شهدت خارطة ترجمة الأدب العربي في القرن الحادي والعشرين، تغيرات جوهرية؛ فالأحداث السياسية كهجمات الحادي عشر من سبتمبر والربيع العربي شكلت سببًا لازدياد الاهتمام بالأدب العربي المترجم، إضافة إلى الدعم الملموس من دول الخليج. لم يعن منح الجائزة العالمية للرواية العربية للروائي اللبناني ربيع جابر عن روايته "دروز بلجراد: حكاية حنا يعقوب" الحصول على جائزة مالية، بقيمة 60 ألف دولار أمريكي فقط، بل فتحت هذه الجائزة أمامه أيضًا آفاقًا جديدة للترجمة والنشر على المستوى العالمي.
وتشمل هذه الجائزة أيضًا ضمانة لترجمة ونشر العمل الأدبي الفائز إلى اللغة الإنجليزية. وحتى الآن تم نشر 18 عملاً لربيع جابر بالألمانية والفرنسية والإيطالية، باستثناء رواية "دروز بلجراد"، أول عمل أدبي لربيع جابر بالإنجليزية، يتم إعداده في نيويورك، من قبل دار" نيو دايركشنز" للنشر، التي وقّعت على حقوق ترجمة ونشر اثنتين من رواياته.
ويتوقع أن تقوم هذه الدار بنشر روايته "تقرير ميليس" في ربيع سنة 2013، ورواية "بيريتوس مدينة تحت الأرض" في السنة التي تليها. ويؤكد المترجم الأمريكي من أصل مصري، كريم جيمس أبو زيد، الذي يترجم كلتا الروايتين، أن جابر هو "المؤلف العربي الوحيد الذي يُعد في أمس الحاجة للترجمة. تدور أحداث رواية "دروز بلجراد" بعد حرب سنة 1860 الدموية بين الدروز والمسيحيين في جبل لبنان. الشخصية الرئيسية في القصة، بائع البيض المسيحي حنا يعقوب، يعتقل بالخطأ على أنه درزي، ويُقتاد مع بقية المقاتلين الدروز إلى سجن في البلقان.
ويرى ربيع جابر، أن للرواية صلة بالحاضر، فهي تتناول قضايا الهوية والطائفية، وسعي الفرد لتحمل القسوة التي يفرضها عليه السجان. تشجيع ترجمة الأدب العربي يذكر أن الجائزة العالمية للأدب العربي، انطلقت سنة 2007 بتمويل من مؤسسة الإمارات، في أبو ظبي، ودعم من مؤسسة بوكر البريطانية، ويعتبر أحد أهدافها تشجيع ترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية واللغات الأخرى.
يعتبر ميلاد الجائزة العالمية للأدب العربي، أحد التحولات في خارطة ترجمة الأدب العربي أثناء القرن الحادي والعشرين. كما ساهمت بعض الأحداث السياسية مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر والربيع العربي، في ازدياد الاهتمام بالأدب العربي المترجم، ويدلل على ذلك نمو التراجم من العربية إلى الإنجليزية في الكتب والمجلات والدوريات.
وفي ذات الوقت، فإن التطورات الجوهرية في وسائل الاتصال والإنترنت والشبكات الاجتماعية والنشر الرقمي، عززت من نشر ومشاطرة ومناقشة هذه التراجم. أما فيما يتعلق بالتسويق والإعلان، فإن شهرة المؤلفين العرب وأعمالهم شهدت طفرة في وسائل الإعلام العالمية ومعارض الكتب والاحتفالات الأدبية والمؤتمرات والمناسبات الأخرى. انتشار متزايد ولقد شجع هذا الاهتمام بترجمة الأدب العربي على إنشاء مشاريع نشر جديدة في السنوات الماضية، أبرزها مشروع دار بلومزبري-مؤسسة قطر للنشر، والذي أنشئ بالتعاون بين دار بلومزبري للنشر في لندن ومؤسسة قطر.
وينشر هذا المشروع أعمالاً بالإنجليزية والعربية، وقد نشط بشكل ملحوظ منذ إطلاقه سنة 2010. ويهدف هذا المشروع إلى ترويج الترجمة، وقد عقد اجتماع الترجمة الثالث له بين التاسع والعشرين من أبريل والأول من مايو، والذي حمل عنوان "الترجمة في وحول العالم" بمدينة قطر التعليمية، بالتعاون مع المركز الثقافي البريطاني ومعهد دراسات الترجمة، وهو مبادرة جديدة أطلقتها مؤسسة قطر.
كما قام الأديب السوري رفيق شامي، الذي يقيم في ألمانيا ويكتب بالألمانية، بتحويل أمنيته بمساعدة الكتاب الناشئين العرب إلى واقع، عن طريق "سوالو ايديشنز"Swallow Editions""، وهو مشروع غير ربحي لنشر الأدب العربي مترجمًا إلى الإنجليزية.
وتم إطلاق هذا المشروع في شهر أكتوبر الماضي، وتقديم أول عمل ينشره، وهي رواية "سرمدة" للكاتب السوري فادي عزام، وترجمها آدم طالب.
وكانت النسخة العربية من الرواية، قد أُدرجت على قائمة الأعمال المرشحة للجائزة العالمية للأدب العربي لسنة 2012. يعمل مشروع Swallow Editions تحت رعاية دار" أرابيا بوكس" للنشر، التي تتخذ من لندن مقرًا لها، وهي بدورها جزء من مؤسسة «هاوس» للنشر، والمتخصصة في نشر الأدب العربي المترجم إلى الإنجليزية. وقالت باربارا شفيبكه، التي أسست مؤسسة «هاوس»، أثناء حفل إطلاق مشروعSwallow Editions، إنها ستنشر أعمال الأصوات العربية الناشئة "المتحمسة والقوية والمتصلة بالسياسة".
ثار على الأزمة الاقتصادية العالمية رغم أن التطورات في الترجمة الأدبية من العربية إلى الإنجليزية خلال هذا القرن مبهرة، إلا أن الكساد الذي حل بالاقتصاد العالمي أدى إلى تقليص الجهات التي تمول الفنون لميزانياتها. فعلى سبيل المثال، عانت بعض دور النشر المتخصصة في نشر الأدب العربي المترجم في بريطانيا، من خفض تمويلها من قبل مجلس الفنون البريطاني.
إلى ذلك، يستعرض تقرير أعدته منظمة "أدب عبر الحدود" تزايد ترجمة الأدب العربي والتحديات الراهنة والمستقبلية، مشيرًا إلى أن هناك حاجة مستمرة، لتمويل ودعم ترجمة الأدب العربي ونشره، سواء من جهات خاصة أو حكومية.