ما يسمى ب«الثورة الخضراء» فى إيران، أو ذلك الاحتجاج واسع المدى والمتواصل ضد الرئيس محمود أحمدى نجاد بعد الاستيلاء المزعوم على أحدث انتخابات رئاسة فى البلاد، قد لا يغير الوضع فى طهران. فمعظم الدلائل تشير إلى أن النخب الحاكمة فى إيران تقف وراء الرئيس أحمدى نجاد. وعندما تبدأ الحكومة فى استخدام قدر أكبر من القوة فى قمع المظاهرات المعادية لأحمدى نجاد فى الشوارع، فإن احتمال إراقة المزيد من الدماء يكون أكبر. تذكرنى الأزمة الإيرانية بمذبحة ميدان السلام السماوى فى 4 يونيو من عام 1989. فقبل عشرين عاما قاد طلاب الجامعة الصينيون حركة احتجاج ضخمة دعت إلى مزيد من الديمقراطية واستنكرت الفساد فى عاصمة الجمهورية الشعبية. وقد اكتسبوا تعاطف الناس العاديين فى بيجين. وشارك ما يزيد على مليون من السكان المحليين فى مظاهرات الشوارع. وبدأ آلاف الطلاب إضرابا عن الطعام فى ميدان السلام السماوى، قلب الأمة الصينية الرمزى، لما يزيد على الأسبوع فى منتصف مايو من عام 1989. وتزامن احتجاجهم مع زيارة رئيس الاتحاد السوفييتى حينذاك ميخائيل جورباتشوف لبكين. وبما أن ما يجرى كان يُنقل مصورا إلى أنحاء العالم بواسطة الإعلام العالمى الذى كان موجودا على مسرح الأحداث لتغطية القمة الصينية السوفييتية، فقد جرى تكبير الآثار السياسية للاحتجاج الذى يقوده الطلاب على نحو بالغ. وفى وقت من الأوقات عبأت السلطات الصينية الجنود لدخول المدينة لتفرقة الطلاب، ولكن الناس العاديين، الذين قدموا الخبز والزهور للجنود، إلى جانب إلقاء الخطب السياسية عن عدم إيذاء الطلاب الأبرياء والوطنيين، حالوا دون وصول القوافل العسكرية. تصاعدت الأزمة على نحو أدى إلى انتشار الاحتجاج بسرعة إلى كل المدن الرئيسية تقريبا فى الصين. وانقسم كبار القادة. وكان وجود الإعلام الدولى والرئيس ميخائيل جورباتشوف يعنى أنه لا يمكن للحكومة الصينية نشر قوات ضخمة. وكان بقاء الحزب الشيوعى الصينى موضع شك لبعض الوقت. ومع ذلك فقد تغير الوضع تغيرا ضخما بعد مغادرة جورباتشوف بكين. وتحرك المتشددون فى الحكومة بسرعة للتخلص من الليبراليين. وأُعلِنت الأحكام العرفية. وجىء بقوات جديدة من المناطق البعيدة. وفى الرابع من يونيو عام 1989 تحرك الجنود المسلحون بالدبابات وعربات الأفراد المدرعة والبنادق AK-47 وسحقوا «ربيع بكين»، كما كانت الحركة تسمى. وقد قُتِل المئات من الطلاب وسكان بكين العاديين. بالطبع هناك اختلافات عديدة بين مذبحة ميدان السلام السماوى والأزمة الحالية فى طهران. فبالرغم من كل العنف الذى استخدمته القوات الموالية لأحمدى نجاد ضد المتظاهرين، فإن المعركة الحاسمة بين الجانبين لم تقع بعد. وقد نجحت السلطات الإيرانية فى تقييد تغطية الإعلام الدولى، ولكنها تواجه تحدى ثورة المعلومات الحديثة فى صورة التويتر وخدمات الشبكات الاجتماعية الإلكترونية. ومقارنة بالصين فى عام 1989، فإن إيران أكثر عزلة على المستوى الدولى. كما أن طهران أكثر انكفاء على نفسها من بكين، وتفتقر إلى القيادة الحاسمة فى القمة. لذلك وبينما يبدو أنه من المستحيل إيجاد تشابهات دقيقة بين الأزمتين، فإن الطريقة التى تمت بها مذبحة السلام السماوى وكيفية تأثيرها على التطورات السياسية والاقتصادية اللاحقة فى الصين يمكن أن تكون بمثابة درس مفيد لكل من الحكومة الإيرانية والشعب الإيرانى. كما تبين النتيجة المأساوية لأزمة السلام السماوى، فإنه ما إن يحتشد المتشددون داخل النظام الحاكم وراء قرار سحق التحدى المميت لسلطتهم بغض النظر عن الثمن، فإن هذا التطور يسفر عن مواجهة دامية ويخلف وراءه ندوبا سياسية وعاطفية. وعلى المدى القصير، فإن المتشددين الذى يعتمدون على دعم الجيش وقوات الأمن هم الذين يفوزون عادة وبحسم. فهم يمكنهم قتل الزعماء ومؤيدى المعارضة وحبسهم ونفيهم. كما أن مستوى عنف السحق عامل مهم. والمحزن أن استخدام القوة الضخمة له أثر مؤقت لتخويف المعارضة كى تتراجع، بالرغم من أن هذا التكتيك يخلق انقسامات سياسية فى المجتمع تدوم لفترة طويلة. عند مواجهة نخبة موحدة تعتزم الدفاع عن سلطتها بالعنف، عادة ما يكون لدى المعارضة خيارات قليلة. ويصبح تنظيم احتجاج الشوارع صعبا وخطيرا بشكل كبير، بينما يقل الأثر السياسى. وقبول الهزيمة غير مستساغ كذلك لأنه يمنح المشروعية للحكومة المنتخبة على نحو فعال من خلال التلاعب. وحتى المقاومة السلبية، الشبيهة بالعصيان المدنى الخاص بغاندى، قد لا تساعد فى الإبقاء على حركة الاحتجاج، لأن الحكومة يمكنها إلقاء القبض على أفراد المعارضة الواحد تلو الآخر والقضاء على أعدائها بالتدريج سياسيٍّا وبدنيّا. ومع أن هذا التوقع يبدو كئيبا بالنسبة لمن يتمنون رؤية إيران أكثر انفتاحا وأكثر تطلعا إلى الخارج، فإن الانتصار المؤقت للرئيس أحمدى نجاد لا يضمن بالضرورة بقاء نظامه لفترة طويلة. وعند مناقشة مذبحة السلام السماوى، الأمر الذى يُنسى فى الغالب هو أن قيادة الحزب الشيوعى اجتهدت لإخراج نفسها من الحفرة السياسية العميقة التى حفرتها لنفسها من جراء السحق الرهيب الذى جرى فى ميدان السلام السماوى. وبشكل أكثر تحديدا، فإنه لكى ينقذ الحزب الشيوعى نفسه، قرر أنه لا خيار له إلا إصلاح العلاقات مع الغرب كى يمكن للصين الوصول إلى الرأسمال الغربى والأسواق الغربية. ونتيجة لذلك فإنه بعد ثلاث سنوات من مذبحة السلام السماوى، قام الزعيم الصينى دين شياو بينج، الذى ألقى عليه اللوم فى التخلص من الليبراليين وأقر الاستخدام المميت للقوة، كان يتابع مذبحة السلام السماوى، بجولة فى جنوب الصين (المنطقة الأشد اتصالا بالاقتصاد العالمى) وهو فى سنه المتقدمة البالغة 87 عاما ودعا إلى تسريع الإصلاح الاقتصادى والانفتاح على الغرب. وربما أراد دينج إنقاذ ميراثه السياسى والتكفير عن قراره بسحق الطلاب فى عام 1989 بإجرائه هذا. وكانت نتائج عمل دينج ضخمة وثورية. وخلال بضعة أشهر انطلقت البلاد كلها فى اتجاه جديد. والأمر المهم هو أن الصين لم تخطب ود المال الغربى، بل عملت بجد لاستعادة حسن نية الغربيين وصداقتهم. وأصبحت السياسة الخارجية الصينية براجماتية ومتعاونة إلى حد كبير. وقد ساعدت نتائج هذا التغيرات السياسية بالطبع فى إحداث المعجزة الاقتصادية الصينية. واليوم الصين أقوى بكثير مما كانت عليه فى عام 1989. الزعماء الإيرانيون الذين يظنون أن كل ما يحتاجونه هو سحق المعارضة وبعدها تكون سلطتهم آمنة، يرتكبون خطأ كبيرا. إن عليهم أن يبدأوا بالتفكير فى كيفية إصلاح علاقتهم بالشعب فى الداخل الذى تحرر من الوهم ويشعر بالاغتراب، والمجتمع الدولى المذعور والذى ضاق صدره إلى حد كبير فى الخارج. خاص بالشروق