تعرف على أولويات برنامج الحكومة الجديدة قبل أداء اليمين أمام السيسي غدا    الحكومة الجديدة تؤدي اليمين أمام الرئيس السيسي غدا    انفراد.. إبلاغ وزير التنمية المحلية رسميًا باستبعاده من التشكيل الحكومي الجديد    هآرتس: الجيش الإسرائيلي ينوي إنهاء القتال في غزة دون التوصل لصفقة تبادل    التشكيل المتوقع لمباراة هولندا ورومانيا في ثمن نهائي يورو 2024    إبراهيما نداي يهدد الزمالك بعقوبة جديدة بعد انتهاء المهلة    بدء محاكمة المتهمين في قضية مقتل طفل شبرا الخيمة    الرطوبة تتجاوز 90%.. الأرصاد تكشف أسباب اختفاء الشمس في الصباح (فيديو)    إصابة 7 أشخاص في حادث اصطدام سيارة بالشرقية    أحمد فهمي يدعو جمهوره لمشاهدة فيلم «عصابة الماكس».. تعرف على إجمالي إيراداته    فيلم ولاد رزق 3 يتصدر شباك التذاكر بإيرادات تخطت ال 2 مليون جنيه    جوائز لمشاريع طلاب شعبة الصحافة بآداب إعلام حلوان    وزير الإسكان: تنفيذ قرارات غلق وتشميع وإزالة مخالفات بناء ب3 مدن    حصاد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في مجال التحول الرقمي    عصام عبدالفتاح يكشف حالة قد تجعل مباراة بيراميدز والمقاولون لا تعاد    التخطيط تشارك في ورشة بناء القدرات في مجال الإحصاءات ضمن أنشطة البرنامج القُطري لمصر    الأونروا: 250 ألف شخص اضطروا للنزوح مجددا في خان يونس    محللان كوريان شماليان: تحالف بوتين وكيم يونج أون تطور خطير في التحالفات العالمية    دون إصابات.. إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية ببولاق الدكرور    وزير الخارجية يفتتح النسخة الرابعة من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين    عاجل| شؤون الأسرى: ارتفاع حصيلة الاعتقالات بالضفة لنحو 9490 معتقلا منذ 7 أكتوبر    بلومبرج: الأحزاب الفرنسية تتحرك لعرقلة لوبان في الجولة الأخيرة من الانتخابات    وزير الصحة يستقبل ممثلي شركة فايزر لمناقشة تعزيز سبل التعاون المشترك    "البحوث الإسلامية" يفتتح لجنة الفتوى الرئيسية بالمنوفية بعد تطويرها    رئيس وزراء البرتغال: أثني على شجاعة كريستيانو.. وركلة الترجيح أهم من الجزاء    الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة الداخلية في الدوري    جوميز يضع اللمسات النهائية على خطة الزمالك لمواجهة فاركو    ضياء السيد: لوائح الكرة المصرية لا تحترم.. والأزمات تضخمت هذا الموسم    المعمل المركزي لكلية العلوم بجامعة القناة يحصل على اعتماد المجلس الوطني    اليوم.. مهرجان مشروعات التخرج بقسم الإذاعة بكلية الإعلام جامعة القاهرة    كيف تعالج شركات الأسمدة أزمة توقف المصانع ذاتيا؟    إرتفاع جماعى لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات منتصف الأسبوع    تزامنًا مع أولى الجلسات.. اعترافات المحرض على ذبح طفل شبرا الخيمة    المستشار عبد الراضي صديق رئيس هيئة النيابة الإدارية الجديد في سطور    غرق شاب في شاطئ الفيروز غرب الإسكندرية    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    بعد الإفراج عنه.. مدير مجمع الشفاء بغزة: الاحتلال عذبنا بالكلاب البوليسية    وزير الإسكان يُعلن الانتهاء من تنفيذ مشروعات صرف صحي متكامل ل 16 قرية بالبحيرة    «إكسترا نيوز»: مفاجآت ترفيهية في النسخة الثانية من مهرجان العلمين الجديدة    توقعات برج الجوزاء في شهر يوليو 2024 على كافة الأصعدة (تفاصيل)    حكم الحلف على فعل شيئا والتراجع عنه؟.. أمين الفتوى يجيب    «الوزراء» يستعرض الممرات الخضراء حول العالم: منظومة متكاملة لخفض الانبعاث    وزير الصحة يستقبل ممثلي شركة فايزر لمناقشة تعزيز التعاون المشترك    خبيرة تغذية: لا يفضل تناول المخبوزات بعد المغرب    تؤدي إلى الموت.. شركة أمريكية تسحب منتجها من السبانخ لتلوثه ببكتيريا    الصحة: مبادرة الكشف عن الأمراض الوراثية تفحص 19 مرضا بين حديثى الميلاد    تعيين المستشار عبد الراضى صديق رئيسا لهيئة النيابة الإدارية    الإفتاء: تعمد ترك صلاة الفجر وتأخيرها عن وقتها من الكبائر    14 وفاة و6 ناجين.. ننشر أسماء ضحايا عقار أسيوط المنهار    الحوثيون يعلنون تنفيذ أربع عمليات عسكرية نوعية استهدفت سفنا أمريكية وبريطانية وإسرائيلية    أمين الفتوى: وثيقة التأمين على الحياة ليست حراما وتتوافق مع الشرع    وزارة العمل تعلن عن 120 وظيفة بشرم الشيخ ورأس سدر والطور    خالد داوود: جمال مبارك كان يعقد لقاءات في البيت الأبيض    تصعيد مفاجئ من نادي الزمالك ضد ثروت سويلم    «الإفتاء» توضح حكم تغيير اتجاه القبلة عند الانتقال إلى سكن جديد    الأزهر يعلن صرف الإعانة الشهرية لمستحقي الدعم الشهري اليوم    أرملة عزت أبو عوف تحيى ذكري وفاته بكلمات مؤثرة    ناقد فني: شيرين تعاني من أزمة نفسية وخبر خطبتها "مفبرك"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراجعة صارمة تنهى الواقعية المزورة
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 08 - 2010

فلنجعل من إخفاقاتنا الراهنة والتداعيات التى استولدتها، درسا قاسيا يؤهلنا لعملية مراجعة نقدية صارمة عاجلة تؤهلنا للخروج من حالة التردد واللاحسم.. وتبقى فلسطين نقطة الارتكاز للتعامل مع مستلزمات الاستقرار والسلام فى المنطقة العربية، برغم تخلى النظام العربى القائم من خلال لجنة المتابعة العربية بالإجازة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الدخول بتجربة المفاوضات غير المباشرة لمدة أربعة أشهر،
ريثما تتوافر قواعد ومرجعيات لاستئناف «مفاوضات مباشرة»، ثم يزور نتنياهو واشنطن فى يوليو/تموز الماضى فتحصر المدة بضرورة الدخول فورا بالمفاوضات المباشرة، وترافق هذا الاتفاق «الإسرائيلى» الأمريكى مع مطالبة لجنة المتابعة فى الجامعة العربية ب «تغطية» الموضوع،
بمعنى تبنى المطلب «الإسرائيلى» الدخول فورا فى مفاوضات مباشرة، ويتذمر أبومازن بشكل علنى من ضغوط غير مسبوقة كى يبادر إلى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين أوباما ونتنياهو، وعندما نقول «ضغط غير مسبوق» يكفى ما ورد من إملاءات سميت تهذيبا «ضغوط» مما دفع الرئيس عباس إلى إعلان.. «إن الضغط الذى يمارس الآن لا يحتمل». ويتابع ..«لا يوجد بشر يمكن أن يتحملوا الضغط الذى نتعرض له».
صحيح أن كل هذه المعلومات والضغوط التى «لا تحتمل» صارت مؤكدة وبالتالى معروفة، وخسارة إذا لم يتمكن العربى بشكل أو بآخر من ردع تمادى هذا التعامل المجهض لأية فرصة لإنجاز أى من حقوق الفلسطينى الوطنية أو الإنسانية والمؤدى إلى مزيد من التفكيك بين أقطار الأمة العربية والتفتيت داخل مجتمعاتها، كما نشاهد بأم العين ما هو حاصل فى العراق واليمن والصومال والسودان وما هو أقل فى عدد آخر من أقطار الأمة.
وتبقى فلسطين نقطة ارتكاز، معنى ومسئوليات، باعتبار أنه لا يمكن سلخها من تاريخ وجغرافية وتراث وعضوية الانتماء ووحدة المصير، فى ظل تلقائية شعور الجماهير العربية بأن المشروع الصهيونى سعى ويسعى ماضيا وحاضرا إلى إلغاء فلسطين من ذاكرة ووجدان الأمة وشعوبها، وبالتالى لا يمكن مجابهته وردع تماديه إلا من خلال مشروع قومى عربى نهضوى، إنجازا لصيغة الاستقواء المتبادل وفرض الاستجابة لأولوية وأحقية إخراجنا من التردى والإحباط والتسليم بالوقيعة التى تسمى «الواقعية» السائدة.
يجب التعامل مع فلسطين باعتبارها أولوية مصيرية، وعاملا تحريضيا لإسقاط خيار الاستقالة من الحق فى صناعة مستقبل الأمة. نؤكد هذا لأن ما قامت به لجنة المتابعة العربية من إجازة للمفاوضات غير المباشرة ومن ثم المباشرة من دون وضوح أسبابها هى، ومن ثم اختزال الشهور الأربعة إلى شهرين من دون أى إعلان للرأى العربى والدولى عن الأسباب الموجبة، يظهر اللجنة كأنها وحدها المسئولة، وهى التى تختزل المسئولية القومية أوطانا وشعوبا فى التعامل مع فلسطين ومصيرها.
لكن يبدو أن لجنة المتابعة العربية، والتى استولدها نظام رسمى سائد، تتجاهل أن «إسرائيل» ما زالت متمردة على القانون الدولى وعلى كل القرارات الدولية، وتمكنت من إخراج المجتمع الدولى من أى مشاركة فى أية مباحثات أو مفاوضات وحصر حق التداول عمليا فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطينى بالإدارات الأمريكية المتلاحقة التى أثبتت كل منها، وبدرجات متفاوتة، التحيز الأعمى لما تسعى إليه «إسرائيل»، خاصة عضوية العلاقة بين «إسرائيل» والطاقم السياسى الأمريكى، وهكذا تمكنت من إعادة تموضع إدارة الرئيس أوباما بعيدا من ملامح سياساته الواعدة نسبيا كما تصورنا وتحمسنا عند انتخاب أوباما.
ما قامت به لجنة المتابعة من ترخيص متتابع، أو تغطية للرئيس محمود عباس، وبالتالى الحق فى توقيت استئناف المفاوضات المباشرة، يعنى واقعيا أن سلوك اللجنة لم يكن مدروسا بما فيه الكفاية، ولم يكن سليما بما فيه الكفاية، وبالمعنى القومى كان قرارا قصير النظر منقوص الاستقامة وهذا ما أدى إلى التداعيات المجحفة، كما أن تجاهلها للمركزية القومية لفلسطين القضية يشكل انحرافا عن بديهيات المسئولية التى أنيطت بها (اللجنة)،
رغم التحفظات التى عبر عنها على استحياء بعض من حاولوا تفسير بياناتها المنقوصة، بكون من تكلموا باسمها لم يكونوا بدورهم مقتنعين بجدواها، ولكنها الواقعية السائدة أو الطاغية فيما يسمى «محور الاعتدال» الذى أراد تفعيل أن منظمة التحرير الفلسطينية هى «الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى» كما فى قرار قمة الرباط، وبالتالى فإن المستجدات الطارئة على الشأن الفلسطينى إجمالا، وخاصة تسارع التآكل فى قدرة تأمين هذه الحقوق بعد اتفاقيات أوسلو إلى يومنا هذا، واكبه تنامى الوحش الاستطيانى فى الضفة الغربية والإمعان فى تهويد القدس والحصار الخانق على قطاع غزة.
الغطاء الذى وفرته لجنة المتابعة استوجب «ترحيبا» من نتنياهو كما وفر ترخيصا لرئيس السلطة الوطنية للمباشرة فى الدخول فى مفاوضات مباشرة، الأمر الذى هدّأ من انزعاج الرئيس الأمريكى تجاه تردد عباس فى عدم الاستجابة الفورية لإملاءاته، إضافة إلى الترحيب الغربى بذلك، وثمة من يؤكد أننا بتنا فى مواجهة استحقاقات خطرة آلت إليها غطاءات لجنة المتابعة العربية التى تشير إلى الأخطاء أو الخطايا التى ارتكبتها بتوفير غطاء له مترتبات خطرة.
أولا: الإجازة للرئيس محمود عباس الانفراد بالتفاوض المباشر (طبعا بموافقة السلطة) من شأنها أن توفر لنتنياهو، وبدعم أمريكى واضح، الاستفراد بالرئيس الفلسطينى، وهو إذا حاول الانعتاق من الاستمرار فى «المفاوضات» فهذا يعنى تنفيذ ما يمكن وصفه بعقوبات أشار إلى البعض منها الرئيس أوباما فى رسالة التهديد المرسلة إلى عباس.
ثانيا: استمرار تجميد المستوطنات غير مضمون مطلقا، حتى لو أقنع الرئيس الأمريكى ومن معه فيما يسمى «الرباعية» بتجديد «التجميد»، فطلب التجميد نفسه هو خطأ فادح كونه يؤكد حق الاستيطان، وإن التزمت «إسرائيل» بتمديده فهذا بدوره يحول دون حاجة المفاوض الفلسطينى إلى المطالبة بتفكيك المستوطنات، وأن يتم هذا بتأييد قاطع للرئيس أوباما، وهذا الأمر فى المرحلة الراهنة غير وارد إن لم يكن مستحيلا.
ثالثا: لا يمكن أن تكون مفاوضات بين الطرف «الإسرائيلى» والمفاوض الفلسطينى إذا لم يتم اتفاق مسبق على النتيجة المتوخاة من عملية المفاوضات، وكما أشرنا فى عجالة سابقة فإن المفاوضات ليست عملية تفتيش عما إذا كانت للطرف الفلسطينى حقوق وطنية غير قابلة للتصرف، بمعنى دولة ذات سيادة كاملة على أرضها وأجوائها، ومياهها، وحدودها، وبالتالى مستكملة عناصر السيادة غير المنقوصة بما فيها القدس، وتفعيل جميع القرارات الدولية ذات الصلة.. تحديد أفق للمفاوضات، أفق واضح وملزم يجعل المفاوضات هادفة.
رابعا: إن أى استئناف للتفاوض، غير مجد، فى ظل الانشقاق بين سلطتى رام الله وغزة، أى أن المرجعية الفلسطينية غير موحدة، فى وقت يجب إنجاز الوحدة بسرعة فائقة، وهذا يمنع استفراد عباس وجره إلى المصيدة الخانقة، كون الاستفراد برئيس السلطة الوطنية هو ترجمة لميزان قوى مختل من دون وحدة مرجعية الفصائل الفلسطينية كلها، وعلى الأخص فتح وحماس لن تكون لأية مفاوضات نجاعة، وإذا بوشر بها من دون المرجعية الواجبة فلن يكون لنتائجها أى إلزام قانونى أو شرعية معترف بها.
خامسا: المرجعية الموحدة مطالبة بدورها، بعد تأمينها، أن تدرك خطيئة إسقاط خيار المقاومة كالتزام بالسلام، خاصة أن «إسرائيل» لم تسقط التمرد الاستيطانى وممارسات القمع والاغتيالات والحصار وغيرها من الإجراءات المحرمة المدانة دوليا، علما بأن تعزيز حق المقاومة يجعل التفاوض أحد عناصر ثقافة المقاومة الرئيسة، إضافة إلى كونه يعزز ميزان القوى، مع تفعيل الرأى العام العالمى الذى يدين «إسرائيل» وما تسببه من معاناة للشعب الفلسطينى وسلب لحقوقه.
سادسا: استقامة معادلة موازين القوة بين «إسرائيل» والمفاوض الفلسطينى الموحدة مرجعيته لا تكفى، إن لم يرافقها استرجاع المخزون القومى التزامه التاريخى، وتفعيل إجراءات عقابية مكلفة ل«إسرائيل» وهذا يعنى أن على لجنة المتابعة العربية أن تكون حاضرة لتفعيل عقوبات ضد ل«إسرائيل» من خلال خرق «الواقعية المزورة» الساعية لقمع المخاض والحيوية الكامنة، وتوفير بوصلة قومية تدير المواجهة المصيرية مع المشروع الصهيونى، باعتبار أن فلسطين نقطة الارتكاز لاستعادة الأمة العربية مشروعها النهضوى.
فلنجعل من إخفاقاتنا الراهنة والتداعيات التى استولدتها درسا قاسيا يؤهلنا لعملية مراجعة نقدية صارمة عاجلة تؤهلنا للخروج من حالة التردد واللاحسم، وكسر ما تحاول الواقعية المزورة ترسيخه فى قناعاتنا وجعله مستحيلا، وبالتالى تحويل فلسطين القضية إلى نقطة ارتكاز لجعل التوق العربى إلى الكرامة فعلا وواقعا ومشروعا يفتح آفاقا أمام شعوبنا، آفاقا تستعيد ثوابت وقيم ثقافتنا وتؤكد وحدة مصيرنا، والتكيف مع المستجدات بما يمكّنها من صناعة مستقبلها، مثلما فى ماضى الزمان صنعت تاريخها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.