لماذا أوغل المجلس العسكرى فى القتل بهذه الطريقة؟ ولماذا يصمت الإخوان والإسلامجيون هذا الصمت الشائن؟ المؤسسة العسكرية والإخوان المسلمون تحركوا منذ البداية حركات متناغمة للقضاء على مظاهر تعددية النفوذ السياسى التى نشأت بعد الثورة. كانت الصورة تشمل المؤسسة العسكرية، الإخوان المسلمون ومن لف لفهم من الإسلامجية الآخرين، الحركات الشبابية (شباب فيسبوك وتويتر)، وطبعا الأحزاب القديمة، والكنيسة القبطية. لو كان الأمر بيد المؤسسة العسكرية لتخلصت من كل الآخرين ولاستمرت فى حكم مصر بمساعدة المؤسسات التقليدية، كما فعلت طوال الستين سنة الأخيرة. لكنها صارت مؤسسة بلا بطل قومى. وفى ضوء الوعى الجديد فى المجتمع المصرى، وبروز حركات شبابية مؤثرة، فإن الإخوان المسلمين والحركات الإسلامجية هى وحدها القادرة على ضمان تأييد شعبى للجيش. هذه -فى سطر واحد- المعادلة التى وضعت على الطاولة فى مباحثات الإخوان مع العسكريين وقت الثورة. وقدم الإخوان للعسكر دليلا وراء دليل عليها، من خلال قدرتهم على الحشد والانسحاب بأمر قيادى واحد، من خلال قدرة جهازهم الإعلامى الشعبى على الدعاية ضد أشخاص بأعينهم، أو لصالح مواقف بعينها. المجلس العسكرى اختار منهم ممثلين فى لجنة صياغة التعديلات الدستورية تضمن لهم خارطة طريق تبدأ بالانتخابات البرلمانية، وهى خطوة فى مصلحتهم تماما. وهم يتعهدون بعدم ترشيح رئيس للجمهورية، بل وبتمهيد الأجواء لمرشح العسكريين. مثلا، حين يرشح عبد المنعم أبو الفتوح نفسه لرئاسة الجمهورية، لا يكتفون بعدم تأييده، بل يتعاملون معه بعدائية غير مبررة. كما يطلقون خلاياهم الدعائية النائمة ضد محمد البرادعى. تلك الخلايا التى تستهدف طبقة المتعلمين الأميين، الهيكل الأساسى لحركة الإخوان المسلمين وجمهورها. هذا على الجانب السياسى، أما على الجانب الميدانى، ففى اعتصام 9 مارس، كانت حركة «رصد» الإخوانية الذراع الإعلامية للجيش. وأظهر شباب الإخوان القائمون عليها من سوء الخلق فى الدعاية ضد المعتصمين من الشباب درجة لا تقل عما أظهره جهاز مبارك الإعلامى فى الدعاية ضد الثوار. وظهر مراسل الشبكة يتحدث عنهم بلسان يشبه لسان طلعت زكريا. وتكرر هذا فى الاعتصامات والمظاهرات اللاحقة. مع أبرز مثال فى مظاهرة «الوقيعة بين الشعب والجيش»، على حد تسمية الإخوان. نجحت الدعاية ضد الحركات الشبابية الجديدة، وأثبت تحالف «الإخوان-العسكر» كفاءته بنتيجة مبهرة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية. بقى ملف الكنيسة القبطية. وهذا تكفلت به المؤسسة العسكرية وأجهزتها الأمنية والمعلوماتية بالطريقة المباركية. فتأييد الكنيسة، على قلة عدد المسيحيين فى مصر، مهم جدا لإكساب الشرعية لممثل المؤسسة العسكرية فى وليمة السلطة فى مصر. هنا يتضاءل دور الإخوان إلى حيز عدم التعليق، والاكتفاء بنشر الدعاية التعصبية شعبيا، بينما يتمدد حيز دور الجماعات الأكثر تشددا، من «عايز أختى كاميليا»، إلى الدعاية المباشرة والاعتداء المباشر على الكنائس. وتصل المواجهة الابتزازية من المؤسسة العسكرية للكنيسة القبطية إلى قمتها فى أحداث ماسبيرو. لكن عدد الشهداء الكبير، والصادم، فى أحداث ماسبيرو، لن يكون تصرفا منفردا منزوعا من السياق. باقتراب الانتخابات البرلمانية (وبالتالى اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسى)، ستحاول المؤسسة العسكرية، بعقليتها الأمنية، قمع الجميع مرة وإلى الأبد، أو هكذا تظن. قرابة الخمسين شهيدا فى محمد محمود، ثم قتل يومى وانتهاك علنى لحرمات الناس فى أحداث قصر العينى ومجلس الوزراء. الموضوع ببساطة: مع الانتخابات البرلمانية، ووفاء المؤسسة العسكرية بالجانب الذى يخصها من الاتفاق، تحاول المؤسسة العسكرية خلق حالة أمنية متردية تمهد الأجواء للإعلان عن مرشحها. بينما يكتفى الإخوان بإثارة البلبلة والدعاية والإيحاء بأن المعتصمين هم السبب فى تلك الحالة، لتضييع الشرعية البرلمانية. لاحظ أن أحداث محمد محمود سبقت المرحلة الأولى من الانتخابات، ورغم ذلك لم يتعرض أحد من الشباب بسوء للجنة انتخابية على الإطلاق، بل وأعلن كثيرون أنهم ذهبوا لينتخبوا ثم عادوا إلى الاعتصام. وأن أحداث قصر العينى تلت الجولة الثانية للانتخابات. ولو كان للتوقيت معنى فإن هذا يصب فى صالح الشباب وليس ضدهم. ويصب بالتأكيد ضد من بيده السلاح وبيده قرار فض الاعتصام بالقوة. المهم، نحن فى انتظار الحلقة الأخيرة من مسلسل «الصفقة». يبقى أن أيا من كان مرشح المؤسسة العسكرية فى الانتخابات، فقد جاء على دماء مصريين. يالسخرية القدر! المؤسسة التى طالما اكتسبت شرعيتها من بذل دمائها لحماية مصر، صارت تبذل دماء مصريين لحماية مصالحها. إن فى هذا إشارة جلية لمن كان له عقل. والله إن غدا لكم يا شباب مصر، لكن ما بين اليوم وغد ظلام دامس.