عقب تعيينهما بقرارين جمهوريين.. السيرة الذاتية لرئيسي مجلس الدولة وهيئة النيابة الإدارية    تنسيق الجامعات 2024.. كل ما تريد معرفته عن كلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان    اليوم.. مهرجان مشروعات التخرج بقسم الإذاعة بكلية الإعلام جامعة القاهرة    التموين تواصل صرف الخبز المدعم حتى ال5 مساءً.. اليوم    تداول 16 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة ب«موانئ البحر الأحمر»    كيف تعالج شركات الأسمدة أزمة توقف المصانع ذاتيا؟    نائب وزير الإسكان: مصر شهدت طفرة في تنفيذ مشروعات مواجهة آثار تغير المناخ    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    «الوزراء» يستعرض الممرات الخضراء حول العالم: منظومة متكاملة لخفض الانبعاث    2 يوليو 2024.. البورصة تواصل الارتفاع فى بداية تعاملات اليوم    بن جفير: أهم أهدافي تغيير ظروف سجن الفلسطينيين للأسوأ    كوريا الجنوبية تستأنف مناورات بالمدفعية قرب حدودها الشمالية    شؤون الأسرى: ارتفاع حصيلة الاعتقالات بالضفة الغربية إلى 9490 فلسطينيا    الشاباك: اكتظاظ السجون مشكلة وزارة الأمن القومي    القناة 12 الإسرائيلية: تقديرات في الجيش باستمرار عملية رفح 4 أسابيع أخرى    «أبو الغيط»: الجامعة العربية عانت لسنوات من الاستبعاد عن القضايا العربية الأفريقية    حجازي: حسام حسن اسم كبير في الكرة ونتمنى نجاحه    تيري يقود ردود أفعال غاضبة بسبب تعليق "بي بي سي" الساخر على إهدار رونالدو    الثانوية العامة 2024.. خبير لغة إنجليزية: الامتحان متوسط وسهل    الأرصاد تكشف أسباب حجب أشعة الشمس منذ الصباح    لحظة وصول المتهمين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بتهمة قتل طفل شبرا الخيمة    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالدقهلية    المستشار عبد الراضي صديق رئيس هيئة النيابة الإدارية الجديد في سطور    إصابة 6 أشخاص فى حادث تصادم بالدقهلية    مراسلة «إكسترا نيوز»: مفاجآت ترفيهية في النسخة الثانية من مهرجان العلمين الجديدة    الخميس القادم.. طرح فيلم «عصابة الماكس» بالسعودية    لماذا لم يحضر محسن محيي الدين جنازة المخرج يوسف شاهين؟    توقعات برج الجوزاء في شهر يوليو 2024 على كافة الأصعدة (تفاصيل)    ماذا يحدث للجسم في حال تناول المخبوزات على الإفطار؟ .. خبيرة تغذية تجيب    «الصحة» تبحث التعاون مع «فايزر» في صقل مهارات الكوادر الطبية وعلاج الأمراض المزمنة    محافظ بني سويف: البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب أصبح مشروعا قوميا    مهرجان العلمين يفتح شهية المستثمرين الأجانب لضخ استثمارات في الساحل الشمالي.. رأس الحكمة على خريطة الاقتصاد    مورين دود ل«بايدن»: توقيت خروجك يمكن أن يحدد مكانك في كتب التاريخ    الإفتاء: تعمد ترك صلاة الفجر وتأخيرها عن وقتها من الكبائر    تشكيل النمسا المتوقع أمام تركيا في يورو 2024    14 وفاة و6 ناجين.. ننشر أسماء ضحايا عقار أسيوط المنهار    سعر علبة الشوفان، أسعار الشوفان اليوم الثلاثاء 2-7-2024 بالأسواق    بدء امتحان اللغة الأجنبية الأولى لطلاب الثانوية العامة    الخميس المقبل.. تامر عاشور يحيي حفلًا غنائيًا في الإسكندرية    المندوب الروسي بالأمم المتحدة: القرار الأمريكي حول وقف إطلاق النار في غزة لم ينفذ    لماذا تأخر التغيير الحكومي كل هذا الوقت؟ معيار اختيار الأكفأ لتحقيق الرضا الشعبي وتخفيف الأعباء عن المواطن وحركة شاملة للمحافظين    خالد داوود: جمال مبارك كان يعقد لقاءات في البيت الأبيض    وزارة العمل تعلن عن 120 وظيفة بشرم الشيخ ورأس سدر والطور    أمين الفتوى: وثيقة التأمين على الحياة ليست حراما وتتوافق مع الشرع    كوبا أمريكا.. أوروجواي 0-0 أمريكا.. بنما 0-0 بوليفيا    «الإفتاء» توضح حكم تغيير اتجاه القبلة عند الانتقال إلى سكن جديد    الأزهر يعلن صرف الإعانة الشهرية لمستحقي الدعم الشهري اليوم    أرملة عزت أبو عوف تحيى ذكري وفاته بكلمات مؤثرة    تصعيد مفاجئ من نادي الزمالك ضد ثروت سويلم    أحمد حجازي يحسم مصيره مع اتحاد جدة.. ويكشف تفاصيل عرض نيوم السعودي    مخاطر الأجواء الحارة على مرضى الصحة النفسية.. انتكاسة العقل    3 مشروبات عليك تجنبها إذا كنت تعاني من مرض القلب.. أبرزها العصائر المعلبة    ناقد فني: شيرين تعاني من أزمة نفسية وخبر خطبتها "مفبرك"    عبدالله جورج: الزمالك سيحصل على الرخصة الإفريقية    في 3 جامعات حكومية.. قرارات جمهورية بتعيين قيادات جامعية جديدة    ضياء السيد: لوائح الكرة المصرية لا تحترم    العالم علمين| عمرو الفقي: المهرجانات محرك أساسي لتنشيط السياحة وترويج المدن الجديدة.. وتخصيص 60% من أرباح مهرجان العلمين لفلسطين    غدا.. "بيت الزكاة والصدقات" يبدء صرف إعانة يوليو للمستحقين بالجمهورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكثر من نكسة وأقل من نكبة!
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 01 - 2010

كان انتخاب سكوت بروان المرشح الجمهورى من ولاية ماساتشوستس أكثر بكثير من مجرد نكسة وأقل بقليل من نكبة سياسية للرئيس باراك أوباما: هذه الولاية لم تنتخب جمهوريا منذ أكثر من نصف قرن و اعطت الرئيس اوباما فوزا على خصمه بأكثر من 25 % و انتخبت جورج ماكفرن عام 1972 فى حين ربح نكسون 49 ولاية آنذاك. كان الاعتقاد سائدا أن المرشحة الديمقراطية تصرفت على أن نجاحها مضمون فيما فاجأ فوز المرشح الجمهورى يؤكد أن معضلة شديدة سوف تواجه إدارة أوباما الذى اعترف بأن الغضب الذى كان سائدا عام 2008 والذى ساهم بالمجىء به إلى الرئاسة، هو الآن العامل نفسه الذى جاء بالانتصارات للجمهوريين عام 2009.
***
قد يتساءل القارئ العربى: لماذا نكرس اعتبارات السياسة الداخلية على سلوك ومشكلات إدارة أوباما؟ قد يكون السؤال منطقيا ولكن إجمالا وبالأخص فى الولايات المتحدة الأمريكية، فإن من يرسم السياسات واستراتيجيات الدولة هو أولا الرئيس لكن داخل النظام هنالك السلطات التشريعية والقضائية. فالرئاسة وان كانت المؤسسة الاولى بين متساوين، إلا أن تفوق قدرتها النسبية فى رسم السياسات لا يعنى ان الرئيس مطلق الصلاحيات بل يبقى عرضة للمساءلة واحتمال نقض أو اعتراض من السلطة التشريعية كونها بدورها سلطة منتخبة وبالتالى حريصة على دورها المميز.
***
فى ظل الظروف القائمة، نجد أن الرئيس أوباما سوف يضطر إلى مراجعة نقدية لأداء إداراته وبالتالى فإن الإرباك الذى ميز ردود فعل أنصاره وحلفائه ينطوى بالضرورة على حاجة ماسة للنفاذ إلى جذور التحول من روعة الإلهام التى ميزت خطابه الانتخابى. هذا التحول الذى بدأ بشعار «تغيير نستطيع أن نؤمن به» إلى حالة القلق السائدة نتيجة ما حصل أو لم يحصل فى العام الأول من عهده.
هنا لا مفر من ذكر ما ورثه أوباما من تركة إدارتى بوش السابقتين والتى استولدت معوقات انطوت على تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية. فكان التحدى فى بدء إداراته وقف التدهور للحيلولة دون المزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية وإمعانها فى تدهور الأسواق المالية أمريكيا وعالميا وتردد أوباما فى محاسبة الإدارة السابقة على فلتان النظام الرأسمالى وتخفيضها الضرائب إلى الواحد فى المائة من الأثرياء.. لذلك توجه أوباما بشكل قاطع باتجاه وقف المزيد من التدهور والحيلولة دون تنامى العطب فى النظام الاقتصادى والمالى مما أبطأ مباشرته بتنفيذ التزاماته ودفع الكثير من رصيده السياسى والشعبى. كانت مهمته الأولى تكنيس المعوقات والموبئات الموروثة بدلا من تنفيذ فورى لما وعد به الشعب الأمريكى بأن عهده سوف يكون فوق الانقسامات الحزبية. وهذا ما يفسر استعانته بعدد من قيادات الحزب الجمهورى وتسليمهم مهمات رئيسية فى وزارات الدفاع والنقل والمالية والسفارة الأمريكية فى الصين وغيرها. تعامل قادة الحزب الجمهورى فى الكونجرس مع هذا الانفتاح كأنه محاولة لوحدانية سلطة الرئيس وشق المعارضة، فرفضوا التعاون وجعلوا منه مرمى لرجعيتهم والبعض لعنصريتهم. إضافة إلى تهجمات اليمين الشرس المتمثل بانتقادات لاذعة وغير صحيحة قام بها نائب الرئيس السابق ديك تشينى إضافة إلى ظاهرة «حفلات الشاى» التى استنفرت الغرائز البدائية مما عزز تسميم الأجواء وحال دون حوارات عقلانية. كل هذه الأجواء المرضية التى ميزت الخطاب السياسى السائد، جعل من تعميم إنصاف الحقائق تشويهات مقصودة لدوافع السياسات الاصلاحية .
وسط هذه الأجواء وإثنائها، تمكن الرئيس أوباما من إيقاف التدهور فى الاسواق المالية وإنقاذ المؤسسات الاقتصادية وتمكينها من خلال الضخ التمويلى فى بداية ولايته مما فسر استرجاع ما استدانه إلى الحكومة. كان أهم انتقاد هو أن أوباما ركز على أولوية تأمين الضمان الصحى أسوة بالدول المتقدمة والتى برغم سلامة وإنسانية دوافع جعلها أولوية والحاجة الملحة إلى تشريعها، إلا أن تزامنها مع أولوية أكثر إلحاحا أى البطالة اعطى الانطباع ان الدولة وشيكة على احتكار السلطة وبالتالى تشكل تهديدا للحريات والتى ساهم الاعلام اليمينى نشره وتعميمه.
***
تسود قناعة ان العديد من المصاعب التى واجهها الرئيس اوباما فى العام الاول كان بسبب غياب قيادة الحزب الديمقراطى الموكول اليها توجيه وتعبئة الناخبين وجعلهم بمنأى عن الغارات العقائدية اليمينية التى تهدف إلى افقاد وتشويه حقائق وافتعال ازمات واللجوء إلى تزوير كما حصل فى تصوير قوانين الضمان الصحى المقترحة او اجراء محاكمات مدنية للمتهمين بالارهاب. كل ذلك اعطى الانطباع ان تهديدا لامن المواطن الامريكى اصبح داهما وان اغلاق معتقل جوانتانامو وقرار الرئيس اوباما منع التعذيب تعريضاً للأمن القومى فى وقت لاتزال التهديدات قائمة. إن جميع المبادارات التى قام بها اوباما لم يرافقها تنظيم التعبئة لمناصريه وناخبيه ولا تعميم الوعى عند انصاره مما جعل المحافظين يستسهلون نشر ثقافة التخويف. وتعميم فكرة أن الاصلاح الاقتصادى «دعوة للاشتراكية» كما ان التخلى عن ادوات التعذيب دليل ارتخاء فى حماية امن المواطن والامن القومي. لقد أوجد استبعاد شرائح من مؤيديه من اليسار والوسط حواجز بين البيت الابيض وبين من كان باستطاعتهم مجابهة التشويهات التى تعمد نشرها ناشطو اليمين. من ناحية أخرى لم يتم التواصل بالدرجة المطلوبة مع الشرائح التى ابحرت مع اوباما فى حملته الانتخابية الرائعة. اعتقد ان اعادة النظر فى استرجاع علاقات حوارية مع هذه الشرائح التقدمية سوف تضع حداً للافتراءات التى تلحق الاذى باستقامة المسيرة التى رسم اوباما اهدافها.
***
يستتبع ان الناخبين المستقلين لم يعودوا مثلما كانوا اثناء حملته الرئاسية فى علاقات ايجابية وأن خروج معظمهم من التحالف معه كان بمثابة مؤشر على احتجاح هذه الشريحة الهامة على نمط تعامل البيت الابيض مع الكونغرس. كما ساد الانطباع ان تركيزه على اولوية التشريع للضمان الصحى كان على حساب اهمال تحدى البطالة المتزايدة. هذا لا يعنى ان المستقلين لن يعودوا إلى نصرته عندما يباشر اوباما مرحلة تنفيذ استراتيجية اكثر تماسكا من التى مارسها فى العام الاول من ولايته. و لعل الشعار الذى طرحه اثناء حملته الانتخابية «نعم نستطيع» سوف يتحول بالضرورة إلى «نعمل كل ما باستطاعتنا القيام به».
***
صحيح ان اوباما باشر بانسحاب القوات الامريكية من العراق وكأنه يصدر حكما تاريخيا على عدم شرعية الغزو، بينما وجد الحرب فى افغانستان متوافر لها الشرعية الأممية منذ أحداث 1192001 . الآن وقد أرهقت الحرب الملايين من الناخبين الامريكيين، لم يعد من تمييز لديهم بين الحرب غير المشروعة وحرب الحاجة المنسجمة مع القانون الدولى فى افغانستان مما ادى إلى انطباع ان اوباما «رئيس حرب». صحيح ان الرئيس اوباما استمر يؤكد ان ادارته مستعدة وراغبة فى عالم متعدد القطبية واكد احترام الشرعية الدولية والتزام سياسة التنمية المستدامة فى عالم الجنوب. وبادر بتعيين السناتور جورج ميتشل مبعوثا خاصا له فى الشرق الأوسط لم تتح له ولغيره من المبعوثين الفرصة ان يحقق أى من الانجازات التى تلبى طموحاته. يرجع السبب فى ذلك ان الرؤية التى بلورها فى خطابه للعالم الاسلامى فى جامعة القاهرة وقبلها فى البرلمان التركى، كانت أكثر مما تتحمله الاجهزة المتوافرة مثل وزارة الخارجية. لذا اصطدمت توقعات العرب والعالم الاسلامى عامة بواقع آليات تنفيذ عاجزة عن تفعيلها رؤى الرئيس اوباما وبالتالى عاجزة عن ايصالها وترجمتها عمليا مما يفسر ويلقى الاضواء الكاشفة على استمرار الازدواجية بين ما يعلن وما يحصل.
تباينت الاسباب للعجز الناتج عن الازدواجية. منها ما يعود إلى انطباع تام ان اوباما اوضح كمفكر وممارس؛ وبعض التفسيرات تعول تردده إلى مزاج يؤكد تجنب المجابهات فى العديد من الازمات. يبدو ان دراسته للبدائل المطروحة امامه تفسر بطء مسيرة عملية اتخاذ القرار، وهذا التردد الذى يميز مقاربته لعديد من القضايا العالقة منذ زمن بعيد، يتسم باللاحسم مما اعطى الانطباع انه كثيرا ما يكون سجين اللاحسم.
قد يقال وهذا صحيح إن تراكم ما ورثه من ازمات فرضت عليه اولويات ملحة متزامنة فى الداخل مما قلص فرص تركيزه على اعطاء الوقت الكافى لمجابهة إرث الاجترار الهائل دون الحسم و التجديد.
وحتى «يزداد الطين بلة»، جاء قرار المحكمة العليا الامريكية بخمسة أصوات مقابل أربعة يلغى الضوابط القانونية على مدى المساعدات المالية وبالتالى اعطاء الحرية المطلقة للشركات الكبرى ان تمنح ما تريد من مساعدات للمرشحين للانتحابات. شكل قرار المحكمة العليا استفزازاً حادا للرئيس اوباما واعتبره البعض اخطر بكثير من الصدمة الموصوفة بانها كانت اكثر من نكسة.. واقل من نكبة. قرار المحكمة العليا فى يوم 21 يناير يقنن الفساد ويزيد من عمليات إعاقة إنجاز «التغيير». ومع ذلك لعله يؤدى إلى استئناف مسيرة وعد أوباما «بالتغيير» فيستعيد قدرة الاختراق والمبادرة التى عجز عنها حتى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.