بينما فتحت ثورة يناير الأبواب لمستقبل أكثر إشراقًا للاقتصاد المصرى، بعيدًا عن السيناريو السوداوى لامتداد نظام مبارك أو توريثه لنجله، ساهم ارتباك الحياة السياسية ومحاولات إعاقة عملية التحول الديمقراطى فى عرقلة النشاط الاقتصادى. «الشروق» حاورت عددا من مديرى أبرز الكيانات الاستثمارية العاملة فى مصر، والتى نجحت فى تحقيق أداء مالى متماسك رغم حالة الركود، لتتعرف على استراتيجيتهم للبحث عن الفرصة فى قلب الأزمة، ورؤيتهم لتأثير التحولات السياسية على المستقبل الاقتصادى لمصر. قطاع الاتصالات واحد من القطاعات الأقل تأثرا بأوضاع ما بعد الثورة، وجاءت الشركة المحتكرة لخدمة الهاتف الأرضى ضمن أبرز الشركات المتماسكة أمام عاصفة الركود الحالية حيث سجلت «المصرية للاتصالات» من أنشطتها، التى تضم خدمات المحمول والإنترنت أيضا، أرباحا صافية خلال العام المالى الماضى نحو 2.929 مليار جنيه، مقارنة ب3.143 مليار فى العام السابق.
«تنوع مصادر الدخل كان حائط الدفاع الأول لربحية الشركة» هكذا برر الرئيس التنفيذى للشركة، طارق أبو علم، خلال حواره مع «الشروق»، أسباب الحفاظ على توازن الشركة خلال مرحلة تباطؤ ما بعد الثورة، مشيرا إلى أن «خدمات التجزئة التى تتم من خلال التليفون الثابت، شهدت تراجعا كبيرا بعد الثورة، وإيراداتنا منها كانت أقل من المتوقع، إلا أن خدمات الجملة التى تقدمها المصرية على مستوى المشغلين المحليين وعلى المستوى الدولى حققت أكثر من المتوقع وعوضت تراجع إيرادات الثابت».
وتعتمد إيرادات المصرية للاتصالات بخلاف محصلات خدمة التليفون الأرضى، على تقديم خدمات المشغلين التى تتيح تأجير «دوائر الربط» لشركات المحمول والبوابة الدولية التى تملكها الشركة، وتسمح بتمرير المكالمات الدولية، بالإضافة إلى تأجير سعات «بالكابلات الدولية» التى تملكها. وتمثل هذه الإيرادات ما يقرب من 55 % من الإيرادات المجمعة للمصرية للاتصالات.
الشبكة الافتراضية
إلا أن هذا التنوع لا يمنع التزامنا بخطة تطوير الثابت، فنحن نتطلع إلى أن نقدم لعملائنا مجموعة خدمات متكاملة تشمل التليفون الثابت والمحمول والإنترنت حتى نسيطر على نزيف المشتركين لصالح شركات المحمول، كما يؤكد أبو علم، الذى تولى منصبه منذ ثلاثة أشهر.
وتسعى المصرية للاتصالات إلى الحصول على رخصة ما يسمى «بالشبكة الافتراضية» فى سبيل تحقيق هدفها بتقديم خدمات المحمول، والتى تقوم على أساس شراء دقائق بالجملة من أحد المشغلين الحاليين واعادة بيعها للمشتركين تحت علامة تجارية جديدة وبدون الالتزام ببناء شبكة جديدة للمحمول. وكانت وزارة الاتصالات قد اعلنت عزمها طرح رخصة للشبكة الافتراضية خلال هذا الشهر، وتخطط المصرية للاتصالات للحصول عليها.
ويبرر أبوعلم ما يصفه بتباطؤ جهاز تنظيم الاتصالات فى طرح الرخصة بأن «الجهاز يأخذ رأى شركات المحمول فى الطرح وهى تخاف من تواجدنا فى سوق المحمول، وترفض الشركات الشبكة لأننا منافس قوى، فاذا حصلت المصرية للاتصالات على الرخصة ستغطى كل شبر فى مصر».
وشهد عام 2011 انخفاض ربحية شركات المحمول، مع انخفاض نسب نمو القطاع واتجاه المحمول إلى التشبع بنسبة 105 % مقارنة بعدد السكان، وهو ما قد يزيد من الضغوط على تلك الشركات فى حال دخول المصرية للاتصالات كمنافس لهم من خلال الشبكة الافتراضية «السوق يستوعب هذا التنافس ومازال مفتوح للجميع»، كما يرى أبو علم.
البوابة الدولية
دخول الشركة المصرية لسوق المحمول مع تحفظات الشركات العاملة فى السوق قد يدفع شركات المحمول إلى تنفيذ تهديداتها السابقة بطلب الحصول على بوابة دولية والاستغناء عن خدمات البوابة التى تملكها المصرية للاتصالات، مما يؤثر بالطبع على إيرادات الشركة المستقبلية. الا أن أبو علم أوضح أن «الرخصة من حق شركات المحمول لكن هناك شروط للحصول عليها لابد ان تطبق بحذافيرها» مضيفا «لا يوجد ما يقلق المصرية أو يمثل ضغطا عليها، هناك علاقة تعاون مع شركات المحمول الثلاث باعتبارها أكبر العملاء للشركة المصرية للاتصالات، وعروضنا التجارية للشركات ستقلل من الجدوى الاقتصادية للحصول على بوابة دولية لكل شركة خاصة مع تكلفتها المرتفعة».
التوسع والاستحواذات
وفيما يتعلق باستراتيجية الشركة للتوسع فى الأسواق الخارجية قال أبو علم «هناك خطة للتوجه الخارجى ولكن هذا الأمر مرهون بالسماح لى بأن أكون مشغلا متكاملا أولا فى بلدى حتى يصبح لدى الخبرة اللازمة فى حال قررت تقديمها خارجيا، ولكننا ننوى دراسة أوضاع الأسواق فى أفريقيا خصوصا فى مجال الكابلات الدولية».
احتجاجات عمالية
وبالرغم من تمتع المصرية للاتصالات بأداء مالى قوى خلال فترة ما بعد الثورة، حيث لا تعانى من وجود أية مديونيات ولديها سيولة بنحو 4 مليار جنيه، الا أن الشركة شهدت سلسلة من الاحتجاجات العمالية التى حركتها التفاوتات الكبيرة فى مستويات الرواتب بين القيادات العليا بالشركة وباقى الموظفين. «قمنا مؤخرا بعرض المرحلة الأولى من إعادة هيكلة الشركة على النقابات المستقلة والعامة بالشركة، وهى عبارة عن بدل وظيفى، وشهدت تلك الإجراءات اعتراض عدد من الموظفين عليها عند تطبيقها وقامت هذه النقابات برفع توصياتها بشأن عملية الهيكلة، وهى توصيات لم تمس جوهر الهيكلة ولكنها تحقق رضاء جميع العاملين، وقررنا خلال اجتماع مجلس الإدارة الأسبوع الماضى، تطبيقها بداية من هذا الشهر» كما يوضح أبو علم.
«أما المرحلة الثانية من الهيكلة فسنقوم بطرحها أولا على النقابات قبل تطبيقها لتلافى الوقوع فى هذا الخطا» كما يضيف رئيس الشركة. وتشمل المرحلة الأولى إعادة هيكلة أجور 48 وظيفة، بعدد 44 ألف عامل وموظف تقريبا».
ودفعت هذه المرحلة بزيادة تقدر بنحو 201 مليون جنيه تضاف إلى ما كان مخصصا من قبل وهو 96 مليون جنيه، وبذلك يبلغ إجمالى اعتمادات إصلاح الأجور ما يقارب 300 مليون جنيه، وهو ما يحقق زيادات فى الأجور تصل إلى 200 % كمتوسط عام لصغار العاملين. بحسب الجمعية العمومية للشركة.