملك الصين أسبابا قويّة لإيلاء اهتمام أكبر بالأحداث الدائرة في الشّرق الأوسط، حيث أنّ نصف واردتها النفطية، تقريبا، متأتية من دول الخليج العربي، إضافة إلى أنّها لطالما أعربت عن مخاوفها من الجماعات المتطرّفة في المنطقة، والتي تقول إنها تهددها بشكل مباشر عبر توفير الأفكار والتّدريبات لمن تسميهم ب"الانفصاليين المسلمين"، الإيجور في غرب الصين. لكن وعلى الرغم من ذلك لم يقدم الرئيس شي على خطوات جريئة تتعلق بالسياسة الخارجية الصينية المتبعة تجاه بلدان الشرق الأوسط، في تناقض واضح مع أجندته الداخلية التي يصفها مراقبون ب"الطموحة". ورغم دعوة شي إلى مزيد اعتماد سياسة خارجية "استباقية"، لا تزال بكين تساهم في المجلات الآمنة واللينة في السياسة الدولية، مثل التنمية الاقتصادية ومكافحة القرصنة والصحة العامة العالمية وعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. مواقف متناقضة تناقض سياسة بكين يتجلى من خلال عرقلتها للقرارات الضاغطة على نظام الأسد واستضافتها في ذات الوقت للمعارضين السوريين. وقد ظلت سياسة بكين خجولة تجاه القضايا المتعلقة بمواجهة التهديدات الأمنية والسياسية خارجيا، وهو ما يحدّ بشكل جلي من نفوذها الجيوسياسي في العالم. ونتيجة لذلك، استمرت نداءات الصين للفوز بعلاقات تعاون متبادل مع بلدان الشرق الأوسط محدودة، وبقي الموقف الصيني من القضايا الإقليمية "مهمّشا" على نحو يبعث على الدهشة، رغم تبعيتها الطاقية المتنامية وحاجتها الملحة إلى تطوير علاقاتها مع البلدان الخليجية. البعد عن المخاطر لطالما سعت الصين إلى حفظ مصالحها في الشرق الأوسط دون الوُقوع في مُستنقع الصّراعات المحتدمة، وهو ما اصطبغت به مواقفها والمبادرات القليلة التي طرحتها لحل بعض الأزمات التي تشهدها المنطقة؛ ففي أكتوبر 2012، اعتمد وزير الخارجية الصيني الأسبق، يانغ جيتشي، "خارطة الأربع نقاط" بخصوص سوريا، والتي تطالب جميع الأطراف بوقف القتال وإنهاء الأزمة والشروع في عملية الانتقال السياسي. ويرى مُراقبون أنّ المشكل الذي تُعاني منه بكين يكمن في كونها لا تريد الانحياز إلى أحد الأطراف المتصارعة في منطقة تحظى بأهمية كبيرة لديها، في المقابل، تسير واشنطن، وإن نسبيا، على خلاف هذا الهدي. فالولاياتالمتحدة التي لها التزامات عديدة تجاه حفظ أمن المنطقة، لا تزال هي الحليف الرئيسي للبلدان العربية والضّامن الأساسي لأمن الشرق الأوسط. ويشدد المراقبون على أنّه من الصّعب أن تكون سياسة الصين القائمة على النفور من المخاطر دافعا لها لتتقدم خطوة نحو الاضطلاع بدور ريادي في أيّ من النزاعات المتأججة في المنطقة، بل إنّ الموازنة الأصعب من ذلك، هي محاولة الصين الحفاظ على علاقات جيدة مع كلّ من الرياضوطهران، في نفس الوقت، وسط تصاعد التنافس الإقليمي والطائفي بين الطرفين. حسم الاختيار عندما يتعلق الأمر بساحة أخرى ذات أهمية كبرى في دبلوماسية الشرق الأوسط – الصراع الإسرائيلي الفلسطيني – يغيب الصينيون بنفس الشّكل المعهود، بينما يلعب الأربعة أعضاء الآخرون الدّائمون بمجلس الأمن دورا مهما في عملية السلام. وفي الوقت الذي تعتبر فيه الوثيقة الصادرة عن "فورين بوليسي"، الولاياتالمتحدة الوسيط الأساسي،، تقوم الدول الأوروبية الرئيسية الأخرى، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا، بأداء هذه المهمة في الاتحاد الأوروبي، عبر تقديم حوافز اقتصادية كبيرة أو تعطيل الحوافز الاقتصادية الممنوحة لكلا الجانبين، في حين يؤيّد الروس، في سياق تناقضهم الدائم مع خيارات الولاياتالمتحدة، الفلسطينيين باستمرار. وتعتبر الصين العضو الوحيد في مجلس الأمن الدولي الّذي يتسم موقفه بالغموض، وسياساته بالفشل تجاه حلّ هذه القضية العربية المحورية.