مترجم «الطبل الصفيح»: كتابة محفوظ لا تروق لذائقة القارئ الألماني.. ويعتبرونه هناك "عاديا" وليس "عظيما" في أمسية أدبية رائقة، استضاف معهد جوته بالقاهرة، مساء أول من أمس الأربعاء، الكاتب والروائي العراقي حسين الموزاني، المقيم بألمانيا، في "حفل قراءة أدبية" باللغتين العربية والألمانية لمقاطع من روايته «اعترافات تاجر لحوم»، أعقبها ندوة مفتوحة ونقاش حول الرواية ومجمل نشاطه الأدبي والثقافي في مهجره بألمانيا، وأدار اللقاء الإعلامية والكاتبة الصحفية أميرة الأهل. اللقاء حضره نخبة من المثقفين والكتاب المصريين، منهم الكاتب والقاص سعيد الكفراوي، والكاتبة سلوى بكر، والناشرة سوسن بشير، ومسئولي معهد جوته بالقاهرة، بالإضافة إلى عدد من المتخصصين في اللغة الألمانية وآدابها بكلية الآداب والألسن رفقة طلابهم. الموزاني الذي أمضى عدة أيام في جولات بمدن مصرية في الدلتا والصعيد، قرأ كذلك مقاطع من أعماله الروائية في دمياط والمنصورة والغردقة ما بين 17 وحتى 20 مايو الجاري، في إطار مشروعات التبادل الثقافي التي تتبناها وتنظم فعالياتها في أنحاء مختلفة من مصر مؤسسة روبرت بوش الثقافية بالقاهرة. اللقاء شهد حضورا جيدا وتفاعلا بين الضيف والجمهور الذي تابع قراء الموزاني الأدائية الرصينة، بعربية سليمة إلى حد كبير لأجزاء من عمله الروائي الذي تدور أحداثه في مصر، كما قرأت محاورته ومديرة اللقاء أميرة الأهل المقاطع ذاتها باللغة الألمانية، واستمرت القراءة قرابة الساعة ونصف الساعة. عقب القراءة، استهلت أميرة الأهل النقاش بسؤال وجهته للموزاني حول تجربة الكتابة الإبداعية بلغة أجنبية، غير اللغة الأم، وهل مثلت عائقا في التعبير عن أفكاره ومجمل تصوراته التي أراد تضمينها العمل أم لا. صاحب الترجمة العربية لرواية جونتر جراس «الطبل الصفيح» ردا على السؤال، عرض للظروف التي أدت بالكاتب إلى خوض هذه المغامرة بدءا بالظرف السياسي والتقلبات الاجتماعية التي دفعت به إلى اتخاذه قرار الهجرة، ومن ثم التعايش مع مجتمع يعتبره في الأساس "غريبا" أو "أجنبيا"، وهي المشكلة التي تطورت مع الوقت لتمثل هاجسا مؤرقا أو تحويرا إبداعيا وثقافيا لسؤال الهوية الملتبس. واستعرض الموزاني في معرض إجابته المستفيضة على السؤال، فكرة بدت للحضور مهمة وجوهرية، وتجسدها أزمة كل عراقي بل عربي مهاجر، أو منفي "طواعية أو قسرا"، وهي أنه يبدو في نظر المجتمع الذي هاجر إليه واكتسب جنسيته "غريبا" رغم أنه تعلم لغته وأتقنها وتواصل بها، بل أبدع بها أدبا وفنا. في المقابل شرح الموزاني أن بلده الأم أو البلاد التي تتحدث العربية، والتي من المفترض ألا تبدو نظرتها إليه غريبة أو متربصة، لم تتعامل وفق منطق أنه "عربي الأصل" بل كانت تستهجن كونه مهاجرا ومكتسبا لجنسية أخرى غير عربية، وربما مثلت هذه الأزمة محور روايته التي كتبها وقرأ مقاطع منها بعنوان «اعترافات تاجر لحوم» أو كما صدرت في أصلها الألماني «اعترافات الجزار» لتعالج هذه الإشكالية وتجسد مستوياتها وتفاصيلها الإنسانية وأسئلتها الملتبسة. ففي روايته «اعتراف الجزَّار» يجسد حسين الموزاني قصة سرحان قاطع الربيعي، وهو عراقي ألماني يعيش في كولونيا ويعمل تاجرًا للحوم. مرَّ سرحان في حياته بأكثر من ضربة أليمة من ضربات القدر، تزوج بألمانية وانتهت زيجته بالطلاق وبحصول مطلَّقته على حق الوصاية على ابنتهما. أما صديقه المفضَّل، فقد أغرق أحزانه في الخمر وأدمنه حتى الموت. وكلما ازدادت يأس سرحان ووحدته كلما زاد اقتناعه أن السبب الحقيقي وراء ما يصيبه من شرور ومصائب يعود إلى "ألمنته المتزايدة". مشبعًا بمشاعر الكراهية المتشعبة ضد المجتمع من حوله، وصل سرحان إلى حالة من "الغضب الدموي" حوَّلته إلى شخص مجنون. إنها قصة قاتمة ميؤوس منها تقع في مفترق الطرق بين الغرب والشرق، ولكنها في الوقت نفسه دراسة مثيرة للجانب النفسي لشخصية بلا جذور عاجزة عن النقد والتأمل الذاتي. واستكمالا للنقاش والأسئلة التي وجهها الحضور له، بدا الموزاني في ردوده وإجاباته الأنيقة ملما بالحياة الثقافية والأدبية في المجتمع الذي قضى فيه الشطر الأكبر من عمره، مهجره ومنفاه الطوعي "ألمانيا"، وإن لم يكن على الدرجة ذاتها في الإحاطة بالواقع الأدبي العربي المعاصر، ولا بتفاصيل المشهد لا في مصر وحدها بل العراق أيضا. عبر الموزاني عن رأيه في عدد من القضايا والموضوعات، أبرزت انطلاقه من تصورات اعتبرها بعض الحضور من شباب الكتاب المصريين ونقاده أيضا "ثابتة" ولم يطلها "تحديث" أو "تطوير"، منها مثلا رأيه في كتابة نجيب محفوظ ورصده لما اعتبره "أصداء تلقيه في المجتمع الألماني"، مرجعا ذلك إلى أن كتابة محفوظ لا تروق لذائقة القارئ الألماني الذي يعتبره "عاديا" وليس "عظيما"، مشيرا إلى أن هناك قطاعات في أوساط القراء الألمان يعتبرون كتابة محفوظ "خفيفة" وأقرب إلى ذائقة الشباب منها إلى قراء الأدب المحترفين. وردا على سؤال عن طيور الكتابة المهاجرة من العراقيين، وهل يمثلون تيارا كتابيا مختلفا له سماته وخصائصه الفارقة عن نظرائهم الكتاب المغاربيين (من الشمال الأفريقي) الذين كانوا يكتبون باللغة الفرنسية وليس العربية، أجاب الموزاني بأن المجتمع العراقي مجتمع "قارئ" نهم، وأن كثيرا من العراقيين يمارسون القراءة والكتابة الإبداعية بكثافة، وهرب الموزاني بدبلوماسية وكياسة من الرد تفصيلا عن أي ملمح أو سمات تخص الكتاب العراقيين من الروائيين الذين برزوا في العقد الأخير، خاصة في المنفى، مثل سنان أنطون، ومحسن الرملي، وإنعام كجه جي، وحسن بلاسم، وحوراء النداوي، ومصطفى كزار، وأخيرا أحمد سعداوي الحائز على جائزة بوكر 2014 (الجائزة العالمية للرواية العربية)، ملمحا على استحياء بأنه لم يحط أو يقرأ تفصيلا أعمال هؤلاء الكتاب. وللقارئ العربي الذي لا يعرف الموزاني، مثله مثل بطل روايته المشار إليها يجمع الكاتب الروائي والصحفي حسين الموزاني بين الجنسية الألمانية والعراقية، وهو من مواليد العام 1954 في مدينة العمارة بالعراق وترعرع في بغداد. وغادر العراق في عام 1978 لدواعٍ سياسية، متوجها إلى لبنان حيث عمل صحفيا لمدة عامين، انتقل بعدها إلى ألمانيا عام 1980 ولا يزال مقيما بها حتى يومنا هذا. يكتب حسين الموزاني باللغتين الألمانية والعربية على حد سواء. وقد كتب مجموعة من الأعمال الأدبية من بينها رواية «منصور» أو «عطر بلاد الغرب» (2002) و«اعتراف الجزَّار» (2007) ومجموعة القصص القصيرة «خريف المدن» فضلًا عن المجموعة القصصية التي تحمل عنوان «الوصي على الإمام الهائم». علاوة على عمله في مجال التأليف امتد نشاط حسين الموزاني أيضًا إلى مجالي الصحافة والترجمة. حيث نقل إلى العربية مجموعة من الأعمال من بينها كتابات لإنجِبورج باخمان وجوتفريد بينّ وراينر ماريا ريلكه ويورجن هابِرماس، فضلا على ترجمته لرائعة جونتر جراس الشهيرة «الطبل الصفيح»، الصادرة عن منشورات الجمل في 688 صفحة من القطع المتوسط. رواية «الطبل الصفيح» للألماني الحائز على نوبل 1999 جونتر جراس، هي إحدى روائع الأدب الألماني، والعالمي في القرن العشرين، أوسكار هو بطل الرواية، طفل صغير استثنائي، قرر في سن الثالثة أن يحتج على الفوضى بطريقته، أوقف نمو جسده، بينما نما عقله واتسعت خبراته، يحمل دوما طبلة من الصفيح يستخدمها لإيقاظ مجتمع بأكمله يتجه إلى النازية، وعندما يشعر بالغضب والقلق، يطلق صرخة عالية تهشم الزجاج في أقرب مكان، الرواية التي تدور أحداثها في دانزج، المدينة التي فجّرت الصراع بين ألمانيا وبولندا، تستخدم هذه الشخصية الغرائبية، لتقول أشياء كثيرة، وبطريقة ممتعة ومدهشة وجريئة، عن زمن الجنون والفوضى. «الطبل الصفيح» هي الجزء الأول من "ثلاثية دانزج"، التي كتبها جراس، ليجعل من نفسه شاهداً على عصر صعود النازية الكئيب. الترجمة التي اضطلع بها حسين الموزاني، وضعته في مصاف كبار المترجمين ووصفها الكثيرون بالترجمة "المثابرة الدؤوب"، خاصة انها من الأعمال المركبة ومتعددة المستويات لغويا، وهو ما يشكل عائقا أمام أي مترجم محترف، وتقتضي ممن يتصدى لترجمة مثل هذه الأعمال استعدادا وتحضيرا حاشدا ومكثفا، لغويا وأدبيا ومعرفيا وسياقيا، وهو ما أنجزه الموزاني بحرفية واقتدار، جعلت ترجمته لهذه الرواية هي المعتمدة في كل الدول الناطقة بالعربية.