لم تتوقف المناحة التى أقامتها القوى السياسية غير الإسلامية احتجاجا على الشعارات الدينية التى رفعتها قوى الإسلام السياسى فى مليونية ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى. من حق القوى الليبرالية أن تدين وتشجب وتستنكر ما فعله الإسلاميون، لكن أن يكون ذلك كل عملها فتلك هى الكارثة. نسمع منذ ظهر الجمعة بكاء وعويلا ولطما وشقا للجيوب على وحدة الصف المنتهكة وأن الإسلاميين خانوا العهد ونقضوا المواثيق، ورفعوا شعارات لم يكن متفقا عليها مسبقا وهذا صحيح بالفعل وخطير جدا ودلالاته كارثية لكن السؤال الجوهرى الذى ينبغى أن يشغلنا هو: ما العمل؟!. انتقاد الإسلاميين فقط لن يحل المشكلة ثم إننا جميعا نعرف شعارات الإسلام السياسى منذ نهاية السعبينيات فلماذا نحن متفاجئون هكذا وكأننا كنا نحسبهم من غلاة الليبراليين ثم اكتشفنا أنهم طالبانيون؟!. يستطيع قادة الأحزاب والقوى السياسية وكل رموز النخبة أن يواصلوا المونولوج الداخلى فيما بينهم، ويكتفوا بالكتابة فى الصحف والحديث فى الفضائيات، ويتهموا الإسلاميين بكل ما لذ وطاب من اتهامات، ثم يعودوا إلى منازلهم معتقدين أنهم أدوا ما عليهم من نضال. هذا الخيار يعنى أن هذا التيار سيستيقظ ذات يوم قريب ليجد التيار الإسلامى وقد حصد فعلا بالاشتراك مع المستقلين الغالبية العظمى من مقاعد البرلمان المقبل، وبالتالى سيتمكن من اختيار أو انتخاب اللجنة التأسيسية التى ستضع الدستور المقبل. من ضمن هذا السيناريو أيضا أن يراهن التيار الليبرالى على تدخل الحكومة والمجلس الأعلى لتجريم رفع الشعارات الدينية أو استخدام المساجد فى الدعاية السياسية، وينسى هؤلاء أن كل ذلك مجرم بالفعل، وكان مجرما أيام مبارك، لكن ذلك لم يمنعه وبالتالى وجب علينا أن نبحث عن طريقة مختلفة لمواجهته. الحل الجوهرى أن يقتنع قادة الأحزاب والقوى السياسية المدنية بأن «ألف باء» العمل السياسى هو النزول إلى الشارع والعمل وسط المواطنين لإقناعهم بالأفكار والبرامج والمبادئ التى يقولون إنها فى صالح مصر والمصريين. هناك أحزاب سياسية تعمل منذ عام 1977 مثل التجمع والأحرار وأخرى منذ فبراير 1978 مثل الوفد وثالثة مثل الناصرى منذ أوائل التسعينيات، وقيادات هذه الاحزاب انشغلت إما بالنوم فى أحضان نظام مبارك أو بالصراعات الداخلية، ويزعمون أن الحصار الحكومى هو السبب فى منع وصولهم للجماهير فى حين أن تيار الإسلام السياسى ورغم القمع الحكومى المتواصل تمكن من الاستمرار بعد أن دفع ضريبة فادحة. دعونا من الماضى ولننظر إلى المستقبل. على الأحزاب المدنية أن تفكر فى المعضلة التالية: المواطن البسيط يعتقد أن الأحزاب الدينية أقرب إليه منكم، تصوره عنكم مشوش، الإسلاميون وصلوا إليه ويخاطبونه كل يوم.. إذن كيف ستغيرون من قناعاته التى ترونها خاطئة وخطيرة من دون أن تصلوا إليه؟!. كيف ستحصلون على صوته فى الانتخابات دون أن يراكم رأى العين ويعرف أفكاركم؟. الحشد لا يقابله إلا حشد، والثورة يمكن فعلا أن يتم سرقتها إذا لم يواصل الذين فجروها الدفاع عنها، وهؤلاء تحديدا وليس «الأحزاب الميتة»، هم الأمل الوحيد فى غد أفضل. يا من تسمون أنفسكم نخبة وليبراليين ومدنيين: اخلعوا بدلكم وفكوا رابطات عنقكم، البسوا «الكاجوال» وشمروا عن سواعدكم وانزلوا إلى الناس، لو حدث ذلك ربما تكون لديكم فرصة للتغيير، وإن لم تفعلوا فالأفضل أن تطيلوا اللحى وتحفوا الشارب لكى تواكبوا الموجة القادمة.