كانت العدالة الاجتماعية أحد أبرز المطالب التي نادت بها ثورة 25 يناير، وذلك من خلال وضع حد أدنى وأقصى للأجور بعد المرتبات "الفلكية"، التي تم الكشف عنها والتي وصلت إلى ملايين الجنيهات شهريًا، في الوقت الذي يتقاضى فيه الموظفون والعاملون بالدولة مئات الجنيهات، بل ووصل الأمر إلى عشرات الجنيهات في وظائف عديدة. وقد صدر قرار جمهوري بالقانون رقم (63 لسنة 2014) يوم 2يوليو 2014، بشأن الحد الأقصى للأجور بمبلغ 42 ألف جنيه، ونص القانون على أن يطبق على جميع العاملين في الدولة، واستثنى القانون فقط وقتها العاملين بهيئات التمثيل الدبلوماسي، والقنصلي، والتجاري، وغيرهم ممن يمثلون البلاد، أثناء مدة عملهم في الخارج. وقد مرت 8 أشهر مرت على إصدار القانون، وسرعان ما تبخر حلم تحقيق العدالة الإجتماعية، وأصبح القانون مجرد "حبر على ورق"، حيث لم تمض أسابيع قليلة حتى ألغي تطبيق الحد الأقصى قبل تطبيقه الفعلي، ومر بعدة مراحل حتى لم يعد يسري على العاملين بالبنوك والقضاة والشركة المصرية للاتصالات والجهات السيادية والدبلوماسينن وغيرهم من الفئات التي صدر بالأساس القانون من أجلهم. في سياق نفسه، أكد رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، عدم خضوع عدد من الوزارات للحد الأقصى للأجور. كما أكدت مصادر بارزة بالجهات الرقابية، أن جهات أخرى لم تخضع للحد الأقصى للأجور، ومنها الجهات السيادية، والعاملين بخدمات وزارة الطيران المدني، ومن ثَمَ أصبح قانون الحد الأقصى للأجور، تقريبا لم يعد يطبق إلا على الجهات التي أساسًا لا تصل مرتباتها إلى الحد الأقصى للأجور المحدد. وقد أصبح يتردد بقوة إلغاء القانون رسيمًا، خاصة في ظل الأحكام القضائية الصادرة بشأن 5 دعاوى قضائية، أظهرت أن القانون كانت به ثغرات قانونية بارزة في الصياغة وكانت المدخل للطعن على هذا القانون أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، والتي قادت فيما بعد للكشف عن عوار دستوري تم خلال إعداد القانون. البنوك وقانون الأقصى للأجور كان أول من أطاح بقانون الحد الأقصى للأجور، هم العاملون ببنكي التعمير والإسكان، والبنك المصري لتنمية الصادرات، عندما تقدموا بطعن أمام محكمة القضاء الإداري، بمجلس الدولة، لإبطال تطبيق الحد الأقصى للأجور عليهم، واختصموا في 3 دعاوى أقاموها، كلًا من: رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ومحافظ البنك المركزي. وأكدوا في الدعاوى، أن قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر بتطبيق قانون الحد الأقصى للأجور على العاملين بالبنك صدر بالمخالفة للقانون، حيث إنه وفقًا للوائح الداخلية التي تنظم عمل البنك فإن العاملين به غير مخاطبين وغير خاضعين بالمرة لذلك القانون، وأن قرار رئيس مجلس الوزراء، وضع البنكين في مركز قانوني مغاير لعدد من البنوك غير الخاضعة لتطبيق الحد الأقصى للأجور، رغم أنها مشابهة لها من حيث نظام الملكية وطريقة العمل واللوائح المنظمة. وقد صدرت بالفعل أحكام بأن العاملين بالبنكين، ليسوا من المخاطبين بأحكام قانون الحد الأقصى للأجور، وأن القانون حدد الأشخاص المخاطبين بأحكامه على وجه الحصر، وهم العاملون بالجهاز الإداري للدولة، ووحدات الإدارة المحلية، والأجهزة التي لها موازنات خاصة، والهيئات العامة والقومية الاقتصادية، والخدمية، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، والعاملين الذين تنظم شؤون توظفهم قوانين أو كادرات خاصة. الشركة المصرية للاتصالات والمرتبات الفلكية كان من أكثر المرتبات "الفلكية" التي تم الكشف عنها عقب ثورة يناير هي مرتبات العاملين بالشركة المصرية للإتصالات والتي تجاوزت مليون جنيه شهريًا، والتي عادت لهم مجددًا، حيث أقاموا دعوى قضائية أمام القضاء الإداري، طالبوا فيها باستثنائهم أيضًا من قانون الحد الأقصى للأجور، مؤكدين أن القانون لم يشملهم على اعتبار أنهم شركة مساهمة. وأصدرت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، بالفعل تقريرها بأن العاملين بالشركة المصرية للاتصالات ليسوا من ضمن الفئات الخاضعة للحد الأقصى للأجور، حيث إنهم ليسوا من العاملين بالجهاز الإداري للدولة أو بوحدات الإدارة المحلية أو بالأجهزة التى لها موازنات خاصة أو بالهيئات العامة أو بالشخصيات الاعتبارية. وأكدت الجمعية، أنه لا ينال من ذلك الإدعاء بأن عبارة: "العاملين الذين تنظم شئون توظفهم قوانين أو كادرات خاصة"، قد تشمل العاملين بالشركة المصرية للاتصالات حيث إن شئون توظفهم ينظمه القانون رقم (19 لسنة 1998) بتحويل الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية إلى شركة مصرية مساهمة مصرية، ومن ثَمَ يكون هذا الإدعاء مخالف للدستور والقانون. القضاة والنضال من أجل إلغاء الأقصى للأجور! أما القضاة فقد كانت لهم صولات وجولات من أجل إلغاء تطبيق الحد الأقصى للأجور، بداية من صراع الهيئات القضائية على مساواة "المرتبات"، ووصولًا إلى إصدار حكم بإلغاء تطبيق الحد الأقصى للأجور عليهم، حيث رفضت المحكمة الدستورية العليا الإعلان عن مرتبات أعضائها، بل رفضت تنفيذ حكم قضائي نهائي صادر من محكمة النقض بإلزامها بالكشف عن مرتبات أعضائها. فيما أقام المستشارون بهيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية دعوى أمام المحكمة الدستورية، لعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة النقض، الذي كان يلزم بالمساواة بين الهيئات القضائية المتساوية في الدرجة الوظيفية، وبالفعل أصدرت المحكمة الدستورية حكمًا بعدم الاعتداد بالحكم الصادر، مستندةً على أن الدستور نص على أن الأمور المالية شأن من شئون المحكمة الدستورية. كما أقام عدد من القضاة دعوى أمام القضاء الإداري لوقف تنفيذ القرار عليهم، وبالفعل أصدرت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، قرارًا بعدم خضوع أعضاء السلطة القضائية لقانون الحد الأقصى للأجور رقم (63 لسنة 2014)، وأنهم غير مشمولين بالقانون الصادر بالحد الأقصى للأجور. العوار الدستوري في قانون الأقصى للأجور أما المفاجأة التي قضت على قانون الحد الأقصى للأجور فهي ما كشفت عنه حيثيات الأحكام، ونصوص تقارير هيئة مفوضي الدولة، والفتاوى الصادرة في الدعاوى الخمس السابقة، والتي تبين أنها استندت جميعها على فتوى محددة: وهي أن قانون الحد الأقصى للأجور به ما يتعارض مع نص المادة 190 من الدستور الجديد. حيث صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون بتاريخ 2 يوليو 2014، ونشر بالجريدة الرسمية، إلا أن "ديباجته" خلت من العرض على قسم التشريع بمجلس الدولة، الأمر الذي كان مدخلًا لإبطال القانون. في سياق متصل، أكد نائب رئيس مجلس الدولة، المستشار مجدي العجاتي، رئيس قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، أنه وفقا لنص المادة (190) من الدستور فإن قانون الحد الأقصى للأجور به عوار دستوري بيّن، بخلاف ديباجته غير الدقيقة، حيث إن المشرع ألزم عرض القوانين على مجلس الدولة قبل صدورها. وأوضح العجاتي، أن المادة (190) من الدستور نصت على أن مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، كما يختص بالفصل في الدعاوى والطعون التأديبية، ويتولى وحده الإفتاء فى المسائل القانونية للجهات التى يحددها القانون، ومراجعة، وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية، ومراجعة مشروعات العقود التى تكون الدولة، أو إحدى الهيئات العامة طرفًا فيها، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى.