عندما كنت فى مصر فى يونيو 2011، قابلت زمزم محمد عبدالنبى، وتبلغ من العمر ستة وثلاثين عاما، وهى أم لاثنين، وتعيش فى إحدى المناطق العشوائية بالقاهرة، وهى منشأة ناصر. وتسكن فى منزل بشارع المعدِّسة أسفل حافة صخرية وتصنفه الحكومة بالخطر البالغ على حياتها، وقد أبلغتنى أنها طلبت هى وجيرانها من السلطات المحلية أن تنقلهم إلى مساكن بعيدة عن الخطر. فهم غير قادرين على الحصول على مساكن بديلة بأنفسهم. هى تخشى على حياة أسرتها من خطر انهيار الصخور. وفى الوقت نفسه، تخاف من فكرة أن ينتهى بها الأمر بالتشرد دون مأوى إذا أجبرت على إخلاء مسكنها الحالى بشكل قسرى. ومنذ كارثة انزلاق الصخور عام 2008 أخليت آلاف الأسر قسرا من مساكنها فى منشأة ناصر. وبدون إنذار مسبق أو تشاور مع السكان، أزالت السلطات المحلية مساكنهم. والذين أعيد تسكينهم نقلوا إلى مساكن بديلة فى مناطق بعيدة عن أماكن كسبهم. والأسوأ من ذلك أن مئات منهم أصبحوا دون مأوى.
●●●
أدت عمليات الإخلاء القسرى عبر القارة الأفريقية، إلى تشريد آلاف الأشخاص كل عام. وفى معظم الحالات، نُفذت هذه العمليات فى ازدراء تام للقانون الدولى ولمعظم المعايير الأساسية لحقوق الإنسان. ولم يفكر أحد فى الذين تأثروا بذلك إلا قليلا. وظل الملايين معدمين وبلا مأوى. وكثر عدد الذين دُفعوا تحت خط الفقر. ولا يملك معظمهم الوصول إلى سبل العدالة أو جبر ضرر فعال.
ويعيش ثلاثة تقريبا من بين كل أربعة فى المدن الأفريقية فى تجمعات سكنية عشوائية أو فى أحياء فقيرة. ومعظمهم لا يحصلون أولا يحصلون إلا على القليل من الماء والمدارس والعيادات الصحية والأمن كالشرطة المحلية مثلا. ومعظمهم يعملون ويدفعون الضرائب ويدلون بأصواتهم ويرسلون أولادهم إلى المدارس ويسهمون فى اقتصاد المدينة مثل سائر سكان الحضر. وكثيرون منهم عاشوا هناك عقودا من الزمان.
والمسئولون غالبا ما يدافعون عن عمليات الإخلاء القسرى على أساس أن الأشخاص فى تلك التجمعات قد «اقتحموها بوضع اليد» أو يعيشون فيها بصورة «غير قانونية». لكن هذا إغفال للحقيقة بأن كثيرا من الأشخاص قد اضطروا للعيش فى هذه المناطق لأن الحكومات قد فشلت فى توفير مساكن فى متناول إمكاناتهم. كما أنه تغافل عن حقيقة أخرى، وهى أن كثيرا من الحكومات تنظر إلى الأحياء الفقيرة والعشوائيات على أنها مشكلات ضارة تحتاج إلى حلول قاسية بل وحشية أحيانا. ونتيجة لذلك، فإنهم غالبا ما يرون عدم احترام حقوق الإنسان ممكنا فى تلك المناطق، وكأن الفقر يلغى بشكل ما الحقوق التى تخص كل إنسان.
الإخلاء القسرى قد يترتب عليه نتائج كارثية، خاصة للأشخاص الذين يعيشون فى الفقر فعلا. فهم لا يفقدون مساكنهم وأغراضهم فحسب، بل يفقدون أيضا تجمعاتهم وروابطهم الاجتماعية والخدمات الأساسية التى يعتمدون عليها من أجل البقاء. فهم يكافحون للحصول على ماء نقى، وطعام ومراحيض صحية. ويكافحون من أجل الحصول على عمل ورعاية صحية ومدارس لأطفالهم. ويكافحون لبناء حياتهم المفككة، وفى الغالب لا يتلقون عونا أو تأييدا من حكوماتهم التى تنتزعهم من مساكنهم. وعمليات الإخلاء القسرى يصحبها أحيانا عنف واستخدام للقوة المفرطة من قبل السلطات.
●●●
إن جميع الحكومات عليها مسئولية احترام وحماية وتطبيق حقوق الإسكان، ومع ذلك فإن الناس مرة تلو الأخرى قد خذلهم تقاعس حكوماتهم عن وضع سياسات تخطيطية وإسكانية تضع حاجاتهم موضع الأولوية.
ومن وقت لآخر، تنتهك الحكومات فى شتى مناطق أفريقيا القانون الدولى انتهاكا صريحا بل وعنيفا فى بعض الأحيان. ومرة بعد مرة، فإن الفقراء والمحرومين هم أكثر الناس معاناة. فالإخلاء القسرى مشكلة وليس حلا.
يجب على الحكومات فى أفريقيا أن تفعل المزيد. يجب أن توقف عمليات الإخلاء القسرى وتجعل لاحتياجات الفقراء الأولوية فى سياساتها الخاصة بالإسكان والأرض. ويجب أن تشرك معها الأشخاص الذين هم أكثر الناس تأثرا فى وضع الحلول لكسر الدائرة المغلقة للفقر وانتهاكات حقوق الإنسان التى قد يقعون فى أسرها.
فى الأسبوع المقبل، سيكون لدى قادة سياسيين أفارقة الفرصة ليفعلوا ذلك فى المؤتمر الأفريقى الرابع لوزراء الإسكان والتخطيط العمرانى الذى سوف ينعقد فى نيروبى «لمناقشة السبل التى من خلالها يمكن للتطور العمرانى أن يخلق فرصا ووظائف، ويجتذب المستثمرين ويساعد المدن على أن تكون مصدرا للأمل فى بلادها».
ولتذكير الوزراء بواجباتهم، يشارك آلاف الناس من مصر، ومن كل أفريقيا منظمة العفو الدولية وجماعات أخرى فى تقديم عريضة تطالب هؤلاء الوزراء أن يقترحوا على الاتحاد الأفريقى إصدار إعلان عن الإسكان المقبول ويمنع عمليات الإخلاء القسرى، ويضع حقوق الإنسان فى المقام الأول.
ومن بين الذين يجب أن تستحضرهم الأذهان أشخاص مثل زمزم محمد عبد النبى. لقد شاركت فى احتجاجات عامى 2009 و2010 لتنبيه السلطات إلى أحوالها. وفى «ثورة 25 يناير»، شاركت زمزم فى المظاهرات الحاشدة بميدان التحرير رافعة صوتها مع ملايين المصريين بشعار «عيش، حرية، عدالة اجتماعية». وبعد تنحى مبارك، قررت أن تعطى الحكومة الجديدة فرصة على أمل أن تلبى طلبات الناس.
●●●
إن زمزم محمد عبدالنبى وجيرانها حريصون على مشاركة الحكومة المصرية فى معالجة أحوالهم المعيشية البائسة. بيد أنه، بعد مرور عام كامل، مازالت السلطات تغض البصر عن مأساتهم وترفض إشراكهم فى القرارات التى سوف تؤثر على حياتهم تأثيرا كبيرا. وفى نفس الوقت، مازالت زمزم وجيرانها يواجهون خطر فقدان حياتهم أو فقدان مساكنهم.