رئيس الحكومة الإسرائيلية يتعمد خلط الأوراق لتطويل أمد الحرب وإعاقة أى محاولات للتوصل إلى هدنة «ماذا تريد إسرائيل؟» سؤال بات مهما، وباتت الإجابة عنه ملحة أكثر من أى وقت مضى، فما يفعله الاحتلال فى المنطقة، سيقودنا حتما إلى صراع أوسع، لا يحمد عقباه؛ وربما يقود تل أبيب ذاتها إلى الهاوية، الضرب يمينا ويسارا، وتوجيه هجمات فى أكثر من جبهة فى توقيت واحد، يؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، لا يفقه شيئا عن قواعد الاشتباك، ولكن يدفعنا إلى فهم هدفه الرئيسى من كل هذا؛ وهو الهروب من المسئولية، والتنصل من الالتزام باستحقاقات لطالما طالب بها العالم، وهو بناء السلام فى المنطقة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967. وجاء التصعيد الإسرائيلى الأخير، بتوجيه ضربة استهدفت رئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية فى طهران، لترد على تساؤل، ماذا تريد إسرائيل؟، وتعكس رغبة الاحتلال فى نشر الفوضى بالمنطقة، بوقوع مزيد من الاضطرابات والتوترات والصراعات، لتحقيق عدة أهداف، كما قلنا على رأسها التصدى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، خاصة بعد أن تزايدت الدعوات الدولية المطالبة بضرورة حل القضية الفلسطينية، وحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة على أساس حل الدولتين. وتتزامن هذه التحركات الإسرائيلية مع تصعيد مستمر من جانب الاحتلال فى قطاع غزة بمواصلة حرب الإبادة الجماعية للشهر العاشر على التوالى؛ فى عدوان أقل ما يقال عنه، إنه جريمة حرب ضد الإنسانية، قضت على الأخضر واليابس هناك، وشردت الأطفال والسيدات وكبار السن، لتكشف أيضا أن تل أبيب تتعامل بفوقية مريبة على القانون الدولى، مستخدمة كل أدواتها حتى غير الشرعية من أجل التهرب من مسئولياتها، مرتكبة أبشع الجرائم التى يندى لها الجبين. فى الوقت نفسه، يقف العالم فى الجهة الأخرى مشدودا، يراقب التصعيد المستمر فى أكثر من جبهة، ويتخوف من اتساع رقعة الصراع، والوصول لحرب شاملة مدمرة، دون أن تكون لديه أوراق ضغط لوقف تل أبيب عن مساعيها بإشعال النيران فى العالم، ولنا فى استهداف رئيس المكتب السياسى الراحل إسماعيل هنية دليل على حجم التخاذل الدولى، لاسيما أن استهداف رجل كهذا، كان على رأس من يقود مفاوضات التهدئة فى غزة، ربما يشير إلى صعوبة المرحلة القادمة، ويضع مسار التسوية فى مهب الريح.
إفشال المفاوضات هدف نتنياهو الأول وجاءت عملية اغتيال هنية، لتزيد من التوقعات بتأثيرها مباشرة على مسار المفاوضات الساعية إلى وقف إطلاق النار فى غزة، والتى كانت فى الأساس معقدة بين حركة حماس وإسرائيل. فى حين يقول مراقبون، إن العملية هى تعبير صريح على استمرار تل أبيب فى عرقلتها لمسار التسوية من أجل تطويل أمد العدوان على القطاع المحاصر، ويتوقع البعض، أن ملف المفاوضات، سيتم تعليقه ردا على هذه العملية، و«لن يفتح فى المستقبل القريب إلا بتنازلات إسرائيلية لتحريك المياه الراكدة»، وبعد أن كنا قريبين أكثر من أى وقت مضى لعقد صفقة، فمن المرجح ألا تصل إسرائيل وحماس إلى اتفاق فى الوقت القريب، وهذا ما يرغب فيه رئيس الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وهو إطالة أمد الحرب لأكثر وقت ممكن، لتجنب المحاسبة على الفشل القائم فى مسار الحرب بغزة. وتوقعت صحف أجنبية، أن تؤدى عملية اغتيال هنية إلى إفشال المفاوضات، حيث علقت صحيفة «الجارديان» البريطانية على تلك العملية، وقالت إنه «الأكثر دبلوماسية واعتدالا فى الحركة الفلسطينية، فضلا عن دوره المحورى خلال مفاوضات الهدنة، مشيرة إلى أن اغتياله بمثابة ضربة لمباحثات وقف إطلاق النار فى غزة ووقف الحرب»، وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن اغتيال هنية فى هذا التوقيت بمثابة تصعيد خطير، وضربة كبرى للمفاوضات، التى تتوسط فيها مصر وقطر والولايات المتحدة، لإنهاء حرب غزة، وتحرير المحتجزين، والمستمرة منذ أشهر طويلة. ومنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلى على غزة، وتعتمد حكومة نتنياهو على سياسة المراوغة والعرقلة لإفشال مفاوضات وقف إطلاق النار فى القطاع المحاصر، فرغم الضغط الدولى الكبير على إسرائيل، لوقف المجازر والجرائم، التى ترتكب يوميا بحق الشعب الفلسطينى، والتى أسفرت عن سقوط ضحايا بعشرات الآلاف من الأطفال والسيدات وكبار السن، فإن تل أبيب، تواصل حملتها الغاشمة على مدار الأشهر الماضية مستمرة فى وضع المعوقات والصعوبات والعراقيل للتصدى لأى محاولات وجهود ساعية لوقف إطلاق النار فى غزة. ويتخوف رئيس الحكومة الإسرائيلية بعد وقف الحرب، من المساءلة والمحاسبة جراء الاستمرار فى سياسات أدت إلى تورط الاحتلال الإسرائيلى فى مزيد من المعارك بغزة وخارجها دون تحقيق أى نتائج إيجابية، معارك خلفت وراءها خسائر اقتصادية بالجملة، لذا يستمر فى بعثرة الأوراق من أجل تطويل أمد الحرب، وإعاقة أى محاولات للتوصل إلى هدنة. ويعتبر موقف اليمين المتطرف الأكثر تشددا ضمن مواقف القوى السياسية والحزبية داخل إسرائيل، والرافض لأى مقترحات قد تؤدى إلى وقف إطلاق النار فى غزة، فخلال الأشهر الماضية، وتهدد الأحزاب اليمينية بإسقاط حكومة نتنياهو، وربما محاكمة رئيسها فى حال وافقت على الاقتراح بوقف الحرب فى قطاع غزة، وإبرام صفقة تبادل أسرى كبيرة، تؤدى إلى إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، حيث يستغل نتنياهو تهديدات اليمين المتطرف بإسقاط الحكومة فى معركته مع الشارع الإسرائيلى والمعارضة، و دائما ما يستعين بها رئيس الوزراء الإسرائيلى، لتظهر على السطح كلما خرجت تسريبات تؤكد وجود تفاهمات للوصول إلى هدنة، وهو ما يجعل نتنياهو يصرح ويؤكد أن الحرب مستمرة فى غزة، ولا نوايا مطلقا لوقفها. فى المقابل، تتهم المعارضة الإسرائيلية، وأهالى المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية نتنياهو بعرقلة مفاوضات الهدنة، ففى الوقت الذى يجمع فيه الوسطاء، أن «حماس» كانت قد أعطت ردا إيجابيا على مقترحات وقف إطلاق النار، وإبرام صفقة تبادل أسرى، سربت أوساط فى أجهزة الأمن فى تل أبيب، تصريحات اتهمت فيها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو وحكومته، بالسعى لإجهاض المفاوضات قبل أن تبدأ. من جهة أخرى، فإن الجبهة اللبنانية، واشتعالها فى مناسبات عدة مؤخرا، بزيادة الضربات الإسرائيلية الموجهة إليها، تنظر بوجود اندفاع إسرائيلى غير مدروس، فبعد أن صادقت تل أبيب قبل أسابيع على خطط عملياتية، لشن هجوم واسع النطاق على جنوبلبنان، عقد اجتماع جمع وزير جيش الاحتلال، يوآف جالانت، ورئيس الأركان الإسرائيلى، هرتسى هاليفى، وبعض مساعديهما ما ينذر ببداية تنفيذ خطة للهجوم على جنوبلبنان. وكان جيش الاحتلال فى وقت سابق، أكد أن «قائد القيادة الشمالية الميجور أورى جوردين، ورئيس مديرية العمليات، الميجور أوديد باسيوك، أجريا تقييما مشتركا للوضع فى القيادة الشمالية، وفى إطار تقديم الوضع، تمت الموافقة على خطط عملياتية لهجوم فى لبنان، مضيفا أنه تم اتخاذ قرارات بخصوص مواصلة تسريع استعدادات القوات فى الميدان. كل هذا يثبت أن إسرائيل تعيش حالة من التهور العسكرى غير المبرر فى الآونة الأخيرة، فمع استمرار عدوانها الغاشم على قطاع غزة، يبدو أنها لم تستطع أن تحافظ على الهدوء والاستقرار فى الجبهات الأخرى، حيث أدت سياسة حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة إلى توسيع رقعة الصراع، لتشمل بالإضافة إلى لبنانوإيران، سوريا والعراق واليمن فى توقيت واحد، بينما أمضت فى التصعيد وارتكاب الجرائم المستفزة فى القطاع المحاصر، الأمر الذى تسبب فى توتر العلاقات مع جميع الدول الإقليمية الكبرى. وجاء اتباع الاحتلال الإسرائيلى لسياسة خلط الأوراق فى المنطقة، وتوسيع رقعة الاضطرابات بها، ليثبت أن نتنياهو وأعضاء حكومته، هم الأكثر تطرفا على مر الحكومات الإسرائيلية السابقة، متبعين مخطط الفوضى الخلاقة، فبالتزامن مع تدمير قطاع غزة، واستهداف البنية التحتية، والقطاع الصحى، وقتل آلاف المدنيين، ومنهم الأطفال والسيدات وكبار السن، استكملت استفزازاتها فى مناطق أخرى بالشرق الأوسط، فقصفت مناطق عدة بسوريا، وفى اليمن. ولم تكن إيران أيضا بعيدة عن خطة إسرائيل فى خلق حالة اضطراب واسعة معها فى المنطقة، ففتحت معها جبهة جديدة، فقبل اغتيال هنية، استهدفت تل أبيب القنصلية الإيرانية فى دمشق، وكأنها تقول «علينا أن نضع المنطقة فوق فوهة بركان»، ولكن بالنظر إلى ما ستؤول إليه الأوضاع فى الفترة المقبلة، فكل المحللين، أجمعوا أن تلك السياسة، ستضع إسرائيل فى صراعات دائمة، ستجعلها تفقد رصيدها عند المجتمع الدولى بعد أن وضعت الشرق الأوسط فى حالة من عدم الاستقرار، فبدا واضحا أن العالم بدأ يئن من المهاترات الإسرائيلية، إذا كان باستمرار جرائمها فى قطاع غزة وارتكاب مجازر، وصلت إلى حد الإبادة الجماعية، أو بخلق مناطق ملتهبة جديدة، تجعل العالم، ينظر دائما بقلق إلى الخطر القادم من منطقة الشرق الأوسط. ولعل ما يحدث أيضا فى البحر الأحمر من اضطرابات شديدة، أثرت على حركة الملاحة والتجارة العالمية، يعبر عن مدى التداعيات الكارثية لاستمرار العدوان الإسرائيلى، حيث أرجع كثير من المحللين سببه إلى استمرار الحرب على غزة، فلم تقف آثار العدوان عند اشتعال الجبهات فى سورياولبنان والعراق، بل تخطت أيضا ذلك لتصل إلى البحر الأحمر، وهو ما حذرت منه الكثير من الدول فى وقت سابق، وقالت مصر والصين عنه، إنه من الضرورى «أهمية قراءة الأوضاع فى البحر الأحمر، ارتباطا بالأوضاع فى غزة، باعتبارها مسببا رئيسيا لها، مشيران إلى أن توسع الأعمال العسكرية، وما نتج عنها من تدمير للبنية التحتية، وتزايد موجات النزوح صوب الجنوب، وتصعيد الصراع فى لبنانوالبحر الأحمر، كلها مؤشرات، تنبئ بتوسع رقعة الصراع، ودخول المنطقة فى حلقة مفرغة من التصعيد له انعكاسات خطيرة على الأمن والاستقرار».
دور مصرى مهم لوقف الإبادة فى غزة وتحذيرات من تداعيات العدوان على المنطقة ولم تقف مصر مكتوفة الأيدى إزاء التطورات فى غزة والشرق الأوسط، فرغم العراقيل الإسرائيلية المستمرة للمسارات المقدمة على الطاولة لوضع حد لهذه المعاناة فى غزة، فإنها لم تقلل من الجهود المصرية، بل دفعت القاهرة إلى تكثيف التحركات من أجل الضغط على المجتمع الدولى لوقف العدوان، فمصر من جانبها، لم تدخر جهدا فى توفير الأجواء من أجل وقف إطلاق النار فى غزة، حيث نجحت الوساطة المصرية فى شهر نوفمبر الماضى فى الوصول إلى وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 4 أيام، وتمديده يومين آخرين، فى هدنة إنسانية، شملت الإفراج عن بعض الأسرى والمحتجزين وإدخال شاحنات المساعدات الإنسانية إلى غزة. واستمرت جهود القاهرة الحثيثة لوقف إطلاق النار مستضيفة عددا من اجتماعات التفاوض بهدف التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، ووقف الحرب الدائرة بشكل دائم فى القطاع المحاصر.