من يا ترى يتحمل مسئولية هذا المشهد العبثى الذى وصلنا إليه بعد حوالى 14 شهرا من ثورة ظننا اننا ابهرنا بها العالم ثم فوجئنا انها تعود إلى الخلف، ولا يستبعد البعض ساخرا أن يكون الفائز فى انتخابات الرئاسة المقبلة هو محمد حسنى السيد مبارك؟!. بالطبع هناك مسئولية أساسية يتحملها المجلس العسكرى بسبب «اللخبطة» وسوء الإدارة منقطع النظير للفترة الانتقالية.. والكارثة التى نتجت عن استفتاء 19 مارس الذى قسم قوى الثورة إلى إسلاميين وليبراليين قبل أن يتفقا على المسار الواضح للمستقبل.
هل تآمر المجلس العسكرى كى نصل إلى هذا الموقف أم أن الأمر مجرد فشل وسوء أداء؟ كان تقديرى ولايزال أنه قلة كفاءة. وللأسف لم يعد الأمر يفرق كثيرا، فالنتيجة واحدة، وهى اننا نكاد نعود إلى اوضاع ما قبل 25 يناير 2010، ربما ما هو أسوأ.
المسئولية الثانية يتحملها تيار الإسلام السياسى خصوصا جماعة الإخوان المسلمين التى كانت شديدة الانتهازية فى المحطات الرئيسية للثورة.
كان بامكانها بحكم تنظيمها وقوتها الجماهيرية أن تتعامل بمنطق مسئول وأنها جزء من المجتمع وليس كل المجتمع.
تركت الثوار يتعرضون للذبح فى ميادين كثيرة، وانشغلت عنهم بالمعركة الانتخابية وغنائمها. اعتقدت أن التحالف مع المجلس العسكرى أو عدم الاصطدام به مبكرا سيمنع الصدام القدرى المستقبلى.
وحتى بعد فوزها كان بامكانها استعادة شركائها فى الثورة كى تضمن العبور الآمن إلى المرحلة الانتقالية، لكنها وبسوء تقدير منقطع النظير كوشت على غالبية لجنة كتابة الدستور.
وجاءت الخطوة القاصمة حينما نكصت بوعدها وقدمت مرشحا لرئاسة الجمهورية، والرسالة التى وصلت للجميع ان تيار الإسلام السياسى يريد تأميم كل المجتمع، وهكذا خسرت ما تبقى لها من قوى ليبرالية، بل وبعض المواطنين العاديين الذين صوتوا لها فى الانتخابات البرلمانية.
الطرف الثالث الذى يتحمل مسئولية رئيسية فى الكارثة التى وصلنا إليها هو بعض قطاعات التيار الليبرالى.
الثورة فجرها الشباب وشارك فيها كل المجتمع، ولسوء الحظ فان أداء بعض المحسوبين على الثورة كان فجا. هذه المراهقة السياسية مصحوبة بتشويه متعمد للثورة من قبل كثيرين وأنصارها جعل كثيرا من البسطاء يكفرون بالثورة والثوار.
بعض الثوار انشغلوا بالقشور ، والأخطر أنهم لم يعرفوا كيف يرتبوا الأولويات، وما هى المعارك العاجلة وتلك الآجلة، وكيف لا تدخل معارك أنت غير مستعد لها.. هؤلاء أو بعضهم ظنوا أن الاعتصام فى التحرير طوال الوقت والصراخ هو السلاح الأمضى، لكن الحكومة تركت لهم الميدان تماما لينتهى به الحال وقد احتله الباعة الجائلون نهارا والبلطجية ليلا يحاصرون بضعة ثوار وأهالى شهداء لا يعرفون ماذا يفعلون.
لا يلوم الثوار إلا أنفسهم، وأقصد بالثوار كل الذين شاركوا بجد فى الثورة سواء كانوا قوى مدنية أو إسلامية. الآن نسمع صراخا وعويلا بل و«ولولة» خلاصتها الحقونا: الثورة تكاد تضيع أو ربما تتعرض للسرقة، أوأنها سرقت فعلا.
الثوار وقعوا فى نفس الخطأ الذى وقع فيه المسلمون فى غزوة أحد، انشغلوا بجمع الغنائم قبل أن يتأكدوا من هزيمة المشركين فعلا، فانهزموا.
الإخوان انشغلوا بالأربع الحلال: «البرلمان واللجنة التأسيسية والحكومة والرئاسة».. والسلفيون انشغلوا بالطقوس سواء كانت رفع الأذان بمجلس الشعب أو تحريم تدريس الإنجليزى أو هدم الأضرحة، فى حين انشغل بعض الثوار بالفضائيات. كان مفترضا ان يكون الجميع على مستوى متقدم من الوعى والبصيرة السياسية، وهو ما لم يحدث. والسؤال: هل لم يبق وقت للإصلاح؟!.