على متن قارب شراعي، أبحر كاسترو ورفاقه من منفاهم في المكسيك إلى كوبا بعد عام واحد من إطلاق سراحه سنة 1955، معلنا حركة "26 يوليو" كمقدمة لثورته التي تولى على إثرها الحكم.. حاول في بداية عهده تفادي الصدام مع أمريكا لتجنب مصير ثورة جواتيمالا لكن نزعته الشيوعية حالت دون وقوع ذاك الصدام.. فتأميم شركة "الفواكه المتحدة" وانشغال الرئيس الأمريكي نيكسون بلعبة الجولف خلال زيارة كاسترو لواشنطن أججا الضغينة والخلاف وما زاد الطين بله بين الطرفين، إقدام قائد الثورة الكوبية على شراء النفط من القطب اللدود الاتحاد السوفيتي، وتأميمه شركات النفط الأمريكية داخل هافانا، لتبدأ رحلة 53 عاما من العداء بين كوباوالولاياتالمتحدة، فرضت خلالها الأخيرة حصارا اقتصاديا كان المنفذ الوحيد منه هو السوفييت، الذين بدورهم عمقوا جراح كاسترو في الثمانينيات في أعقاب أزمة الصواريخ الشهيرة ورفضهم طلبه بشن هجوم نووي على أمريكا.. الزعيم التاريخي للثورة الكوبية فيدل كاسترو، الذي قال عنه موقع "كوباديبيت" الكوبي الرسمي أنه الشخص الذي استهدفته وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" بأكبر عدد من محاولات الاغتيال وفق موسوعة جينيس "638" محاولة متنوعة الحيل إما عبر القناصين أو المتفجرات مرورا بالسم الذي دس في سيجاره والعبوة الصغيرة التي وضعت في كرة بيسبول، والذي سلم السلطة لأخيه الرئيس الحالي راؤول كاسترو بعد معاناته من المرض وتدهور صحته في 19 فبراير عام 2008، علق على عودة العلاقات الكوبية الأمريكية يوم 17 ديسمبر الجاري ب"لا تعليق" كما غاب عن حضور جلسة مجلس النواب الكوبي التي عقدت الأسبوع المنصرم، لتحوم الشكوك حول تدهور صحته بشكل أكثر سوءا وهو ربما المؤشر الذي دفع شقيقه لقبول عودة العلاقات.. ربما الخوف على نظامه الشيوعي الذي دافع عنه وحارب من أجله وخسر العشرات من رجاله لأجله في بداية ثورته عام 1959، هو المفسر لموقفه الصامت تجاه التطور التاريخي للعلاقات مع أمريكا التي ناصبها العداء لأكثر من نصف قرن.. وربما أيضا شعوره بمساعي واشنطن للتغلغل داخل مجتمعه المنغلق على ذاته والتأثير على نظام دولته الشيوعي بزرع أفكار الديمقراطية والحرية المزعومة وفق ما يدور بمخيلته.. وفي النهاية صمت كاسترو وتبادل أوباما وراؤول التهاني على إنهاء الحصار وبدء عهد جديد مليء بما ستكشف عنه السنوات القادمة.. الفاتيكان.. وبداية الانفراجة بين البلدين بدأت الانفراجة التاريخية في العلاقات الأمريكية الكوبية في ربيع عام 2013 حينما سمح الرئيس باراك أوباما بإجراء محادثات سرية مع كوبا، وبلغت شهور من المحادثات في كنداوالفاتيكان بمشاركة واحد من أقرب معاوني أوباما ذروتها يوم الثلاثاء 16 ديسمبر حينما تحدث أوباما والرئيس الكوبي راؤول كاسترو هاتفيا لنحو ساعة واتفقا على خطوات من شأنها أن تنهي نصف قرن من العداء وتعيد تشكيل العلاقات في نصف الكرة الأرضية الغربي. وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية ل"رويترز" طلب عدم نشر اسمه إن أوباما يعتقد أنه "إذا كانت هناك أي سياسة خارجية أمريكية تجاوزت مدة صلاحيتها فهي السياسة الأمريكية إزاء كوبا". وتابع المسؤول أن البابا فرنسيس لعب دورا أساسيا في التقارب بين واشنطن وآخر معاقل الشيوعية في العالم الغربي، وفي بداية صيف 2014 بعث البابا رسائل شخصية منفصلة إلى أوباما وكاسترو داعيا إياهما لتبادل السجناء وتحسين العلاقات. وقال السناتور ريتشارد ديربن وهو ديمقراطي لرويترز "لعب الفاتيكان دورا كبيرا"، وأضاف أن الكردينال خايمي أورتيجا كبير أساقفة هافانا شارك أيضا في الجهود الدبلوماسية. كوبا.. بوابة أمريكا للنفوذ بنصف الكرة الغربي يقول بيتر شيشتر، مدير مركز "أدريان أرشت أمريكا اللاتينية" بمجلس الأطلسي ومقره واشنطن، إن اتفاق أوباما وراؤول كاسترو يعني أنه "لجميع الأغراض العملية فإننا وصلنا إلى بداية إنهاء العقوبات المفروضة على كوبا". ويضيف قائلا إن الأكثر أهمية هو أن حلفاء الولاياتالمتحدة في أمريكا اللاتينية وحول العالم سيتمكنون الآن من الحديث حول غياب الحرية والإصلاح في كوبا، ويشير ذلك إلى أنه حان الوقت للنظر إلى كوبا ومعرفة ماهيتها بدون اتخاذ "الحظر المفروض من الولاياتالمتحدة كذريعة". ويقول أحد مسؤولي إدارة أوباما إن البيت الأبيض يعتقد أن التحول سيساعد مبادرات السياسة الأمريكية والنفوذ الأمريكي في نصف الكرة الغربي بخصوص قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث يؤكد: "الموضوع لا يخص كوبا فقط، بل يخص أمريكا اللاتينية كلها". انتصار إنساني واقتصادي وسياسي لأوباما جاء قرار أوباما لصياغة علاقة أكثر انفتاحا مع كوبا بمثابة انتصار للمصالح التجارية والدعوات الإنسانية على حد سواء، حيث حاولت جماعات الضغط الممثلة للطرفين منذ فترة طويلة إحداث ثقوب في الحصار الذي يبلغ عمره 50 سنة وتحويل سياسة الولاياتالمتحدة بعيدا عن النهج الذي اتخذته واشنطن منذ أيام دوايت ايزنهاور وجون كينيدي. وصفقت غرفة التجارة الأمريكية التي تضم المئات من الشركات التجارية العملاقة مثل "كاتربيلر" لإجراءات تخفيف الحصارعن كوبا، واعتبرته نصرا لتحالف التغيير وإشارة واضحة ان التحالف أوسع نطاقا وصخبا من الجماعات المعارضة. وينظر رجال الأعمال لعملية كسر الحواجز بين واشنطن وهافانا كطريق لفتح سوق جديدة على بعد 90 ميلا من الشواطئ الأمريكية، وقد تبين أن الشركات الأمريكية العملاقة بذلت جهودا لكسب موطئ قدم في كوبا بعد أن التقطت إشارات تشجيعية من إدارة أوباما بشأن هذه القضية عندما سمحت في أول عام لأوباما في البيت الأبيض لسكان الولاياتالمتحدة بزيارة أقاربهم في كوبا، ومن بين الشركات التي ضغطت لتغيير السياسة الأمريكية في الشأن الكوبي "كاتربيلر" وشركة التقطير "باكاردي" وشركة السجائر "جنرال" وشركة التأمين العملاقة "تشيب".