يا ترى كم يساوى دستور مصر الجديد؟ كنت أفكر فى الأموال الضخمة التى أنفقتها جهات داخلية وخارجية فى الانتخابات التى تجرى حاليا لضمان السيطرة على مقاعد مجلس الشعب القادم، قلت فى نفسى يا ترى هذه الجهات الخارجية التى أنفقت مئات الملايين من الدولارات لمجرد السيطرة على المقاعد، كم هى مستعدة أن تنفق لصياغة دستور مصر على مزاجها؟ الفكرة فى حد ذاتها أصابتنى بحالة من الهلع، أن تتحكم الأموال الخارجية فى صياغة الدستور المصرى، وخطر على بالى تلك الحساسية الشديدة لدى جماعة الإخوان التى تريد أن تنفرد بوضع الدستور وترفض اقتراب أى تيار سياسى من تلك القضية، وبدا الأمر وكأنها تعاقدت فعلا على وضع الدستور المصرى الجديد. توقفت طويلا عند عبارة سمعتها منسوبة إلى الكاتب والناشط السياسى، الدكتور علاء الأسوانى، عن انتخابات مجلس الشعب التى تجرى حاليا، واصفا إياها بأنها «غير عادلة حتى إن كانت نزيهة» بدعوى أن القواعد لم تطبق على الجميع. طبعا للأسوانى آراء فى مسائل كثيرة بعضها مؤسس على أسباب منطقية وبعضها الآخر مبنى على انطباعات كاتب من كتاب الدراما المتميزة حيث يغلب الإحساس والانفعال بالحدث على الالتزام بالمعايير المنطقية واستخلاص النتائج من الأسباب فى الواقع العملى. هذه المرة ساق الأسوانى أسبابا أسس عليها رؤيته للانتخابات الحالية التى وصفها بأنها غير عادلة وإن كانت نزيهة، وهى العبارة التى ترجمتها وسائل الإعلام بأنها «مزورة وإن كانت نزيهة». مما قاله الأسوانى للتدليل على عدم عدالة الانتخابات، أن جماعة تنافس فى الانتخابات حصلت على 300 مليون دولار دفعة واحدة من مؤسسة فى قطر، دون أن يتم فتح تحقيق حول هذا الأمر. وقال إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يسمح لأحبابه فقط بالتمويل، فى الوقت الذى وجه فيه المجلس اتهامات لحركة «6 أبريل» بأنها تتلقى تمويلا من الخارج ويتم التحقيق معها. يمكننى القول، متفقا مع الأسوانى، أن الانتخابات الحالية فعلا غير عادلة لأنها جرت فى ظروف عدم التكافؤ فى الشارع السياسى حيث إن القوى الصاعدة فى المجتمع التى صنعت الثورة لم تتمكن من حصاد محصولها الثورى ووضع يدها على بعض وليس كل آليات اتخاذ القرار فضلا عن المشاركة الفعالة فى صياغة النظام السياسى الجديد. الحقيقة أننى فى حيرة شديدة من حالة البجاحة غير المسبوقة التى ظهرت بها جماعات الإسلام السياسى وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين وهى تقفز على ظهر الثورة وتضع فى فمها المقود وتسحبها إلى حظيرة الاستئناس. هل هذا ممكن عبر الانتخابات؟؟ إذا كانت الانتخابات ستؤدى إلى ذلك الموقف فهى فعلا غير عادلة، بل يمكن القول أنها محاولة لتزوير إرادة الأمة، وأنها غير معبرة عن ضمير الثورة، وأنها ظلمت الثوار الذين نجحوا فيما فشلت فيه القوى السياسية بمن فيهم المتبجحون الذين يقفون الآن كالديوك المنفوشة يضعون الشروط ويفرضونها على الثوار بحجة أنهم نجحوا فى الانتخابات. هنا يجب أن نسجل بكل التقدير الجهود التى قامت بها اللجنة القضائية المسئولة عن تنظيم الانتخابات، كذلك القوات التى قامت بتأمين لجان التصويت، لكن تلك الجهات التى قامت بواجبها ليست مسئولة عن التزوير الذى حدث فى إرادة الناخبين بتوجيههم خطأ تحت سطوة الدعاية ذات الطابع الدينى. كما يمكن القول إن انصراف شباب الثورة إلى قضايا فرعية لم يكن عشوائيا بل أزعم أن التيارات الدينية نصبت لهم كمينا انشغلوا فيه عن تجهيز أنفسهم للانتخابات وحدث ما حدث من نزاع مختلق مع الحكومة والمجلس العسكرى دون مبرر حقيقى، جعلهم يظهرون بمظهر الراغبين فى الفوضى وتعطيل مصالح الناس. لا ندعو إلى إهدار نتائج الانتخابات أو إلى عدم احترامها، بل على العكس نريد أن يحترمها الجميع وفى مقدمتهم الناجحون الذين يحصدون المقاعد ليتربعوا تحت القبة، نقول لهم احترموا نتائج عمل الثوار واحترموا حقوقهم ولا تنكروا دورهم، وتأكدوا من أن الشعب المصرى لن يسمح بأى حال بقبول دستور مدفوع الثمن من أموال فلان أو علان.