ظاهرة التطرف والتشدد، ظاهرة إنسانية موجودة فى كل المجتمعات، فالتطرف لرأى أو فكر أو معتقد أو عرق آفة شهدها مختلِف المجتمعات الإنسانية، وأدت فى أحيان كثيرة إلى وقوع الحروب والمواجهات وأعمال القتل الجماعى والإبادة، بل وكانت وراء إشعال حروب كونية. وتوجد فى مختلف المجتمعات الإنسانية شرائح أو فئات متشددة أو متطرفة تنطلق من قناعة ذاتية بالسمو والتفوق لعامل متوارث من عوامل اللغة والعرق، الدين والمعتقَد، وعادة ما تعمل نظم الحكم والسلطات فى الدول الديمقراطية على مقاومة هذه الظواهر ومحاصرتها والحد من أنشطتها الهدامة، بعكس الحال فى الدول الاستبدادية أو غير الديمقراطية بصفة عامة، والتى ربما تجد فى تغذية التطرف والتشدد مادة للمناورة وكسب مشاعر البسطاء من المواطنين لشغلهم عن المطالبة بما يستحقون من حقوق. وكلما زاد عدد معتنقى الأفكار المتطرفة والعنصرية، ارتفع مؤشر الخطر وارتفعت معدلات جرائم الكراهية والعنصرية، وتزداد الخطورة إذا ما ترافقت مع انتشار هذه الأفكار أزمة اقتصادية أو اجتماعية، أو كانت الأزمة مركبة، فى هذه الحالة يجرى البحث عن المختلف والانتقام منه. وعندما تتسع قاعدة التشدد والتطرف والعنصرية، عادة ما تسفر عن نظام حكم يعبّر عن هذه الأفكار ويعمل على تعبئتها وتنظيمها، وهو ما فعله هتلر الذى استثمر واقع هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى والإذلال الذى عانت منه برلين بفعل معاهدة فرساى، التى فرضت عليها دفع تعويضات هائلة للدول المنتصرة وفى مقدمتها فرنسا، فى ظل هذه الحالة والحديث عن الجنس الآرى ونقائه، بدأ هتلر الحرب العالمية الثانية التى أخذت معها حياة نحو خمسين مليون إنسان، وانتهت باحتلال ألمانيا وتقسيمها، وحالة من الدمار الشديد فى كل أنحاء أوروبا. وتدريجيا، بدأ العالم يستشعر خطورة العنصرية وما تحمله معها من مشاعر التطرف والتعصب، فأخذ يضع مواثيق حقوق الإنسان، وعمل على تجريم الأفكار العنصرية، وبدأ يعمل على صياغة منظومة قانونية تجرم أعمال القتل الجماعى على خلفية عنصرية أو عقَديّة أو غيرهما من العوامل. وهنا طُرح بعض الأفكار الخاصة بتقييد سيادة الدولة حتى لا تتخندق نظم حكم وراء هذا المفهوم، وترتكب أعمال قتل وإبادة فى حق جزء من الشعب، ووصل التطور إلى الذروة بإنشاء المحكمة الدائمة لجرائم الحرب فى روما عام 1998، حتى يمكن النظر مباشرة فى جرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية دون الوقوع فى أسر حسابات القوى الكبرى، لأن تشكيل محكمة للنظر فى هذه الجرائم قبل ذلك كان يقتضى صدور قرار من مجلس الأمن بتشكيل هذه المحكمة، وهو الأمر الذى كانت تجهضه دولة واحدة من الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن. ولا بد من الإشارة إلى أن للعنصرية ثلاثة مكونات، الأول هو المكون المعرفى: ويتمثل فى المعتقدات والأفكار والتصورات التى توجد لدى أفراد عن أفراد آخرين أعضاء جماعة معينة، وهو ما يأخذ صورة القوالب النمطية Stereo Types، التى تعنى تصورات ذهنية تتسم بالتصلب الشديد والتبسيط المفرط عن جماعة معينة، يتم فى ضوئها وصف وتصنيف الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الجماعة بناء على مجموعة من الخصائص المميزة لها. ويلاحظ أن العرق والدين والقومية تشكل أبرز الفئات التى تتعرض للقولبة النمطية لأنها أكثر الفروق الاجتماعية وضوحا وأكثرها مقاومة للتغيير. الثانى هو المكون الانفعالى: وهو بمثابة البطانة الوجدانية التى تغلف المكون المعرفى، فإذا افتقر الاتجاه إلى مكونه الانفعالى يصعب وصفه بالتعصب، والمكون الانفعالى هنا يعنى تفاعل الشخص مع ما يحمله من أفكار مسبقة، وانفعاله يعنى أنه بات جاهزا للدخول فى المكون الثالث، وهو المكون السلوكى: ويمثل المظهر الخارجى للتعبير عما يحمل الفرد من مكونات معرفية أو قوالب نمطية تصاحبها انفعالات تصل إلى مستوى معين تتطلب التعبير عنها، وهو ما يأخذ خمسة أشكال سوف نتناولها غدا إن شاء الله.