فى ثورة يناير سقط مبارك ولم يسقط النظام. قبل يومين صدر حكم القضاء ببراءة مبارك من بعض الاتهامات التى وجهت إليه ولأركان حكمه. البراءة لمبارك لم تعنِ أبدًا براءة النظام، بل العكس هو الصحيح، فحكم القضاء كان وثيقة إدانة لستٍّ وثلاثين سنة من الفساد. قالت المحكمة إن زمرة من المنتفعين وأصحاب المصالح والمتسلقين تقاتلت -فى هذه السنوات- على ثروات مصر. أشارت المحكمة إلى تزييف الإرادة الشعبية واندثار التعليم وإهدار الصحة وتجريف العقول باعتبارها علامات مسجلة للنظام الذى سقطت رموزه على يد ثورة يناير العظيمة، ولكنه ما زال يطل علينا محاولًا تصوير حكم براءة مبارك على أنه حكم ببراءة عصر من الفساد الذى أوصل مصر إلى مشارف الكارثة! وأيًّا ما كان الرأى فى ردود الفعل المختلفة للحكم فى قضية مبارك، فإن ما ينبغى التوقف عنده هو أنها كانت «لحظة كاشفة» للحقائق الأساسية التى تحكم الصراعات الدائرة حول مستقبل مصر. فى هذه اللحظة الكاشفة، رأينا حزب الفساد و«بواقى» ما قبل ثورة يناير يحاولون تصدير الحكم ببراءة مبارك على أنه براءة لهم، وجواز مرور جديد يعطيهم الشرعية ويفتح لهم أبواب العودة لممارسة نفوذهم القديم وإعادة إنتاج نظام الفساد والاستبداد الذى سقطت رموزه، وبقيت ميليشياته السياسية والاقتصادية والإعلامية تحتفظ بأدواتها وأسلحتها وتنتظر العودة ولو بأقنعة جديدة أو لافتات غير تلك التى داستها الجماهير فى يناير! وفى هذه «اللحظة الكاشفة» ظهر الوجه القبيح لإعلام أطلقه حزب الفساد، وظل طوال الفترة الماضية يحاول الإساءة إلى ثورة يناير، ويحاول تصوير خروج الملايين فى هذه الثورة العظيمة على أنه مؤامرة خارجية، ويسعى بكل وسائل التزوير إلى شق صفوف الثوار، ولتصوير ما حدث فى 30 يونيو على أنه إلغاء لثورة الشعب فى يناير، لا استعادة لها من أيدى فاشية الإخوان التى استولت على الحكم وكادت تقود البلاد إلى نيران الحرب الأهلية. وفى هذه «اللحظة الكاشفة» أدركنا أن إنفاق مئات الملايين على إعلام هابط ومسىء إلى شعب مصر وثورته هو جزء من مخطط يستعد أصحابه لانتخابات البرلمان، ويتصورون أن أمامهم فرصة لاستعادة النفوذ والسيطرة على مقدرات البلاد، مستخدمين أموالهم التى كدسوها بالفساد، وإعلامهم الذى سخر ولتشويه الثورة، ونفوذهم الذى ورثوه من نظام سقطت رموزه وبقى هو يعيش فى أروقة السلطة ومؤسسات الدولة! وفى هذه «اللحظة الكاشفة» تأكد ما قلناه مرارًا وتكرارًا: إننا لن نستطيع استئصال إرهاب الإخوان وحلفائهم إلا مع استئصال الفساد، وقطع الطريق على كل قواعده التى استأثرت بالثروة والسلطة قبل يناير، والتى تريد استعادة مواقعها بأى ثمن، وتدرك أن تحالفها القديم مع «الإخوان» يمكن أن يعود بها لتتشارك قوى الفساد مع جماعات الإرهاب فى مواجهة الثورة بموجتَيْها العارمتين فى يناير ويونيو، حيث وقف الشعب مع جيشه الوطنى يجسدان آمال الشعب فى العدل والحرية والكرامة الوطنية. وفى هذه «اللحظة الكاشفة» ورغم كل انفعالات اللحظة تتأكد الحقائق من جديد.. يرفض شباب الثورة فى الميادين أن تتدنس صفوفهم بإخوان الإرهاب الراغبين فى استغلال الموقف وإشعال الحرائق. وترفض الملايين مشاهدة وصلات الرقص المبتذل والردح المنحط فى إعلام أعلن عداءه للثورة، وأكد أنه يريد إعادة إنتاج فساد ما قبل يناير الذى أورث مصر -بحكم القضاء- كل هذا الانحطاط فى التعليم والصحة والثقافة وأوصل مصر إلى حافة الكارثة فى كل المجالات. وفى هذه «اللحظة الكاشفة» كان طبيعيًّا أن تؤكد الرئاسة أن مصر لن تعود إلى الوراء، وأن ثورتى 25 يناير و30 يونيو تؤسسان للدولة الحديثة القائمة على العدل والحرية ومحاربة الفساد، ويبقى أن تتم ترجمة ذلك بإجراءات حاسمة ورؤية تدرك أن الثورة لا تنتصر بأنصاف الحلول! فى هذه «اللحظة الكاشفة» ندرك أن فساد ما قبل يناير يستجمع صفوفه، وأن فاشية ما قبل يونيو تواصل إرهابها المنحط.. وأن مواجهة ذلك لا يمكن أن تتم بينما بعض شباب الثورة الذين لم يرفعوا سلاحًا ضد الدولة فى السجن، والأخ حسين سالم يهتف «تحيا مصر»، ومذيعو قنوات الفساد يهددوننا «ويهددون الدولة» لأننا تجرأنا على أن نكون جزءًا من الثورة، ولأنهم سيظلون عنوانًا للفساد!