كثيرا ما تتردد هذا الاسئلة في الحوارات التي تدور بين الشباب العربي على اختلاف جنسياتهم واتجاهاتهم: هل الديمقراطية هي الافضل للمجتمعات العربية في الوقت الراهن؟ هل المجتمعات العربية مؤهلة للتحول الديمقراطي؟ وهل ثمن هذا التحول مقبول لاغلبية افراد المجتمع، ام انه ثمن باهظ ربما لا يرغب كثيرون في تحمله؟ اجابات هذه الاسئلة استمعنا اليها من مجموعة من الشباب العربي الذين شاركوا في تدريب في جامعة "بدفوردشير" البريطانية في اطار مشروع "صوت الشباب العربي"، والذي تنظمه مؤسسة "آنا ليند" بالتعاون مع المجلس البريطاني، وهي اجابات تحمل قدرا من الخوف حول المسار الذي تتحرك فيه الدول التي شهدت ثورات وانتفاضات مؤخرا، وتبدو في خلفيتها مشاهد التطورات المتلاحقة في مصر وتونس وليبيا وسورية واليمن منذ مطلع الربيع العربي في يناير/كانون الثاني 2011، وهي التطورات التي دفعت البعض للقول بأن الديمقراطية لا تصلح للمجتمعات العربية في الوقت الحالي. عصام يرى ان المجتمعات العربية غير مؤهلة للديمقراطية من بين اصحاب هذا الرأي، عصام بن عيسى، الذي يدرس الدكتوراه في القانون بجامعة عبد الحميد بن باديس في الجزائر، والذي يرى ان المجتمعات العربية في الوقت الحالي تفتقر الى ثقافة الديمقراطية، وتفتقر الى قائد يدفع نحو الديمقراطية في مرحلة التحول من الحكم الديكتاتوري، ولهذا انتهت جهود التحول الديمقراطي بالفشل كما حدث في مصر، اذ تم انتخاب رئيس للجمهورية بشكل ديمقراطي، ثم تدخل الجيش وعزله. ومن ثم فان المطلوب، من وجهة نظره، حاكم "مستبد عادل" يرعى جهود تطوير الدولة سياسيا واجتماعيا حتى تصبح مؤهلة لحكم ديمقراطي، وذلك كما حدث في سنغافورة وكمبوديا. الديمقراطية رغم مشاكلها تظل هي الافضل كما ترى خديجة لكن على النقيض من هذا الرأي، ترى خديجة علي، وهي طالبة ليبية تدرس الفيزياء بجامعة طرابلس، ان الديمقراطية رغم كل مشكلاتها تظل هي الخيار الافضل للمجتمعات العربية، ويكفي النظر لتجربة الحكم الدكتاتوري لمعمر القذافي لأكثر من 40 سنة في ليبيا، وما ضاع على الليبيين من موارد وفرص للتطور خلال هذه السنوات، لإدراك ان الديمقراطية هي الاصلح. وتمضي خديجة فتقول ان التحول للديمقراطية سوف يستغرق وقتا، ولن يتم بين يوم وليلة، ولهذا يجب ان نمنح المجتمعات وقتا لإتمام هذا التحول، ثم ان هناك اشكالاً مختلفة من انظمة الحكم الديمقراطي يمكن لكل مجتمع ان يختار منها ما يناسبه، والاهم اننا لسنا في معزل عن العالم، ولا يمكن ان تظل الدول العربية كما هي في الوقت الذي تحولت دول كثيرة الى انظمة تقوم على التعددية والحرية. ويلفت عمر العثمان، وهو طالب اردني يدرس بجامعة العلوم والتكنولوجيا، الانظار الى مشكلة اخرى هامة، وهي ان هناك قوى عكسية في المجتمع تمسك بالمال والسلطة، وتحارب التحول الى نظام سياسي مختلف، وتشوه صورة الديمقراطية، ولهذا ربما تفشل تجارب الديمقراطية في الدول العربية لأن هناك قوى متعددة تسعى الى افشالها. ويرى ان نموذج المستبد العادل قد انتهت صلاحيته في القرن الحادي والعشرين، ولا يمكن الاستناد اليه. المرأة بعد الربيع العربي بشرى تخشى من تراجع مكتسبات المرأة التونسية لا يتوقف الحوار حول التغييرات التي شهدتها دول الربيع العربي عند مدى نجاح او فشل جهود التحول للديمقراطية، بل يمتد الى جوانب اجتماعية وثقافية متعددة، من بينها وضع المرأة في هذه الدول، وعما اذا كانت مشاركة المرأة في الانتفاضات والثورات في هذه الدول قد ادت الى تعزيز مكاسبها ودعم حقوقها. "في الواقع لدي مخاوف من تراجع الحريات والحقوق التي حصلت عليها المرأة التونسية"، هذا ما تبدأ به بشرى قريشي، التي تدرس بكلية الآداب في صفاقس في تونس، حديثها وتضيف: بعد استقلال تونس في عام 1957، وعبر سنوات حكم الرئيس الراحل بورقيبة، حصلت المرأة التونسية على حقوق كثيرة، واصبح وضعها مميزا بالمقارنة بباقي النساء العربيات. لكن في الوقت الراهن، ومع صعود الاسلاميين للحكم، تصاعدت اصوات تنتقد حرية المرأة التونسية، وترى ان ما حصلت عليه هو اكثر من اللازم، ومن ثم فان مكاسب وحريات المرأة في تونس اصبحت مهددة بالتراجع. سارة تنظر بايجابية لوضع المرأة بعد الربيع العربي لكن ربما يكون الربيع العربي انعكس ايجابا، بشكل اجمالي، على المرأة العربية كما ترى سارة امسيسان، التي تدرس الاقتصاد والادارة بجامعة الحسن الثاني في المغرب، اذ ان وضع المرأة عموما كان سيئا، باستثناء تونس، وكانت المرأة مهمشة الى حد كبير، لكن مع مشاركة المرأة بفعالية في الثورات والانتفاضات والحراك السياسي بشكل عام، فان من المنطقي ان تتحسن اوضاع المرأة، وتضرب مثلا على ذلك بليبيا التي خصصت 30% من مقاعد المؤتمر الوطني للمرأة، وبالمغرب التي زاد فيها عدد الوزيرات في الحكومة المغربية الاخيرة بشكل ملحوظ ليصل الى ست وزيرات. رأي آخر لسحر شيبوب، وهي طالبة مغربية، وهو ان زيادة عدد الوزيرات لايعني تحسن اوضاع المرأة، وان المرأة العربية لازال امامها الكثير لتحققه في مختلف المجالات، وانه ربما لم يحدث تغيير جوهري لاوضاع المرأة العربية بعد الربيع العربي. حال الاعلام العربي آمنة ترى ان هناك تعددا وتنوعا في الاعلام العربي حاليا وتتصاعد نبرة الحوار بشكل ملحوظ عند الحديث عن الاعلام العربي، ومن الواضح ان اغلب الشباب الذين تحدثنا اليهم ينتقدون الكثير من ممارسات الاعلام العربي في الوقت الحالي، ويرون ان اكثر وسائل الاعلام العربية تخدم اساسا مصالح رجال الاعمال او اصحاب السلطة بغض النظر عن دورها في تقديم معلومات دقيقة وصحيحة للجمهور. "لا يقدم الاعلام العربي، في الاغلب، الا وجهة نظر واحدة بحيث اصبح مجرد اداة لتحقيق اهداف سياسية"، هذا ما يراه احمد عبد الصبور الذي يدرس الدكتوراه بكلية الطب بجامعة الزقازيق في مصر، ويضيف: ما ورثه الاعلام الحكومي في مصر مثلا من العصر الدكتاتوري هو الاهتمام فقط بما يريده الحاكم، وتجاهل ما يرفضه، بغض النظر عن رغبات الشعب، اما الاعلام الخاص فهو يخضع لسيطرة رجال الاعمال، ويعمل لتحقيق مصالحهم، ولا توجد به حيادية او توازن، والنتيجة، حسب رأيه، ان الاعلام العربي عموما اصبح اسوأ بعد الربيع العربي. وفي ذات الاتجاه يمضي خليل زريات، وهو طالب تونسي، ليقول: وضع الاعلام في تونس اصبح أسوأ لأن الاعلام الحكومي لم يصبح اكثر حرية بل اصبح اعلاما مسيسا يخدم مصالح الاحزاب الحاكمة، ونفس الشيئ ينطبق على الاعلام الخاص الذي يخدم مصالح سياسية اساسا، ولا يخدم مصالح الجماهير. غير ان آمنة جابري، طالبة ادارة الاعمال في تونس، ترى جانبا ايجابيا في وضع الاعلام العربي بعد الثورات، وهو انه اصبح اكثر اتساعا وتنوعا، وتعددت القنوات والصحف ومواقع الانترنت على اختلاف اتجاهاتها السياسية بشكل لم يكن متاحا قبل الثورات، وهذا التنوع الاعلامي يعطينا الفرصة، كما تقول، لمقارنة مختلف الآراء. وهذا بلا شك هذا افضل كثيرا من الاستماع لراي واحد فقط عبر عدد قليل من وسائل الاعلام كما كان الحال لسنوات طويلة. لا يتوقف الحوار حول اوضاع دول الربيع العربي، وما شهدته من تغييرات، وعن تقييم هذه التغييرات سلبا او ايجابا، ويبقى الامل لدى الشباب في ان يكون غد بلادهم أفضل، واكثر حرية وعدلا. تبث حلقة جديدة من سلسلة "حوار الجامعات" تم تسجيلها في جامعة "بدفوردشير" البريطانية مع مجموعة من الطلبة العرب يوم الجمعة 8 نوفمبر/تشرين الثاني الساعة الرابعة وست دقائق بتوقيت جرينتش على تلفزيون واذاعة البي بي سي. وتعاد الحلقة صباح يوم السبت في الساعة الثانية والثامنة صباحاً والثانية مساءً من يوم السبت، ثم الساعة العاشرة صباحاً من يوم الأحد. كل تواقيت البث والإعادة بتوقيت جرينتش.