منذ اليوم الأول لمحاكمة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، كتبت أن القضية بدأت وانتهت فى هذا اليوم! كان المعنى الأساسى قد ثبت بوقوف الرئيس الأسبق فى قفص الاتهام وسقوط الهالة الفرعونية للحكم.. أما الاتهامات الجنائية فكان واضحًا -من البداية- أنها لن تؤدِّى إلى شىء، خصوصًا حين يكون الأمر بمستوى الحصول على «فيلل» لرجل كان يملك وحده القرار بشأن أرض مصر طولًا وعرضًا! يوم الجمعة الماضى كانت مصر تسجل انتصارًا ساحقًا على قوى الظلام فى جمعة الخوارج الذين أرادوا رفع المصاحف لإخفاء قنابلهم التى تريد تدمير الوطن. فى اليوم التالى جاءت أحكام البراءة للرئيس الأسبق مبارك وعائلته ووزير داخليته ومعاونيه، لتذكّرنا أن معركتنا ضد النظامَين اللذين أسقطناهما فى 25 يناير ثم فى 30 يونيو ما زالت مستمرة! ولتقول لنا إننا إذا كنا نواجه معركة حياة أو موت ضد إرهاب منحط يقوده إخوان الإرهاب وحلفاؤهم، فإننا نخوض نفس المعركة ضد فساد قديم أسقطنا رموزه فى 25 يناير، لكنه يتوهَّم أن حربنا ضد فاشية الإخوان يمكن أن تتيح له أبوابًا للعودة.. ولو بأقنعة جديدة! أحكام البراءة صدمت الكثيرين، وطرحت من جديد السؤال المركزى: إذا كان الجميع أبرياء، فمَن قتل شهداءنا؟! لكن أحكام البراءة نفسها تنبّهنا إلى الكثير الذى لا ينبغى أن نغفل عنه لحظة واحدة. أحكام البراءة تقول إن الجناة عن كل ما وقع قبل 25 يناير ما زالوا طلقاء، وأن نظام ما قبل يناير ما زال يحتفظ بمفاتيح قوته. وعلينا هنا أن نتذكَّر أن المحاكمة التى تمت كانت عن أسبوع واحد من عمر مصر (من 25 يناير وحتى 31 من نفس الشهر) ثم عن بعض المخالفات والجرائم الصغيرة، مثل أخذ «فيلل» على سبيل الرشوة (!!) وهو ما جعل المحكمة نفسها (وهى تصدر أحكام البراءة) تؤكِّد ما قلناه من البداية من خطأ الاحتكام إلى قانون العقوبات فى محاكمة عصر من الفساد! وأن المسؤولية السياسية عما وقع من جرائم خلال ثلاثين عامًا كانت تستوجب طريقًا آخر للمحاكمة عن جرائم عددتها المحكمة الموقَّرة، وفى مقدمتها «تزييف الإرادة الشعبية واندثار التعليم وإهدار الصحة وتجريف العقول المستشرفة للغد». لم يكن المطلوب يومًا هو الانتقام الشخصى من أحد. ولكن كان المطلوب هو المحاكمة السياسية لعصر قادنا إلى ما نحن فيه من كوارث وجعل انفجار الثورة فى 25 يناير أمرًا مشروعًا كما قالت المحكمة. لم يكن المطلوب أن نستعيد «فيللًا» مسروقة أو بضعة ملايين منهوبة، ولكن أن نكشف كل الأوكار التى تربَّى فيها الفساد، وأن نواجه كل الظروف التى جعلت الإرهاب يتغلغل فى خلايا المجتمع بمقتضى صفقة شيطانية تم فيها ضرب كل خلايا المجتمع لكى تخلو الساحة إلا من فساد النظام وإرهاب الإخوان.. وهو ما نحصد ثماره المريرة حتى الآن. اليوم -وأكثر من أى وقت مضى- يتأكَّد لنا أننا لن نستأصل الإرهاب إلا إذا قضينا على فاشية الإخوان وسطوة الفساد معًا. وإلا إذا اتخذنا الإجراءات السياسية والقانونية التى تؤكِّد أنه لا عودة لفساد ما قبل يناير ولا لفاشية ما قبل يونيو. المواجهة الحقيقية والحاسمة للإرهاب لن تنجح إلا بمواجهة الفساد ومحاكمة سياسية لا بد منها لنظام ما قبل يناير. وإلا فكيف نواجه القتلة والمتآمرين بينما عملاء الفساد القديم ووجوههم القبيحة تملأ الساحة السياسية والفضاء الإعلامى تهاجم يناير، وتبشرنا (!!) بعودة النظام البائد؟ وكيف يظل شباب من الثورة لم تتلطخ أياديه بالدم فى السجون، بينما ينعم القتلة بالحرية، ويطل علينا الثائر الكبير (!!) حسين سالم صارخًا عبر شاشات التليفزيون: تحيا مصر!.. يقصد بالطبع أن تحيا مصر لكى يواصل نهب ما تبقَّى منها بعد سنوات الفساد العظيم!