الذهب يواصل ارتفاعه.. وعيار 21 يسجل 3725 جنيهاً    .للمسافرين.. سعر الريال السعودي أمام الجنيه الخميس 24 أكتوبر 2024    الأخضر بكام.. سعر الدولار اليوم في البنوك    بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الفراخ وكرتونة البيض في الشرقية اليوم الخميس 24 أكتوبر 2024    بعد غزة ولبنان، مبعوث أممي يلمح إلى اتساع رقعة الصراع الإقليمي لدولة عربية جديدة    وزير دفاع أمريكا يُطالب إسرائيل بعدم التعرض للجيش اللبناني و"اليونيفيل"    قوات الاحتلال تشن 11 غارة على بيروت    أستون فيلا وليفربول بالعلامة الكاملة، ترتيب دوري أبطال أوروبا بعد الجولة الثالثة    موعد مباراة الأهلي والزمالك في نهائي كأس السوبر المصري والقنوات الناقلة    لاعب الزمالك السابق يكشف ملامح تشكيل الفريق أمام الأهلي    بشرى سارة من الصحة بشأن قرار العلاج على نفقة الدولة (رقم ضخم في يوم واحد)    موعد مباراة ليفربول القادمة أمام آرسنال في الدوري الإنجليزي    برشلونة ضد البايرن.. كومباني: الخسارة كبيرة جدا.. والبارسا تفوق علينا بجودته    لا توجد ضحايا.. الطيران الأمريكي البريطاني يستهدف مطار الحديدة باليمن    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواطنين بمدينة نصر    علي الحجار يطرب جمهور مهرجان الموسيقى العربية    تبدأ من 40 دينارا.. أسعار تذاكر حفل أصالة نصري في الكويت    رئيس اللجنة العلمية لمهرجان الموسيقى العربية: "نعد له قبل موعده ب 6 أشهر"    خالد الجندى: سيدنا النبى كان يضع التدابير الاحترازية لأى قضية    فصائل عراقية فى العراق تعلن تنفيذ عملية نوعية فى الجولان المحتل    تصل إلى 50 ألف دولار.. تعرف على قيمة جوائز مسابقة الأفلام الطويلة ب«الجونة السينمائي»    تعرف على موعد عرض مسلسل برغم القانون (الحلقة الأخيرة)    محافظ بورسعيد للمعلمين المحالين للمعاش: رسالتكم لم تنتهِ.. وأبناؤكم وأحفادكم أمانة فى أيديكم    3 عقوبات تنتظرهم.. وليد صلاح يكشف الحكم الذي ينتظر ثلاثي الزمالك بالإمارات (فيديو)    وفاة و49 إصابة خطيرة.. اتهام ماكدونالدز أمريكا بتفشي مرض في الوجبات    ارتدوا الملابس الخريفية.. تحذير عاجل من الأرصاد بشأن طقس الأيام المقبلة    فلسطين.. قصف على محيط مستشفى كمال عدوان في مخيم جباليا شمال غزة    ناصر القصبي يغازل فتاة روبوت في ثاني حلقات "Arabs Got Talent" (صور وفيديو)    انقلاب مروع على طريق "القاهرة-الفيوم" يودي بحياة شخصين ويصيب 7 آخرين    ضبط المتهم بواقعة سرقة قرط طفلة بالشرقية    القبض على سائقين قتلا شخصًا في عين شمس    منها إجبارهم على شرب مياه ملوّثة .. انتهاكات جديدة بحق المعتقلين بسجن برج العرب    «اتصالات النواب» توضح حقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    الذكرى ال57 للقوات البحرية| الفريق أشرف عطوة: نسعى دائما لتطوير منظومة التسليح العسكري    حزب مستقبل وطن بالأقصر ينظم قافلة للكشف عن أمراض السكر بمنطقة الكرنك    محمد عبدالله: دوافع الزمالك أكبر للفوز بالسوبر المصري    أكروباتية خرافية من هالاند.. سيتي يقسو على سبارتا براج بخماسية في دوري أبطال أوروبا    نشرة التوك شو| موعد المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي.. وحقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    أحمد الجمال يكتب: المسيرة والسنوار    قصة عجيبة.. سيدة تدعو على أولادها فماتوا.. والإفتاء تحذر الأمهات من ساعة الإجابة    ما هي بدائل الشبكة الذهب؟.. الإفتاء توضح للمقبلين على الزواج    أذكار النوم: راحة البال والطمأنينة الروحية قبل الاستغراق في النوم    «شكرا أخي الرئيس».. كل الأجيال لن تنسى فضله    حريق هائل يدمر شقة المطرب نادر أبو الليف بحدائق الأهرام    الأكاديمية الطبية العسكرية تنظّم المؤتمر السنوى ل«الطب النفسي»    مفاجأة بشأن موعد محاكمة ثلاثي الزمالك في الإمارات    «جذع نخلة وماسورة مياه» وسيلة الوصول لمدارس 3 عزب بأسيوط    إطلاق المرحلة الأولى لمبادرة «تشجير المدارس»    جامعة الأزهر تكشف حقيقة شكاوى الطلاب من الوجبات الغذائية    محافظ بورسعيد: نعمل سويًا مع الجامعة لرفع كفاءة الملاعب وتطويرها    تهنئة بقدوم شهر جمادى الأولى 1446: فرصة للتوبة والدعاء والبركة    «آركين».. «كل نهاية بداية جديدة»    عاجل - "أفضل خيار لشراء سيارة سيدان أوتوماتيك لعام 2024 بسعر 250 ألف"    تخلق عالمًا خاص.. 3 أبراج تدعم شريكاتها أثناء الحمل    «المصريين الأحرار»: لا يوجد نظام انتخابي مثالي.. والقوائم تتجنب جولات الإعادة    وزير الصحة يبحث دعم خدمات الصحة الإنجابية مع إحدى الشركات الرائدة عالميا    لتغيبه عن العمل.. محافظ البحيرة تقرر إقالة مدير الوحدة الصحية بقرية ديبونو    محافظ المنيا: تقديم خدمات طبية ل 1168 مواطناً خلال قافلة بسمالوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باب الخروج لعز الدين شكري فشير.. الحلقة الحادية والستين
نشر في التحرير يوم 08 - 06 - 2012

رفضت أغلبية القوى السياسية التفاوض مع الإسرائيليين قبل انسحابها من كل شبر احتلته فى الحرب الأخيرة، فقبِل اللواء القطان بموقفهم وأبلغه لوسيط الأمم المتحدة المكلَّف بمتابعة تنفيذ القرار 2266، «كارل فون كالتنبورج». استغرب الوسيط هذا الموقف، وحاجَّ القطان؛ كيف سينسحبون قبل التفاوض؟ وإذا انسحبوا فما الحاجة إلى التفاوض؟! سوَّفه القطان، فقد كان مقتنعا بما يقوله الوسيط، لكنه لا يريد اتخاذ موقف تلومه عليه إحدى القوى السياسية، لأن هذه هى الأولوية كما قال، أما سيناء فيمكنها الانتظار. وهكذا، ظل كالتنبورج يذهب ويجىء، وفى كل مرة نقول له كلاما ويقول لنا كلاما، ونكتب أوراقا ونعطيه إياها، ويعطينا أوراقا. وتنعقد اجتماعات فى نيويورك، وغيرها، وتنفضّ. ثم أتى الأمريكيون، والأوروبيون، والصينيون، والروس، حتى رئيس سنغافورة أتى للتوسط، وفى كل مرة نقوم بعرض موقفنا، الانسحاب ثم التفاوض، ونضيف إليه كلاما كثيرا أعفيك وإياى من إضاعة الوقت فيه.
وبحلول أغسطس كانت سياسة القطان «الحكيمة» قد آتت أُكُلَها، هدّأت القوى السياسية واستقرّ الوضع الداخلى إلا من بعض الاحتجاجات والمظاهرات من وقت إلى آخر، وتاه السياسيون والرأى العامّ فى المناقشات المتعلقة برسم معالم المرحلة الانتقالية ودستور الوضع الدائم. واستمر خطاب القطان الليِّن داخليا والقوىّ الحماسى فى ما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلى والقوى الدولية الظالمة، التى حملها أيضا مسؤولية التدهور الاقتصادى وارتفاع الأسعار وشح السلح وتأخُّر المرتبات، التى قُدِّمت للناس باعتبارها نتيجة «الحرب الاقتصادية» التى يشنها المجتمع الدولى علينا لتركيعنا.
لكننا -والقطان أولنا- كنا نعلم أن هذا الهدوء لا يمكن أن يستمرّ، فمهما كسب من الوقت فستعود المطالب وتعود المشكلات وتطرق بابه. ولاحظت أنا بصفة خاصة أن حركة «معا» أخذت تنحو منحى مختلفا كليا عن القوى السياسية، بما فيها القوى التى «تتبعها» نظريا. فقد بدأت الحركة تنسِّق عملها فى الأحياء والقرى والمدن الصغيرة، كما فعل الشباب الديمقراطى الذى بدأ السفاح مشواره معه. هذه المرة كان الأمر مختلفا وجديدا، فلم يعُد هذا النشاط قاصرا على الديمقراطيين، ولم يكن يستهدف الانتخابات المحلية. هذه المرة شمل التحرك شباب الديمقراطيين والإسلاميين معا، من داخل وخارج الإخوان، وانصبّ على بناء توافقات حول القضايا الأساسية التى تطرحها المرحلة الانتقالية. علمتُ ذلك -أول ما علمتُه- من تقارير الأمن القومى التى رصدت هذه التحركات وأعربَت للقطان عن قلقها منها. حاول الأمن إعاقتهم ثم وقفهم، لكن الشباب احتجّ بكون هذا النشاط جزءا من «الحوار الوطنى» الذى يقوده القطان، والتقطت وسائل الإعلام العامة بدء هذه المواجهات المحلية فقرر القطان التساهل وأصدر تعليماته للأمن القومى بالاكتفاء بمواصلة الرصد وتفادى المواجهة مع الشباب، والعمل بدلا من ذلك على الاتفاق مع قيادات الكتلة الديمقراطية والإخوان، من أجل تحجيم هذه الجهود التى ستضرّ بقيادتهم لتكتلاتهم كما ستضرّ بالنظام. وقال القطان لرئيس هيئة الأمن القومى فى اجتماع حضرتُه إن مواجهة الشباب ستزيد من أهميتهم ومن شعورهم بهذه الأهمية، ومن الأفضل تصغير الموضوع لا تكبيره.
وسواء كان القطان مصيبا أو مخطئا فى هذا التقدير، فإن تحرك الشباب لم يكن سوى مؤشر واحد لعدم إمكانية استمرار الحال على ما هو عليه، خصوصا فى ضوء الوضع الاقتصادى المتدهور. وهذا ما ركز القطان على مواجهته، فالوضع الاقتصادى فى نظره يمكن التعامل معه بشكل أفضل من القضايا الأخرى. لكن كعادته، وبنفس طريقته، لم يكن هدفه هو تطوير الاقتصاد، فهذا فى نظره أمر يحتاج إلى معجزات. بل سعى لضخّ بعض الأكسيجين كى تدور العجلة أفضل قليلا: بعض القروض لتمويل استيراد كميات أكبر من السلع الرئيسية ومواجهة عجز الموازنة، وربما رفع المرتبات قليلا، والعمل على اجتذاب مزيد من السياح، وبعض الاستثمارات الجديدة… هذا النوع من الإجراءات. لكن لتحقيق أى من هذا لم يكن أمامه سوى التصالح مع الأمريكيين، قلت. فردّ علىّ بأن هذا هو أسهل شىء.
وقد كان، وسلك فى ذلك نفس الطريق الذى اتبعه سابقوه من «الحكماء».
فمن ناحية، استمر القطان فى رفض استئناف المفاوضات مع الإسرائيليين، وأبلغ مبعوث الأمم المتحدة كالتنبورج باستيائه الشديد من عودته إلى المنطقة خاوى الوفاض، وطلب منه أن لا يعود إلى القاهرة دون إقرار رسمى من الإسرائيليين بقبولهم الانسحاب من الأراضى المصرية المحتلة فى مارس 20 دون قيد أو شرط، وإعادة جميع الأسرى والمحتجزين، وإعادة بناء فنادق شرم الشيخ المدمرة، وتعويض مصر عن الأضرار التى لحقت بها جراء العدوان الإسرائيلى الغاشم، وهى الصيغة التى أقرَّتها اللجنة الوطنية لتحرير سيناء. ومن ناحية أخرى، أبلغ الجانب الأمريكى استعداده للتفاهم معهم هم على كل الأمور المطلوب التفاهم عليها، كى تنسحب إسرائيل من هذه الأراضى، ما دام هذا التفاهم مع أمريكيين فقط ودون أى لقاء مباشر مع الإسرائيليين. وقال لهم، فى الاجتماع الذى حضرتُه، إنه لا يهمه ما يفعله الجانب الأمريكى مع الإسرائيليين كى نصل إلى هذا التفاهم، شريطة أن لا نسميه مفاوضات، لا مباشرة ولا غير مباشرة. وشدَّد القطان على محورية هذه النقطة، وضرورة بدء المبعوث الأمريكى مهمته بالإعلان فى مؤتمر صحفى أن ما يفعله ليس مفاوضات غير مباشرة، بل حديث ثنائى بين واشنطن وعواصم المنطقة.
قد تظنّ أنى أمزح، أو أبالغ بسبب كراهيتى واحتقارى للقطان. وأنا قطعا أكرهه وأحتقره، لكنى لا أبالغ، للأسف. كان هذا بالضبط ما حدث، وليس هذا تفسيرا منِى بل وصف. وحين كنا نتداول فى الأمر، القطان والمنيسى وأنا، أو أنا وحامد، فإننا كنا نتداول فى الأمر من هذا المنطلق، وبهذه المعايير؛ كان المطلوب حفظ المظاهر، لا أكثر. والحقيقة أن هذا الأمر ليس جديدا؛ فهكذا كانت الأمور تُدار منذ بدأتُ العمل فى الرئاسة، منذ كنت أترجم مقالات للرئيس بينما تدكّ أمريكا مدن العراق وقراه. ولما جاءت «حكومات الثورة» أدارت الأمر بشكل أسوأ. لم يكُن أى من هذا بجديد، الجديد هو شعورى أنا به. ففى حين صدمتنى هذه الطريقة وأنا شاب فى سنك، فإنى تقبلتها ساعتها باعتبار أن هذه هى حقائق الحياة وما عداها أحلام الصِّبا. تَعوَّدت عليها وقبِلتُها مثلما يقبَل الأطفال حقائق الحياة إذ يكبرون: أن السنَّة التى تسقط ليست للجاموسة ولا التى تأتى من العروسة، وأن أنف الكذاب لا يفضحه، بل غالبا ما ينجو بكذبته ويدفع الصادقون الثمن، وأن كونك على حق لا يضمن نجاتك من العقاب، وأن بابا نويل غير موجود أصلا، فضلا عن متابعته سلوكك طول العام وإتيانك بالهدايا إن أحسنت. مثلما نتقبل خيبات آمال الطفولة والصبا، تعلمت تقبُّل حقائق حياة الكبار التى وخزت عينى وضميرى وقلبى أول مرة رأيتها فى مكتب الرئيس.
لكن ثورة قامت منذ ذلك الوقت، وصدَّقت مع من صدَّقوا أن «الحقائق» القديمة لم تكن إلا أكاذيب راسخة، وأن هناك حقائق أخرى ممكنة: مثل أن نصبح كالناس الآخرين الناجحين، وأن نعمل بصدق لحماية حياتنا ومصلحتنا وأولادنا، وأن نحسم خلافاتنا معا كى نسير كلنا إلى الأمام، وأن يوسع بعضنا لبعض ونفسح مكانا للآخرين، وأن الآخرين إخوة وأخوات لنا، وأن الحق يسطع فى النهاية، والخير يربح، والجمال يشرق، وأن العدل ممكن. صدقت هذا، وما زلت أصدقه، رغم حكم العسكر، والثورة الثانية بعماها وغبائها، ومحمود بشير ومهاتراته التى حطمتنا، والسفاح مهندس القتل المنظم، والريس بيومى وبلاهته، رغم كل ذلك، ما زلت أؤمن بالحياة الأخرى التى خلنا جميعا أنها صارت بين أيدينا. وحين عاد القطان ورجاله، أعاد الأمور إلى نِصابها الذى يعرفه، نِصاب الكبار العاقلين، بعيدا عن الهبل ولعب العيال. لكنى لم أستطع الانغماس فى تلك الحياة القديمة كأن شيئا لم يكن. أول مرة لم أكن أعلم أن هناك حياة أخرى ممكنة، أما الآن فما حجتى؟
هكذا تضاعف طوفان الأسئلة، وبدأتُ أطرح على نفسى إجابات وأفكر فى مدى صوابها. قد تسأل نفسك، وتلومنى، لماذا لم أترك هذا العبث المأساوى وأستقِلْ من فورى، إما لأفضح أفعالهم الشنعاء وإما على الأقل كى أفكر فى أسئلتى وإجاباتها. وأجيبك بأن الفضيحة أمر تفعله لمرة واحدة، وهو لا يغير الكثير. أما التفكير فهو أمر لا أفعله بمعزل عن الحياة؛ لست من النوع الذى يجلس عند شاطئ البحر كى «يفكر». وحين أفعل ذلك لا أفكر فى شىء ذى قيمة. أفكارى تأتينى من حوارى مع نفسى، وأنا فى العمل، وأنا وسط الناس، وأنا أحيا. وهذه هى الحياة التى أعرفها، وكنت أحتاج إلى البقاء فيها وأنا أفكر. أحتاج لرؤية القطان والمنيسى وحامد وغيرهم وهم يعملون كى أستطيع حسم أمرى والإجابة عن أسئلتى.
سألت اللواء حامد عن رأيه فى ما يجرى، فقال لى: «كل سنة وانت طيب». وحينما استوضحت منه ما يعنيه قال لى إن ما حدث حدث وانقضى، وللأسف يذهب البلد فى الاتجاه الخاطئ. سألته عن رأيه فى «المفاوضات» فهز كتفيه وسألنى: لمَ ستنسحب إسرائيل؟ ما الذى يدفعها؟ وماذا سنفعل إن لم تنسحب؟ سألته إن لم تكن الحرب ممكنة، بعد شهور أو سنة أو حتى أكثر، فنظر إلىّ مطوَّلا وابتسم، وسألنى من الذى سيحاربها. ولَمَّا لم أُجِبه، مال علىّ أكثر وسألنى مباشرة إن كان من أعرفهم لهم مصلحة فى محاربتها أو فى احتلالها لشرق سيناء. تمتمت بعبارات غير واضحة، فطلب منى استعادة تسلسل الأحداث منذ بدايته، منذ حادثة غزة الأولى، وسؤال نفسى عدة أسئلة بسيطة: من الذى يسيطر على الحدود وترك الصواريخ تعبر من الحدود مرات عديدة؟ ومن صاحب القرارات الغبية التى قادت إلى ضياع شرق سيناء؟ قلت له بيومى والإخوان، فسألنى: هل كان بيومى والإخوان هم من بدأ عمليات التهريب أم دخلوا على الخط بعد تحولها لأزمة؟ وهل كانوا على علم بعواقب مواقفهم الخشنة أم اندفعوا تحت تأثير الحماس والغوغائية؟ قلت الأغلب أنهم اندفعوا، فسألنى ومن الذى كان يعلم بالعواقب؟ من الذى كان معرفة العواقب من صميم عمله؟ ومَن الذى شجَّع بيومى وإخوانه على هذه السياسة؟ من الذى شجَّعه على ضرب البارجة؟
صُعقت، ونظرت إليه سائلا إياه بعينى إن كان يعنى ما فهمت فأومأ. سألته منذ متى وصل إلى هذه القناعة فقال منذ بدأت الأزمة، ونبَّهنى أنه ألمح إلى ذلك من قبل عدة مرات. سألته عن دوره هو فى هذا فقال إنه يرأس مؤسسة تعمل لصالح صانع القرار، ولا يمكنها تَخطِّيه أو الالتفاف عليه. سكتَ، وسكتُّ. ثم قال إنه قرر ترك منصبه، واتفق مع الرئيس القطان على ندبه للعمل سفيرا فى فنزويلا، ونصحنى أنا الآخر بالبحث عن باب للخروج من هذا المركب السائر إلى المجهول.
ع.ش.فشير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.