قطاع الأسمدة المصرى تلقى صفعة قوية، ولكنه كما يقول مصطفى الجبلى، وكيل المجلس التصديرى للأسمدة والصناعات البتروكيماوية، يمتلك من المقومات والفرص ما يؤهله للنمو مرة أخرى فى الفترة المقبلة. قطاع الأسمدة المصرى، وإن كان من أكثر من القطاعات التى تأثرت بتداعيات الأزمة العالمية، فإنه أيضا لا يزال من القطاعات المرشحة للنمو فى ظل التطورات التى فرضتها نفس هذه الأزمة. انخفضت أسعار الأسمدة العالمية بشدة فى نهاية عام 2008 لتهوى إلى 200 دولار الطن، بعد أن كان قد وصلت إلى مستوى ال800 دولار للطن فى منتصف العام، وانخفض الطلب فى كثير من الأسواق نتيجة الانكماش الاقتصادى. ولكن فى نفس الوقت نشط القطاع الزراعى فى عدة دول لتظهر معه كثير من الأسواق الجديدة فى الأفق، الأمر الذى قام بتحسين الوضع وأعاد النشاط إلى السوق. «أسعار الأسمدة انخفضت فعلا مع الأزمة العالمية ولكن هذا وضع ليس مقلقا لأنها عادت إلى مستوى الأسعار فى عام 2007، وهذا هو المستوى السليم لها»، كما يقول مصطفى الجبلى، وكيل المجلس التصديرى للأسمدة والصناعات البتروكيماوية، مشيرا إلى أن هذا التراجع وإن كان قد أثر فى قيمة الأرباح لشركات القطاع، ولكنه لم يؤثر فى حجم المبيعات. «وهذا لا يهم لأن الشركات حققت على مدار السبع سنوات الأخيرة أرباحا تعوضها عن التراجع فى 2008 ككل»، يضيف الجبلى. كان قطاع الأسمدة المصرية قد شهد توسعات فى السنوات الأخيرة، بإنشاء مصانع جديدة بدأت العمل بالفعل، أو أخرى يجرى تأسيسها، مع زيادة الطلب المحلى والعالمى على الأسمدة. وانعكس ذلك على زيادة الصادرات حيث ارتفعت قيمتها تدريجيا من 14.95 مليون دولار فى 2004 إلى 77.73 مليون فى 2007. إلا أنها قفزت قفزة واسعة فى 2008 مع الزيادة الكبيرة فى أسعار السماد العالمية، حيث زادت قيمة الصادرات بنسبة 361% لتصل إلى 359 مليون دولار فى الأشهر التسعة الأولى فقط من العام، طبقا لآخر البيانات المتاحة على موقع نقطة التجارة الدولية التابع لوزارة التجارة. الزراعة غذاء مضمون لصناعة الأسمدة لم تقم أى شركة مصرية خاصة أو عامة بتخفيض إنتاجها مع بداية عام 2009، تبعا للجبلى، بل بالعكس مع بداية العام بدأت الطلبات تتوالى على الشركات، مما أدى إلى معاودة الأسعار للارتفاع مرة أخرى، «لم يتعد الأمر قيام الشركات بتغيير موعد الصيانات والعمرات لتجعلها فى أول السنة لمواجهة النقص الناتج عن الانكماش الاقتصادى فى العالم». كانت الأزمة العالمية قد أدت إلى تراجع الطلب من بعض الأسواق، مما أثر بدوره على صادرات الشركات المصرية، فيكفى الإشارة، كما يقول الجبلى، إلى أن السوق البرازيلية قد أغلقت أبوابها، مما حمل بعض الشركات خسارة تقدر بالمليارات فى 2008. ولكن لم يستمر الوضع كثيرا، حيث عاودت الارتفاع وظهرت أسواق جديدة فى الأفق مثل إندونيسيا لتستوعب الكميات التى خسرها السوق المصرية بإغلاق السوق البرازيلية، وفقا للجبلى. «كنا نعتقد أننا سنقوم بتخفيض الإنتاج مع بداية 2009، ولكن الأوضاع بدأت فى الانفراج وتوالت الطلبات لشراء الأسمدة». ووفقا لأرقام المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية، قامت الشركات المصرية بتصدير شحنات من الأسمدة ب603 ملايين دولار فى يناير 2009، مسجلة زيادة 28% عن يناير 2008، وهذا الرقم وإن كان منخفضا عن الزيادة فى النمو التى سجلتها الشركات فى عام 2008. حيث بلغت 98%، ولكنه «يعد انجازا» بحسب الجبلى. وسجلت قيمة الصادرات فى شهر فبراير 2009 زيادة بنسبة 85% مقارنة بنفس الشهر من 2008، وفى شهر مارس 2009، 36%، وفى شهر أبريل 46% مقارنة بنفس الفترة العام السابق. «إن عام 2008 كان استثنائيا فى الأسعار ولا يجب المقارنة به ويكفى أنه مازال هناك تطور صعودى فى حجم الصادرات»، يقول الجبلى مضيفا أن القطاع، على الرغم من انخفاض الأسعار، مازال به مستقبل كبير خاصة مع توجه كثير من الدول إلى النشاط الزراعى فى ظل الأزمة العالمية. «الإقبال على الزراعة سيزيد لا محالة»، بحسب الجبلى الذى يرى أن نمو دول شرق آسيا وما صاحبها من زيادة فى الاستهلاك وتغير فى نظام المعيشة والغذاء، لتعتمد بشكل أكبر على الثروة الحيوانية، سيزيد من تركيز هذه الدول على النشاط الزراعى وبالتالى سيرفع الطلب على الأسمدة. ويشير أحدث تقارير سى آى كابيتال عن الأسمدة إلى أن الأسعار عاودت الارتفاع منذ بداية 2009، فقد بدأت مخزونات الغذاء فى العالم فى التراجع، وبدأ الطلب من المزارعين على الأسمدة يعود، فى مقابل انخفاض عرض الأسمدة فى السوق الدولية، خاصة مع استمرار الحظر الصينى على تصديرها، كما يقول التقرير. وهو ما يبشر بتغير الاتجاه الهبوطى الذى ساد الأسواق فى الشهور الماضية. ويوضح الجبلى أن تراجع النشاط الإنتاجى الزراعى فى العالم فى الشهور الماضية، وما ظهر من تناقص فى الإقبال على الزراعة، يعود لحقيقة أن أسعار التجزئة للأسمدة لم تنخفض، فى الوقت الذى تراجعت فيه أسعار الحاصلات الزراعية، خاصة الحبوب بعد ارتفاعها لمستويات قياسية فى النصف الأول من 2008 وهو ما يعنى تراجع هامش الربح للمزارعين. من ناحية أخرى، فإن حركة الإقراض قد تراجعت فى ظل الأزمة المالية العالمية، وهو ما أثر بدوره على تمويل الاستثمارات الزراعية فى العالم ولكن «ها هو الوضع يتغير» ،تبعا للجبلى. الشركات تتنافس على دخول القطاع الأسمدة من أهم القطاعات المرشحة للنمو فى الفترة المقبلة، خاصة مع التوجه الزراعى الذى تسلكه جميع دول العالم فى الفترة الحالية، ولذلك، بحسب الجبلى، تتنافس الشركات على اقتحام القطاع لما يوفره من نشاط ومصدر دخل مضمون فى الفترة المقبلة. فقد أعطت هيئة التنمية الصناعية 12 رخصة لإنشاء مصانع للأسمدة فى نهاية 2008، مما يمثل بحسب الجبلى «إشارة إلى الفرصة الواعدة التى يشهدها القطاع فى الفترة المقبلة»، ومن أهم الشركات التى اقتحمت هذا المجال شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة. كانت شركة شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة، إحدى أكبر شركات الإنشاءات فى الشرق الأوسط، قد اقتحمت مجال الأسمدة بعد أن باعت نشاط الأسمنت لديها لشركة لافارج العالمية فى يناير 2008. ويشير الجبلى إلى أن زيادة الإقبال على هذا القطاع فى مصر ليس بسبب تحفظ الدول الأوروبية عليها لما تتسبب فيه من تلوث بيئى،كما يدعى الكثيرون، وإنما لتوافر العديد من المزايا فى السوق المصرية، وأهمها المادة الخام، وأسعار الطاقة الرخيصة، والعمالة. تحرير القطاع لم يعد ملحًا معظم الشركات، التى تعمل بقطاع الأسمدة فى الشرق الأوسط، وفقا لتقرير جلوبال، شركات خاصة قادرة على التصدير والتمتع بالأسعار العالمية المرتفعة، ولكن هناك شريحة أخرى من الشركات التابعة للقطاع العام، والتى لا تملك حقا فى التصدير، تعانى وطأة التزامها بالأسعار المحلية، مما دفعها إلى المناداة بتحرير القطاع وتمكينهم من التصدير. فهذه الشركات العامة لم تستفد من طفرة الأسعار فى العام الماضى، حيث لا تسمح لها الحكومة بالتصدير، مما جعلها تتضرر بشكل أكبر من ارتفاع تكاليف الطاقة على القطاع منذ منتصف 2008. وتعمل الشركات العامة فى مجال الأسمدة النتروجينية (اليوريا والنترات)، وتعتبر أهمها الدلتا والنصر للأسمدة والصناعات الكيماوية، بينما تسيطر على 60% من هذا القطاع شركة أبوقير للأسمدة، وهى شركة مشتركة، تبلغ حصة المال العام فيها 80%. «التحرير لم يعد ملحا فى الوقت الحالى»، كما يقول الجبلى خاصة مع انخفاض الأسعار فى السوق العالمية وقربها من تلك فى الأسواق الداخلية. وعلى الرغم من ذلك، يرى الجبلى أنه «لا يجب على أى شركة أن تفكر فى تحقيق أرباح هذا العام (2009) بل ليكتفوا بالتركيز على توفير التدفقات النقدية اللازمة، وسيعد هذا فى حد ذاته مؤشرا إيجابيا». مصانع الأسمدة تعرضت لضربة «لا بأس بها»، كما يقول الجبلى، وهذا يضع علامة استفهام حول مصير العمالة الموجودة فى هذا القطاع، وعلت كثير من الأصوات مطالبة الحكومة بالتدخل لمساندة الشركات، من خلال تخفيض التأمينات أو المشاركة فيها، من أجل الحفاظ على العمالة بها. وهذا ما لا يتفق معه الجبلى مشيرا إلى أن «أى شركة من شركات القطاع ليست بحاجة إلى هذا النوع من المساندة، ويجب على الحكومة توجيه هذه المبالغ إلى مجالات أخرى أكثر أهمية مثل التعليم والصحة أو التدريب»، يقول الجبلى.