فى تاريخ مدينة الإسكندرية الحديث يمكن القول إن جميع تيارات وتنظيمات العمل الإسلامى مرت برجلين بسيطين ربما لم يكتب عن دور أى منها، أحدهما هو الحاج محمد رشاد غانم موضوع هذه السطور. أما الأول الحاج محمد على أمين فكان رجلا نوبيا بسيطا يعمل فرّاشا فى كلية العلوم فى الثلث الثانى من القرن الماضى، العشرين، ولكنه كان أستاذا لكل أبناء الحركة الإسلامية فى المدينة.. تتلمذ عليه القطب الاخوانى الأستاذ محمود عبدالحليم وقد ذكره وأشاد بفضله فى الجزء الأول من كتابه ( الإخوان المسلمون ..أحداث صنعت التاريخ ).. كما تتلمذت عليه أول مجموعة طلاب شكلت النواة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين فى الإسكندرية وهم عبدالعزيز كامل ( وزير الأوقاف فيما بعد) وأحمد هيبة (وكان مأمورا للبوليس) والأستاذ فتحى محمود.. وكان أول لقاء للمجموعة فى بيت الأخير فى شارع جميل سالم فى زيزينيا. وإذا كان الرجل الأول مجرد بواب أو فرّاش متواضع فلم يكن الرجل الثانى الحاج محمد رشاد غانم سوى تاجر فضيات وأنتيكات لا علاقة له من حيث العمل والتخصص بالعلوم الشرعية ورغم ذلك فهو من أهم من نشروا الفكر السلفى فى المدينة، إليه يرجع الفضل فى أكبر حركة تحقيق وتأليف ونشر للسلفية بها فى النصف الثانى من القرن الماضى...ورغم ذلك يكاد اسمه لا يذكر إلا نادرا فى المدينة التى عرفت أكبر حركة سلفية فى مصر وأهمها على وجه الإطلاق. لم ألتق الحاج رشاد غانم ولم أسعد بالجلوس إليه (ولد فى 1916 وتوفى فى 1992) ولم أجد له ترجمة أرجع إليها فى كتابة هذه الأسطر ولكن يكاد يتفق كل من تحدثت معهم عن تاريخ الدعوة الإسلامية فى الإسكندرية على ذكره والإشارة إليه بالفضل فى نشر الفكر السلفى وإمداد العاملين فى حقل الدعوة بالكتب والمصادر اللازمة لهم فى فترة كان يعز فيها الكتاب. كان الحاج رشاد غانم رجلا بسيطا يعمل فى تجارة الفضيات والأنتيكات فى الإسكندرية، ولم يكن خطيبا أو داعية فى المساجد ودروس العلم، كما لم يكن يتعاطى الكتابة (باستثناء صفحات معدودة لا تبلغ ملزمة فى كتاب)، ولكن كان صاحب صالون مفتوح لكل العاملين فى الدعوة والمهتمين بنشر الفكرة الإسلامية.. كان لديه غرفة صغيرة ملحقة بمحل الفضيات الذى يتاجر فيه يجمع فيها الدعاة من كل تيار والمهتمين بالإسلام من كل جيل وبلد للتناقش فى أمور الإسلام.. ومن هذا الصالون استطاع نشر الفكرة السلفية والتعريف بها لدى أجيال مختلفة من أبناء الصحوة الإسلامية فى الإسكندرية ومصر. كان الحاج رشاد غانم يرى أن أفضل الأعمال بعد العبادة والدعوة إلى الله تدارس العلم الشرعى ومساعدة طلابه وتوجيههم وتوفير الكتب والمصادر التى يحتاجونها لهذا الغرض، ولم يكن يتردد فى بذل وسعه فى ذلك. كان الرجل تاجرا بسيطا لكنه قارئ نهم واسع الإطلاع على أهم مصادر السلفية وأدبياتها وهاو لجمع الكتب والمخطوطات الإسلامية النادرة والمهمة، ساعده فى ذلك أنه كان على علاقة وثيقة بكل دور النشر التى تلاحقه بالجديد، بل كان يرسل فى طلب كتب التراث وخاصة كتب السنة والحديث من أنحاء العالم مع التجار الذين كانوا يأتون إليه بالكتب والمخطوطات النفيسة من كل البلاد حتى إن جزءا كبيرا من مخطوطات مكتبته جلبه من مدارس أهل الحديث فى شبه القارة الهندية.