يتحدث الإخوان وقادتهم عن الديمقراطية بصورة أكثر من رائعة، لكن عليهم من الآن وصاعدا أن يجتهدوا فى ترجمة هذا «الكلام» إلى واقع على الأرض. قبل أيام انتخب الاخوان دكتور سعد الكتاتنى رئيسا لحزبهم الحرية والعدالة بصورة ديمقراطية جيدة ونريد منهم أن يترجموا ذلك فى تعاملهم مع بقية القوى السياسية.
قبل وصول الإخوان للحكم، كان كثير من معارضيهم يخشون من استخدامهم لقطار أو طائرة أو حتى توك توك الديمقراطية فى رحلة ذهاب فقط من دون عودة، وأنهم بعد وصولهم للسلطة عبر هذه الوسيلة الديمقراطية سيكفرون بها، ويتفنون فى تشويهها واعتلاء السلطة إلى الأبد أو حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.
الإخوان فازوا بانتخابات البرلمان بصورة ديمقراطية، والرئيس محمد مرسى فاز بمنصبه عبر إرادة شعبية حتى لو كانت نحو 51.5 فى المائة. وبالتالى وجب علينا وعلى كل من يعارضهم أن يحترم إرادة الشعب.
وفى المقابل فإن الإخوان وقد صاروا فى السلطة وجب عليهم إثبات أنهم يسمحون بحرية الرأى والتعبير وسائر مظاهر الاحتجاجات السلمية. وبعد الذى حدث فى ميدان التحرير يوم 12 اكتوبر الجارى وتكسير منصة التيار الشعبى وتخريب مظاهرة القوى المناوئة للإخوان، وجب علينا أن نراقب الإخوان وسلوكهم عن كثب لأنه يبدو أن جينات الديمقراطية الهجينة لم «تتثبت» بعد داخل أجسادهم ولاتزال عقولهم تلفظها.
لو كنت مكان الإخوان وقادتهم لرحبت بالمظاهرات والمسيرات المعارضة حتى أظل طوال الوقت مدركا لعيوبى وعارفا لاتجاهات الرأى العام وملبيا لمطالب الشعب خصوصا البسطاء منه.
قد يستطيع الإخوان عبر شبابهم المنظم والذى يعتبره البعض ميليشيا قمع أى مظاهرة منافسة، وقد يستطيعون حصار الإعلام وتكميمه، لكن عاقبة ذلك انهم قد يستيقظون فجأة على مصير مبارك.
المتطرفون داخل الإخوان لا يدركون للأسف مثلما كان يفعل المتطرفون فى الحزب الوطنى أن الانفراد بالسلطة خطر داهم عليهم، وأن المعارضة الحقيقية ورغم صداعها المستمر هى فى مصلحة الإخوان على المدى البعيد، التكويش على السلطة مغرٍ، لكنه الخطر الداهم على الإخوان.
لو كنت مكان الإخوان لشجعت الأحزاب السياسية المنافسة وجعلتها «تصلب عودها الرخو»، لأن وجود منافسة جادة هو أفضل علاج لمرض الاستبداد المزمن. المظاهرات المنافسة هى الحل العبقرى لحماية هذه الجماعة من نفسها.
إذا كان الإخوان مؤمنين فعلا بالديمقراطية فأقترح عليهم جادا وليس هازلا إقامة فصول عاجلة لمحو ديكتاتورية غالبية أعضاء الجماعة، الذين لا يؤمنون بالديمقراطية التى نعرفها بعض هؤلاء يكنون احتقارا فعليا للديمقراطية، لكنهم لا يجاهرون بذلك باعتبارها الوسيلة التى حملتهم للسلطة وخوفا من غضب العالم الخارجى وانقلابه عليهم.
أقترح على قادة الإخوان أن يقيموا ورش عمل لتعليم أعضائهم العاديين معنى الديمقراطية وتطبيقها، وكيف أن ذلك يعنى أن يؤمن الإخوانى الطبيعى بأن هناك «آخر» غيره قد يكون على صواب والفيصل لذلك هو صندوق الانتخاب.
مطلوب من الإخوان أن يعلموا أنصارهم أنهم ليسوا أعلى مرتبة دينية من غيرهم من المسلمين، وأن الدين علاقة بين المرء وخالقه، وأن الشعب انتخبهم ليحسنوا أحواله المعيشية وليس ليقيموا المزيد من المساجد الموجودة بكثرة والحمد لله.
لا فارق بين الإخوانى وغيره إلا بالتقوى والعمل الصالح سياسيا، وترجمة ذلك أن الذى يميز حزبا عن آخر هو تلبيته لاحتياجات المواطنين.
لو أن الإخوانى العادى آمن بهذه الأفكار البديهية، فلن يتعامل مع منافسه باعتباره عدوا، ولو تقابل معه فى مظاهرتين متضادتين، فقد يتجادل معه طويلا، لكنه لن يكسر منصته، ولن يحاول إصابته وربما قتله باعتبار أنه كافر أو فى أحسن الأحوال علمانى!!.