"التنظيم والإدارة" يتيح الاستعلام عن موعد الامتحان الشفوي بمسابقة وظائف "شئون البيئة"    جامعة بورسعيد ضمن الأفضل عربيًا في تصنيف QS البريطاني 2025    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك "ميدوزا -13" باليونان    وزير الإسكان يستقبل محافظ الأقصر لمتابعة مشروعات "حياة كريمة" لتطوير الريف    اتحاد منتجي الدواجن: المزارع تعمل بكفاءة 60% وتراجع أسعار الكتاكيت 40%.. فيديو    جهود مصر لتعزيز الاستثمارات الأجنبية.. خطوات تنسيقية مع البنك الدولي والهيئات الوطنية    زيادة مرتقبة في الأجور| رئيس "العمال" يزف بشرى سارة.. وأنباء عن 15% في المعاشات    انتعاشة في حركة تداول السفن والحاويات في ميناء دمياط    المجلس التصديري للطباعة والتغليف يطلق بعثة تجارية إلى تركيا    برلماني: مشاركة الرئيس بقمة تجمع البريكس تعزز التوسع في شراكات اقتصادية واستراتيجية    استشهاد 8 فلسطينيين في قصف الاحتلال الإسرائيلي مخيم جباليا شمال غزة    وزير الخارجية الإيراني: الوضع في غزة ولبنان كارثي ولا بد من وضع حد للعدوان الإسرائيلي    المهمة ال11 منذ اندلاع حرب غزة.. بلينكن يصل إلى إسرائيل ضمن جولة للمنطقة    الأهلي يستعد لمواجهة الزمالك.. كولر يوجه جهازه الفني لدراسة نقاط القوة والضعف    نشاط للرياح واضطراب في حركة الملاحة البحرية بالإسكندرية    إصابة 8 عمال في انقلاب سيارة ربع نقل بالشرقية    بسبب الميراث.. شخص يعتدى على شقيقة بكفر الشيخ    في الاسكندرية والسويس.. الداخلية تضبط مخدرات ب5 ملايين جنيه    خبير أثري: ظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني ليست الوحيدة    وسط حشود سياحية.. الشمس تتعامد على وجه رمسيس الثاني بأبو سمبل (فيديو)    الصحة: 1250 طبيبًا من ملتحقي برنامج الزمالة المصرية يشاركون بجلسات مؤتمر السكان    طعوم منتهية الصلاحية لتلاميذ المدراس .. الصحة تكذب الممرضة المدعية: التطعيمات آمنة    أول رد من الصحة على فيديو متداول يدعي فساد تطعيمات طلاب المدارس    الرقابة الصحية تنظم ورشة عمل للتعريف بمعايير السلامة لوحدات ومراكز الرعاية الأولية بحضور 300 مشارك    جامعة القناة تواصل دورها المجتمعي بإطلاق قافلة شاملة إلى السويس لخدمة حي الجناين    من أكرم إلى ياسر في مسلسل برغم القانون.. لماذا ينجذب الممثلون لأدوار الشر؟    أميرة أديب توجه رسالة ل شريف سلامة بسبب مسلسل «كامل العدد +1»    معلومات الوزراء: كبار السن سيمثلون 16% من إجمالي سكان العالم 2050    الجنايات تحسم اليوم مصير أحمد فتوح بتهمة القتل الخطأ تحت تأثير المخدرات    تحرير 619 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    طلاب التربية الخاصة ب«تعليم البحيرة» يصعدون لنهائيات الكرة الخماسية    محظورات فى قانون مزاولة مهنة الصيدلة، تعرف عليها    النجمات لطيفة وجنات وريهام عبد الحكيم في ضيافة «الليلة العمانية» بالأوبرا    دعاء جبريل للنبي عندما كان مريضا.. حماية ربانية وشفاء من كل داء    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالشرقية    الكرة النسائية.. المدير الفني لفريق سيدات "مسار" يطالب الاتحاد بحلول لظاهرة الهروب من المباريات    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 والقنوات الناقلة    الجارديان تلقي الضوء على مساعي بريطانيا لتعزيز قدرات القوات الأوكرانية في مواجهة روسيا    «التموين»: طرح بيض المائدة في المجمعات الاستهلاكية بسعر 150 جنيهًا في هذا الموعد    «الأزهرى» يشارك فى حفل تنصيب الرئيس الإندونيسى نائبًا عن «السيسى»    للمسافرين.. تعرف على مواعيد القطارات اليوم على خطوط السكك الحديد    صناع عمل "مش روميو وجولييت" يعلنون تأسيس نادي أصدقاء للجمهور    الأمم المتحدة تدين القصف الإسرائيلي العنيف للمناطق الحضرية والسكنية في لبنان    قائد القوات البحرية: مصر نجحت في منع الهجرة الغير شرعية منذ 2016    تغطية إخبارية لليوم السابع حول غارات الاحتلال على رفح الفلسطينية.. فيديو    مستشفى كمال عدوان بغزة يطالب بفتح ممر إنساني عاجل    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ماذا كان يقول الرسول قبل النوم؟.. 6 كلمات للنجاة من عذاب جهنم    إبراهيم فايق واقعة ثلاثي الزمالك: كانت خناقة شوارع وغلطنا غلط كبير    عقوبة تخبيب الزوجة على زوجها.. المفتاح بيد المرأة وليس الرجل فانتبه    مديرة مدرسة الندى بكرداسة تكشف تفاصيل زيارة رئيس الوزراء للمدرسة    عبدالرحيم علي: ضرب المفاعلات النووية الإيرانية أول ما ستفعله إسرائيل في "الرد"    أسامة عرابي: الأهلي يحتاج خدمات كهربا رغم أزمته الحالية    حدث بالفن| طلاق فنانة للمرة الثانية وخطوبة فنان وظهور دنيا سمير غانم مع ابنتها    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    رئيس إنبي: لجنة المسابقات ستشهد نقلة نوعية بعد رحيل عامر حسين    عضو رابطة الأندية: قرعة الدوري ليست موجهة.. والمقارنة مع عامر حسين «صعبة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقدس والنفعى
نشر في التحرير يوم 25 - 12 - 2011

لقد اكتوى المصريون لقرون طويلة من أشكال مختلفة من الاستغلال والظلم، كانت تتم غالبا تحت ستار عبارات وأقوال دينية. فالرضوخ للحاكم الظالم المستبد، كان يتم تبريره بآيات تحض على «طاعة ولى الأمر»، والضرب بأيدٍ حديدية على أى اعتراض أو رفض اجتماعى أو سياسى للظلم كان يُمارس تحت مظلة «وأد الفتن»، التى هى «أشد من القتل»، وذلك بالطبع بعد تكفير من يسعون لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمع، بدعوى أنهم «يخرجون على الحاكم». كما كان للمصريين أيضا خبرات سيئة مع أشكال أخرى من استغلال عاطفتهم الدينية. فقد كانت القوى الاستعمارية تلعب على وتر هذه العاطفة لتتلاعب بهم وتسيطر عليهم. فقبل أن تطأ مدافع نابليون أرض مصر، كان قد أعد بيانا يوزَّع فى ربوع البلاد، يُعلن فيه إسلامه! وحين كان الألمان على أبواب العلمين فى الحرب العالمية الثانية، أصبح هتلر معروفا بين المصريين بأنه «الشيخ محمد هتلر»، فى تمهيد تقليدى لاحتلال جديد. والسؤال الذى يطرح نفسه هو: لماذا يحرص كل هؤلاء اللاعبين السياسيين على مزج خطابهم السياسى بخطاب دينى؟ ربما كانت الإجابة عن هذا السؤال كامنة فى تحديد الفرق بين الخطاب السياسى والخطاب الدينى، خصوصا الخطاب الإلهى، كما يتجلى فى آيات القرآن الكريم.
آيات القرآن الكريم خطاب إلهى مقدس. المتكلم فى هذه الآيات هو الله، والمخاطَبون به هم عباده. ثمة علاقة محددة تربط بين المتكلم والمخاطَبين هى علاقة العبودية. فإله الناس هو رب الناس ومالكهم، والناس هم عبيده وممتلكاته. وهناك استجابة مُلزِمة للمخاطَبين إزاء الخطاب الإلهى، هى الإيمان والتصديق المطلق. وأقصى ما يمارسه المخاطَبون إزاء النص المقدس بعد حفظه عن ظهر قلب، هو محاولة فهم مراده بهدف العمل به. وكل المشكلات التى يمكن أن تظهر فى أثناء عملية الفهم سببها محدودية قدرات المخاطَبين، مقارنة بإعجاز النص المقدس. ومن يخرج على القواعد الملزمة للاستجابة للخطاب الإلهى، أى التقديس والتصديق قد يكون معرضا للإقصاء الدينى، أى الطرد من دائرة الإيمان والإسلام، وللإقصاء الخطابى، أى الاستبعاد من مفهوم «جماعة المسلمين».
على النقيض من ذلك، فإن الخطاب السياسى هو خطاب بشرى يلقيه رجل السياسة ليتلقاه المواطنون على اختلاف معتقداتهم وقناعاتهم. تتحدد العلاقة بين المتكلم والمخاطَب فى الخطاب السياسى بأنها علاقة بين رجل سياسة ومواطن. هذه العلاقة تقع فى إطار الحقوق والواجبات المتبادلة، ويحكمها عقد اجتماعى يحدد الدستور طبيعته. والخطاب السياسى خطاب استشارى يعرض فيه السياسى على المواطنين ما فعله أو يفعله أو سيفعله بغرض إعلامهم واستشارتهم، وحضهم على القيام بفعل ما أو نَهيهم عن القيام بفعل آخر.
يتوجه الخطاب السياسى إلى كل المواطنين دون استثناء. فهو خطاب عام، يُفترض فيه أن لا يُمارِس تمييزا دينيا أو عرقيا أو سياسيا، حيث إنه ينبنى على مفهوم «المواطنة»، الذى يُلغى أيَّا من هذه التمييزات. نظريا، لا توجد قيود على استجابة الجمهور للخطاب السياسى، وتتراوح الاستجابة بين المناقشة والحجاج، أو القبول والرفض، أو التصديق والتكذيب، أو التأييد والاعتراض، أو التبرير والتفنيد. ولا تتأثر العلاقة بين المتكلم والمخاطَب نتيجة لأى من هذه الاستجابات، فالمخاطَب الذى يناقش الخطاب السياسى أو يعترض عليه أو يرفضه أو يفنده يمارس حقا مشروعا تكفله المواطنة. والسياسى لا يجب عليه أن يقبل هذه المناقشة أو الاعتراض أو التفنيد.. إلخ فحسب بل يقع على عاتقه توفير المناخ المناسب لممارستها.
يكشف التمييز السابق عن الاختلاف العميق بين الخطابين السياسى البشرى والإلهى الدينى. ويمكن تصوير هذا الاختلاف بأنه يماثل الاختلاف بين الإلهى والبشرى عند المؤمنين الخلَّص. فالمسلم يقدس كل كلمات الله عز وجل، ويقبلها باقتناع تام وإجلال عظيم. فى حين أن كلمات السياسى التى كثيرا ما تحركها مصالح شخصية أو فئوية أو مذهبية جديرة بالشك فى أغراضها وأهدافها، وتتطلب المساءلة الدقيقة والنقد الشامل، حتى لا يقع المواطنون فى حبائل التلاعب والتضليل السياسى، فالسياسة هى بالأساس حقل المكيدة والخداع.
إن الخطاب الدينى يحوز قوة استثنائية مستمدة من التقدير الاستثنائى، الذى يعطيه المتدينون للمصدر الذى ينبع منه، أعنى الإله. إضافة إلى أن الخطابات الدينية غالبا ما تكتسب حصانة ضد أشكال المخالفة أو المقاومة. وهكذا فإن نفاذ رجل السياسة إلى الخطاب الدينى، وتضفير خطابه السياسى به، يمثل أداة لتعزيز قوته وقوة خطابه فى مواجهة منافسيه. ولهذا يسعى السياسيون للتقنع بقناع الخطاب الدينى، ليمتزج الكلام الدينى المقدس والكلام السياسى النفعى. وهدف هذا المزج عادة ما يكون تحويل ما هو مقدس إلى أداة تحقق منفعة سياسية أو مادية لفرد أو جماعة بعينها.
يحدث هذا المزج غير البرىء بين المقدس والنفعى فى بعض المجتمعات المعاصرة فى الشرق والغرب، لكن خطورته فى المجتمع المصرى فى الوقت الراهن أكبر. ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب من بينها التحالف الوثيق بين بعض الجماعات «الدينية» وأنظمة حكم عربية خارجية تتخذ من الدين ستارا للاستبداد الداخلى والهيمنة الخارجية، وتسعى بقوة لإجهاض أى مشروع لنهضة مصر، لأن هذه النهضة تمثل خطرا كبيرا على استمرار تلك الأنظمة العائلية المستبدة. إضافة إلى ضعف روح التسامح وغياب ثقافة التعايش وتغلغل التعصب الأعمى لدى كثير ممن يسعون للوصول إلى السلطة تحت قناع الدين. ومن المؤكد أن وصول أمثال هؤلاء المتعصبين إلى السلطة سوف يؤدى إلى الدخول فى نفق مظلم من الاستبداد السياسى تحت غطاء دينى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.