وحده حادث سيارة.. هو الذى حمل بشار الأسد إلى «عرش الجمهورية السورية».. فمطلقا لم يكن هذا الدور مخططا للابن، الذى تعود أصوله إلى مدينة القرداحة فى محافظة اللاذقية، لكنه ولد فى 11 سبتمبر 1965 بالعاصمة دمشق. وفى العاصمة تلقى تعليمه الابتدائى والثانوى، ومن ثم درس الطب، وتخرج عام 1988، وبعدها عمل فى مستشفى تشرين العسكرى قبل أن يسافر عام 1992 إلى بريطانيا، حيث تخصص فى طب العيون، ليعود بعد عامين إثر وفاة شقيقه الأكبر باسل، الذى كان والده الرئيس حافظ يعده لخلافته، فى حادث سيارة بدمشق. عقب عودته، انخرط الأسد، الذى يجيد الإنجليزية والفرنسية بجانب العربية والمغرم بالكمبيوتر وبألعاب التكنولوجيا الغربية، فى القوات المسلحة، وتحديدا فى مجال الخدمات الطبية، وواصل الترقى من رتبة ملازم أول فى يناير عام 1994 حتى بلغ بعد خمسة أعوام رتبة عقيد ركن عقد لواء الدبابات. وبينما كان بشار يبلغ من العمر 34 عاما و10 أشهر، توفى والده فى العاشر من يونيو 2000، فصدر مرسوم بترقيته إلى رتبة فريق، متجاوزا رتبتين عسكريتين، ليتمكن من قيادة القوات المسلحة فى اليوم التالى بمباركة الرئيس المؤقت آنذاك عبدالحليم خدام. كما صدر مرسوم تشريعى لتعديل الدستور بخفض عمر الرئيس من 40 إلى 34 عاما، ليتم على أثره فى العاشر من يوليو انتخاب بشار رئيسا للجمهورية عبر استفتاء شعبى حصل خلاله على 97.3% من أصوات الناخبين. وفى نفس العام، تزوج الأسد الابن، وهو من الأقلية العلوية، من أسماء، وهى بنت الأغلبية السنية ونشأت ودرست وعملت فى مصرف «جى. بى. مورجان» ببريطانيا، ولديهما ثلاثة أبناء، هم: حافظ، زين وكريم. ثم أعيد انتخابه فى استفتاء مايو 2007 لولاية رئاسية أخرى تستمر سبعة أعوام. وقد شهدت بداية عهده انفراجة فى الحريات، وسميت هذه الفترة القصيرة ب«ربيع دمشق»، حيث ظهرت عدة منتديات سياسية، منها منتدى الآتاسى، لكن سرعان ما جرى إغلاقها تحت ضغط الأجهزة الأمنية. وظل السوريون فى قبضة أمنية وإعلامية محكمة، تحت وطأة قانون الطوارئ، حتى حل بسوريا منتصف مارس الماضى، قادما من مصر وتونس، ما بات يسمى ب«الربيع العربى»، حيث نجحت الثورتان المصرية والتونسية فى الإطاحة بالرئيسين حسنى مبارك (82 عاما) والتونسى زين العابدين بن على (74)، فيما يواجه نظيرهما اليمنى على عبدالله صالح (69 عاما)، والزعيم الليبى العقيد معمر القذافى (69 عاما) ما يبدو أنه نفس المصير. ومع سقوط نحو ألفى شهيد فى سوريا خاطب الأسد شعبه ثلاث مرات، آخرها أمس الأول، هاجم فيها ما سماه «العصابات المسلحة»، و«الجراثيم»، وتوعدها ب«الإبادة»، ووعود بإجراء إصلاحات سياسية ومكافحة الفساد، لكن الخطابات الثلاث لم تفلح فى تهدئة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاطه. وفيما تتواصل الاحتجاجات ويشتد قمعها على أيدى قوات الجيش والأجهزة الأمنية، يجد الرئيس الأمريكى باراك أوباما نفسه فى حيرة: فإذا دعم بقاء الأسد فربما يحافظ بذلك على استقرار لبنان وإسرائيل وكذلك آمال تحقيق السلام فى المنطقة، لكن فى نفس الوقت فإن سقوط النظام السورى قد يضعف من إيران الحليف الوثيق لدمشق، والعدو اللدود لواشنطن، بحسب الكاتب فى صحيفة نيويورك تايمز، مارك لاندلر. لكن ربما تنهى إسرائيل هذه الحيرة لصالح الخيار الأول، حيث يرى قادتها أن «بدائل الأسد ستكون كارثية عليهم»، ومنها وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم أو حدوث فراغ سياسى وفوضى عارمة قد تنهى، بحسب المعلق العسكرى فى التليفزيون الإسرائيلى، يوآف ليمور، هدوءا دام نحو أربعين عاما على جبهة الجولان (التى تحتلها إسرائيل منذ حرب يونيو 1967).