جاءت «ثورة 25 يناير» لتطيح بالرئيس حسنى مبارك وتفجر الكثير من المشاكل المسكوت عنها فى مصر، من بينها أزمة الكريديت (الائتمان) فى البورصة بعد أن ظلت طى الكتمان لأكثر من عشر سنوات. وتفجرت الأزمة بعد أن قال متعاملون بالسوق إن حجم الكريديت بلغ نحو أكثر من مليارى جنيه 340 مليون دولار وان شركات السمسرة ستنفذ أوامر بيع دون الرجوع للعملاء عند عودة التداولات لضمان أموالها. والكريديت هو نظام يشبه آلية الشراء بالهامش، ولكنه غير منظم وغير مسموح به قانونا فى سوق المال، ويصل فى بعض الأوقات الى أن تمنح شركات السمسرة العملاء ما يوازى 100٪ من حجم محفظتهم المالية للتداول فى السوق مبررة ذلك بأن جميع الشركات تمارس هذا الأمر. والبورصة المصرية مغلقة منذ 30 يناير عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة، والتى أسفرت عن تنحى الرئيس حسنى مبارك عن الحكم. وخلال يومى الأربعاء والخميس 26 و27 يناير هوى المؤشر الرئيسى للبورصة نحو 16٪ وبلغت خسائر البورصة نحو 70 مليار جنيه مصرى. وقال هانى حلمى رئيس مجلس إدارة شركة الشروق لتداول الأوراق المالية إن الكريديت «أحد الأسلحة المستخدمة فى المنافسة الشديدة بين شركات السمسرة لخطف العملاء وبدونه ستغلق الكثير من الشركات». ويوافقه هشام توفيق رئيس مجلس إدارة شركة عربية أون لاين للوساطة فى الأوراق المالية فى أن المنافسة غير العادلة بين الشركات هى ما دفعها لإعطاء ائتمان حتى لا يهرب العملاء منها. وقال لرويترز: «ما دام الكريديت فى حدود الملاءة المالية للشركة فليست هناك مشكلة. لكن عندما تستخدم الشركة أموال العملاء لديها فى الكريديت (لإقراض عملاء آخرين) هذه هى المشكلة الخطيرة». وأضاف: «نحن فى عربية أون لاين نعطى كريديت للعملاء مثل باقى الشركات. إذا لم نفعل ذلك سنكون خارج السوق». ويتساءل حسام أبوشملة رئيس قسم البحوث بشركة العروبة للسمسرة فى الأوراق المالية قائلا: «إذا لم تعط جميع الشركات كريديت للعملاء فهل ستغلق جميعا؟». «بعض شركات السمسرة تركز فى الترويج لنفسها على إقراض العميل بنسبة 100 ٪ من رأسماله، وهو أمر يرفع من درجة المخاطرة بشكل رهيب». ووصف أبوشملة الكريديت بأنه «تشوه فى جسد سوق المال». وقال: «يوجد قانون يسمى الشراء بالهامش يضمن حقوق شركات السمسرة وينظم تلك العملية بشكل جيد فلماذا اللجوء للكريديت؟». ويتفق معه محسن عادل العضو المنتدب لشركة بايونيرز لادارة صناديق الاستثمار فى أن الكريديت هو أسوأ مظاهر مشكلات سوق المال حاليا وأحد معوقات استقراره خلال الفترة المقبلة. والشراء بالهامش آلية يستطيع المستثمر من خلالها أن يشترى كمية ما من الأسهم بنصف قيمتها أو بربعها مقابل عمولة معينة مع شركة السمسرة، وذلك حسب النظام الذى سيتم تطبيقه. من ناحية أخرى قال باسم رضا رئيس مجلس إدارة شركة أمان لتداول الاوراق المالية إن هذا ليس الوقت المناسب للوم العملاء أو شركات السمسرة. وقال: «نحن أمام أمر واقع الآن ولابد من حله. أنا أتيح للعملاء كريديت رغم عدم اقتناعى ولكن إذا لم أعط لن يأتى لى عميل». ويرى عادل أن النتائج المتوقعة للكريديت فى ظل التطورات الحالية فى مصر والسوق هى تسييل محافظ العملاء من قبل شركات السمسرة مما سيؤدى الى خسائر فادحة للعملاء، وبالتالى لمديونيات شركات الوساطة وسيضغط بشدة على السيولة السوقية. ويفسر أبوشملة سبب لجوء المتعاملين الى الكريديت بدلا من الاعتماد على آلية الشراء بالهامش قائلا: «بعض العملاء يعزف عنه أما لأسباب دينية تتعلق بعدم الرغبة فى الاقتراض بفائدة أو ارتفاع تكلفة الشراء بالهامش بشكل يجعل من عملية الاقتراض أمرا مكلفا على المستثمر بالإضافة الى أن نسبة كبيرة من المستثمرين لا يوجد لديهم الوعى الاستثمارى الكافى لإدارة أموالهم». ويقول توفيق إن نظام الشراء بالهامش لا يستفيد منه الكثير من شركات السمسرة، التى يقل رأسمالها عن عشرة ملايين جنيه فى حين أن الكريديت يتيح للكثير من الشركات شروطا أفضل من الشراء بالهامش. وتابع: «الشركات المسموح لها باستخدام آلية الشراء بالهامش 83 شركة من ضمن أكثر من 140 شركة سمسرة». وقالت هيئة الرقابة المالية فى بيان السبت الماضى إنها قررت «وقف العمل بآليات الشراء بالهامش وحظر الشراء مقابل المديونية لمدة اسبوع فقط من تاريخ إعادة التداول على أن يعاد تقييم استمرارها فى نهاية الأسبوع». وتتباين آراء الخبراء فيما يخص حل الازمة فمنهم من يرى ضرورة تجريم هذا النظام وآخر من يرى تسهيل عمليات الشراء بالهامش على شركات السمسرة كما أن هناك من يرى استمرار الكريديت فى حدود الملاءة المالية لشركات السمسرة. وقال أبوشملة «يجب اقتراح تنظيم البنوك لعمليات تنظيم لبرامج شراء بالهامش بفائدة لا تتعدى ال 6 بالمئة سنويا بمبلغ يسير من كل بنك لا يتخطى ال 300 مليون جنيه». ويرى توفيق عضو مجلس إدارة البورصة ورئيس مجلس إدارة عربية أون لاين أن حل المشكلة يتمثل فى أن يكون الكريديت فى حدود الملاءة المالية لشركات السمسرة أو تخفيض الملاءة المالية للشركات حتى تستخدم الية الشراء بالهامش أو إلغاء الكريديت من السوق نهائيا. أما رضا رئيس مجلس إدارة أمان لتداول الاوراق المالية فيجد الحل فى تخفيض نسب التذبذب على الاسهم من 20٪ إلى 6٪. ويطالب رضا بالغاء أثر عمليات آخر جلستين قبل تعليق الإغلاق «لنفتح على اغلاقات 24 يناير بحيث نستطيع الحد من المبيعات المتوقعة نتيجة الكريديت، الذى يصل الى نحو أكثر من مليارى جنيه». أما هانى حلمى من شركة الشروق فقال: «المشكلة القائمة حاليا ليس لها حل. فلا توجد وصاية من أحد على الآخر فى الشراء والبيع. هذه علاقة خاصة بين شركة السمسرة والعميل. التدخل الحكومى فى هذه العلاقات غير مفيد». وتابع: «العميل لم يجبره أحد على الشراء بمديونية فليتحمل نتيجة قراره. السوق دائما مكسب وخسارة».