كان لقرار إغلاق قناة «الجزيرة مباشر مصر»، التى ظلت تبث إرسالها من قطر بعد طرد منسوبيها من مصر فى أعقاب 30 يونيو الماضى، وفق سياسة إعلامية متحيزة لجماعة الإخوان، أثر قوى على قواعد الجماعة وقيادتها، فالجماعة التى تعرف جيدا قيمة الإعلام منذ نشأتها فى عام 1928 كسلاح رئيسى فى معركة امتلاك القلوب والعقول، كانت قناة «الجزيرة مباشر مصر» أهم أسلحتها، التى زادت أهميتها بعد خروج الإخوان من الحكم، فعلى الرغم من امتلاك الجماعة عشر قنوات أخرى فإن تلك القنوات لا تحدث نفس الأثر الذى نجحت فى إحداثه تلك القناة، حيث إن رصيد المصداقية والمهنية الذى حازته القناة فى مراحل سابقة أسهم فى قوة تأثير الرسالة التى انطلقت من القناة. أدركت الجماعة أهمية الإعلام منذ وقت مبكر، فقد أصدرت أولى صحفها فى عام 1933 وهى جريدة الإخوان المسلمون ، التى ظلت تصدر بانتظام عن المركز العام للإخوان المسلمين منذ 1933 حتى عام 1938، عندما انحرفت الجماعة إلى ميدان السياسة فخرج عليها مجموعة من أعضائها بقيادة محمود أبوزيد، الذى أسس جماعة شباب محمد ، وكان هو صاحب رخصة الجريدة التى كان حسن البنا يحرر معظم أبوابها، حيث كان يريد لهذا المنبر أن يكون تعبويا فى اتجاه خطته، التى تأثرت بلا شك بتجربة هتلر وسياسته الإعلامية، حيث لم يخف البنا إعجابه بتجربته فى ألمانيا، كما مثل هذا العام اللحظة التى كشف فيها حسن البنا عن حقيقة مشروعه السياسى، وأن الدعوة كانت مجرد غطاء لإخفاء الهدف الحقيقى له، لم يكن للإخوان تجارب صحفية لافتة، حيث كانت صحفهم مجرد نشرات مضمونة التوزيع، يشترى الأعضاء أعدادها بالأمر، وتشترى كل شعبة عددا من طبعاتها بالشكل الذى أوحى للبعض أنها توزع عددا كبيرا من النسخ، وعلى الرغم من أن الإخوان أصدروا أو دعموا بشكل غير مباشر عددا كبيرا من الصحف والمجلات ك النذير و المنار و التعارف و الإخوان المسلمون ، التى كانت تصدر عن المركز العام مباشرة، أو صحفا أخرى مدعومة منهم فى الأقاليم، كصحف القلم الصريح و اليراع و السفير و البشرى و النادى و الشفق وغيرها، فإنه لم تبرز صحيفة أو مجلة وتستمر سواء بسبب سيف المصادرة، أو ضعف المحتوى، أو خروج مقالات الرأى عما تحدده الجماعة، على الرغم من أن كل الصحف تترك هذه المساحة حرة دون أن تعبر بالضرورة عن رأى الصحيفة، لذا لم يكن غريبا أن تعلن الجماعة أن صحيفة الدعوة لا تمثل الجماعة، عندما هاجمت تعيين حافظ عفيفى رئيسا للديوان الملكى فى عام 1951، وكان الجميع يعلمون أنه جاء للإجهاز على الحركة الوطنية المصرية، وقد ذهب حسن الهضيبى المرشد العام لتهنئته بالمنصب، فالتنظيم ضحى بصحيفة يملكها لأنها عارضته فى موقف سياسى، وهكذا كانت سياسة الجماعة فى كل عصر، من يخالفها فى رأى أو اجتهاد تتنصل منه على الفور. تعاملت الجماعة دائما مع الإعلام باعتباره نشرات تصدر عن التنظيم، الذى أراد الاستفراد دائما بعقل ووجدان أفراده بامتلاك الحق الحصرى فى الوصول إلى عقول وقلوب أعضائه، وظل مسؤول الأسرة الذى يتلقى تعليمات التنظيم والمعلومات التى يريد التنظيم توصيلها إلى أعضائه، هو وسيلة الإعلام الحصرية التى تتولى توجيه عقول الأعضاء، وما عدا ذلك نشرات تصدرها الجماعة ويبقى المسؤول أيضا هو الوحيد المخول بتفسيرها، إذا اقتضت التفسير أو اختلف الناس فى دلالاتها أو مضمونها، لذلك عندما حدث هذا الانفجار المعلوماتى أسرعت الجماعة بالتعامل معه ليس بتقديم المعلومة الصحيحة وتوسيع مصادر المعرفة أمام أعضاء الجماعة، بل أصرت على النهج الجنينى فى العلاقة كجنين يتلقى الغذاء عبر حبل سرى، لذا حتى عندما حاولت الجماعة التكيف مع المتغيرات الجديدة وأنشأت صفحات إلكترونية ومواقع، فقد حرصت على أن تعيد إنتاج خطاب إخوان أون لاين ، الموقع الناطق بلسان الجماعة، الذى لا يقدم سوى صيغة أقرب إلى النشرات الحكومية، لكن الرواية الإخوانية لم تعد مقنعة أو مشبعة لكثيرين من أعضاء الجماعة، رغم امتلاكها قنوات تواصل بث نفس رسائل التحريض والكراهية والتعبئة المستمرة للأعضاء، فى اتجاه أهداف غير واقعية وأحيانا صيغ تعتمد الرؤى والأحلام بديلا عن الواقع، لذا كان الانزعاج من أعضاء الجماعة بعد حجب موقع الجزيرة ، لأنها كانت تقدم مخدرا قويا يدغدغ مشاعرهم ويعطيهم الأمل الكاذب الذى لا يطمئنون إلى صدقيته، إذا صدر من قنوات مثل الشرعية و مكملين و رابعة وغيرها من أدوات التعبئة المباشرة، لم يعد الكذب والتحريض على العنف والكراهية، مفيدا فى وصولهم إلى أهدافهم التى تحولت إلى أهداف هلامية، تتأرجح مرة حول عودة مرسى ومرة الإبقاء عليهم كحزب أو السماح لهم فقط بالنشاط الدعوى، الجماعة نفسها لا تعرف ماذا تريد، ومن ثم ينعكس هذا الارتباك على خطابها، حيث يبقى الهدف فى رأس القيادة حتى ينطق لسانه المحجوب خلف القضبان، لم تنجح الدعاية الإخوانية فى كسب تعاطف الشعب المصرى رغم الإلحاح على جرعة المظلومية التى تحولت من سلاح مؤثر فى السابق إلى سلاح فاسد، بسبب طول استخدامه، يبقى إعلام الجماعة أحد الأسباب التى كتبت ربما نهاية التنظيم، لأنه فى النهاية لم يكن إعلاما حقيقيا، بل حرص على أن يبقى بصيغة الثلاثينيات إعلاما تعبويا يتجاهل كل المتغيرات، ويبقى مخلصا فقط لأهواء قيادة التنظيم التى لم تعد تعرف ماذا تريد من هذا الإعلام.