بعد عام من فرض عقوبات وقرع طبول الحرب بشأن برنامج ايران النووي استأنف اخيرا مفاوضون من طهران والقوى العالمية الست المحادثات النووية ليصلوا على الاقل إلى ارضية مشتركة كافية للاتفاق على الاجتماع مرة اخرى في الشهر المقبل. وفي ظل صدور تهديدات بشن حرب تلوح في افق مستقبل الشرق الاوسط المضطرب رحب دبلوماسيون امريكيون وغربيون برغبة نظرائهم الايرانيين في اسطنبول امس السبت في مناقشة طبيعة الانشطة النووية الايرانية الامر الذي رفضوا في مطلع العام الماضي الخوض في اي تفاضيل بشأنه.
ولكن رغم الاتفاق على الاجتماع مرة اخرى في بغداد يوم 23 مايو لا يزال بين المفاوضين خلافات جوهرية. وتطالب ايران برفع العقوبات المفروضة عليها والاعتراف بان انشطتها في تخصيب اليورانيوم ذات اهداف سلمية تماما. وطالبت الولاياتالمتحدة بتحرك عاجل لاثبات سعي الجمهورية الاسلامية لامتلاك ترسانة نووية الامر الذي دفع الولاياتالمتحدة وحليفتها اسرائيل للتهديد بانهما قد يضطران للقضاء عليها بالقوة.
وقال مسؤول امريكي كبير "بينما كانت الاجواء اليوم ايجابية وجيدة بشكل كاف للاتفاق على جولة ثانية فلا نزال نمارس ضغوطا...بأنه ينبغي تحقيق تقدم ملموس وان نافذة التي تقود للتوصل لحل دبلوماسي تضيق". وعلى مدار العام المنصرم هددت اسرائيل بشن ضربات "استباقية" اذا لم توقف ايران العمل في بعض الجوانب المرتبطة بتكنولوجيا نووية اثارت المخاوف بشأن احتمال اندلاع حرب وادت ايضا لارتفاع اسعار النفط خاصة منذ تقلص التقديرات التي تتحدت عن المدة التي تحتاجها ايران لصنع قنبلة نووية الى عام او عامين.
وقد تساهم المحادثات في تخفيف القلق رغم ان منتمين لمعسكر الصقور في اسرائيل وبلدان غربية شككوا مرارا في صدق نوايا ايران واتهموها باستغلال المحادثات لشراء الوقت لصالح العلماء النوويين الايرانيين الذين قتل بعضهم في اطار ما وصفتها طهران بحملة سرية تقودها اسرائيل ووكالات غربية.
وقالت كاثرين اشتون مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي والتي ترأس المفاوضات باسم القوى الست "نتوقع ان تؤدي الاجتماعات التالية الى التوصل لخطوات ملموسة باتجاه التوصل لحل شامل يتم التفاوض عليه يعيد الثقة الدولية في الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني". وتضم مجموعة القوى الست الاعضاء الخمس الدائمين في مجلس الامن الدولي وهي روسياوالولاياتالمتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا علاوة على المانيا. وتعرف المجموعة باسم.
ووصفت اشتون اجتماعات السبت بانها كانت "بناءة ومفيدة. نرغب الآن في التحرك باتجاه عملية حوار مستمر". وقالت ان الاجتماع في بغداد وهي مقر عربي يحظى بطابع ودي فريد لدى الايرانيين سيعقد في اطار نهج "خطوة بخطوة".
وقال دبلوماسي كبير في اسطنبول ان الاتفاق على طلب ايران بعقد اجتماع في العراق الذي يعاني من اضطرابات يظهر مدى الالتزام من قبل المفاوضين. "بغداد كانت اختبارا. انهم يقولون: اذا كنتم ترغبون حقا في التحدث إلينا اذا تعالوا وتحدثوا إلينا".
وتفادي الدبلوماسي الرد على سؤال بشأن الى متى يمكن ان تستمر المحادثات قبل احتمال ان تقطعها القوى الغربية أو اسرائيل بالقوة بعد نفاد صبرها وقال "افضل قضاء يوم طويل في اسطنبول عن محاولة اصلاح ما فسد في نهاية حرب".
وأوضح كبير المفاوضين الايرانيين سعيد جليلي ان بلاده لا تنوي قبول مطلب رئيسي وهو وقف عمل المنشآت التي تقوم بتخصيب اليورانيوم الى 20 % وهو اعلى بكثير من الجودة المطلوبة لتوليد الكهرباء التي تقول طهران انها تحتاجها لتحقيق رخاء اقتصادي. ومع ذلك فإنه مهما كان احتمال التوصل لاتفاق نهائي بين الجمهورية الاسلامية وخصومها بعيدا فإن العودة لمائدة التفاوض قد يساهم في التهدئة بعد 15 شهرا اتسمت بالسخونة.
وفي تلك الفترة فرض الغرب عقوبات اقتصادية جديدة مؤثرة بينما هددت ايران التي تراقب حليفتها الاقليمية الرئيسية سوريا وهي تنهار في اضطرابات داخلية بمحاصرة ناقلات نفط. وخططت اسرائيل التي تخشى من ان امتلاك ايران للسلاح النووي سيهدد وجودها لتوجيه ضربات "استباقية" لايران.
وقال دبلوماسي من البلدان الست ان رغبة ايران في النهاية في بحث برنامجها النووي يمثل تحولا عن الموقف المتأزم الذي خيم على اجتماعات سابقة العام الماضي". واضاف قائلا "قضينا اليوم بكامله في مناقشة القضية النووية". ومن قبل عندما أثار غربيون مزاعم بوجود برنامج سري للاسلحة "فان (الايرانيين) انسحبوا" مضيفا ان المفاوضين ليسوا "مفرطين في التفاؤل" ولكنهم يقولون ان هناك "جدية لبحث الملف النووي".
وقال سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي الذي يرأس وفد موسكو في المحادثات النووية بين القوى العالمية الست وإيران يوم السبت إن الأجواء بين الجانبين بناءة والأمور "تسير بشكل جيد". ومع ذلك يتوقع قليلون ان يحدث تغيرا سريعا من جانب ايران حتى اذا كان تأثير عقوبات جديدة وخاصة اجراءات مالية من قبل الرئيس الامريكي باراك اوباما وحظر استيراد النفط الايراني في اوروبا تجعل العديد من الايرانيين على دراية بتكلفة هذه السياسية.
وقال سعيد جليلي "لمسنا تقدما. كانت هناك خلافات في الآراء. ولكن النقاط التي اتفقنا عليها كانت مهمة". ولدى سؤاله هل ستتضمن المفاوضات رفع العقوبات قال "ينبغي ان تعتمد المحادثات المقبلة على اجراء بناء ثقة". ولم يكن لدفاعه عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 % اي تأثير على الولاياتالمتحدة او غيرها ممن يشككون في مبرر طهران في هذا الشأن ويقولون ان مثل هذا المستوى من التخصيب يساهم في انتاج مواد تستخدم في صنع اسلحة انها يمكن ان تمنح ايران القدرة - اذا ما رغبت- في صنع قنبلة نووية خلال عام او عامين.
وفي اشارة الى حق ايران وفقا لاتفاقية حظر الانتشار النووي قال جليلي في مؤتمر صحفي "ان تخصيب اليورانيوم هو احد هذه الحقوق التي ينبغي ان تستفيد منها كل دولة عضو". وتجادل حكومات غربية بان ايران خرقت اتفاقية حظر الانتشار باجراء ابحاث سرية عن اسلحة نووية. وتحدث جليلي تحت لافتة عليها خريطة للمنطقة وعبارة "الطاقة النووية للجميع. الاسلحة النووية ليست لاحد" في اشارة الى شكوى ايران المتكررة بان خصمها الاسرائيلي يفترض على نطاق واسع انه يمتلك الترسانة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط.
وحملت اللافتة ايضا صور خمسة علماء نوويين قالت ايران ان اسرائيل او عملاء غربيين قتلوهم .وقال داريل كيمبول من جماعة الحد من التسلح للابحاث والمحاماة في واشنطن "وضعت جولة اليوم لمجموعة 5+1 مع ايران في اسطنبول اساسا ايجابيا للتحرك في الملف النووي" مضيفا ان المحادثات "تخطت التوقعات الاولية".
واوضح قائلا "ان المحادثات الفنية عالية المستوى التي اعلن اليوم عن اجراءها مستقبلا هي الخطوة التالية المنطقية للتوصل لاتفاق بشأن اتخاذ خطوات محددة وملموسة يمكن ان تساهم في تفادي امتلاك ايران لاسلحة نووية".