قرارات لجنة المتابعة العربية بتأييد أو تغطية المفاوضات المباشرة بين الرئيس أبو مازن ورئيس حكومة «إسرائيل» نتنياهو استولدت بقصد أو من دون قصد تداعيات من شأنها أن تفاقم التعقيدات المتعلقة بالقضية الفلسطينية بما فيها حرفها عن مركزيتها باتجاه جعلها مسلسلا من مشكلات معقدة مرشحة للمعالجة إداريا، بدلا من كونها تستوجب حلا جذريا يتلخص بتمكين الشعب الفلسطينى من تحقيق مصيره بما رسمته القرارات الدولية، وكما تم تعريفها فى القوانين الدولية وإجماع محكمة العدل الدولية على شرعية حقوق الشعب الفلسطينى الوطنية والإنسانية. إلا أن التداعيات المستولدة آنيًا والتى تتسارع بشكل مطرد، فهى أن النظام العربى القائم استجاب منذ اتفاقيات أوسلو وقبلها معاهدة الصلح بين مصر الدولة و «إسرائيل» مما أفقد القضية الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير المناعة التى بدورها أجازت ل «إسرائيل» الإمساك بمفاصل مقدرة التقرير ووتيرة المسار، وحتى لا نتهم ب «اللاواقعية» وإعطاء آمال مغلوطة، أو كما يدعى «البراغماتيون الجدد» أوهام قيام دولة فلسطينية مكتملة السيادة مع القدس عاصمة لها، فإن فقدان المناعة وبالتالى فقدان إمكان تصليب الالتزام بحق تقرير المصير يدفع الشعب الفلسطينى إما إلى ما يقارب الانفجار العبثى أو إعادة النظر بشكل جذرى بما يؤول إلى إعادة الوحدة الوطنية إلى شرائح الشعب الفلسطينى بشكل فورى، وأن تكون هذه المراجعة نقدية وصارمة بحيث تخرج الوضع العربى من إشكالية انقسام فى الحالة القومية بين أنظمة «معتدلة» وأخرى «ممانعة» أو متطرفة، وبالتالى دفعنا بشكل استفزازى إلى خيارات من شأنها قمع استقلالية الإرادة العربية، وبالتالى توصيف أية معارضة أو مقاومة أو حتى اعتراض كأنه انضمام إلى «محور الشر»، كما أن أى امتثال للإملاءات الصادرة عن بعض العواصمالغربية هو برهان على «الواقعية» وعلى نهج «الاعتدال». من استتبع افتعال هذا التوصيف الجائر، إضافة لكونه غير دقيق مطلقا، دفع الكثير من الجماهير العربية إلى التجاوب مع بروز تركيا والبرازيل، أو كما سميته قبلا «قدر الجنوب» لنموذج جذاب يعيد الكرامة إلى كونها فعلا يعبر عن استقلالية التحرك من دون اللجوء إلى المراهنة والارتهان. وبالعودة إلى رصيد تصرفات لجنة المتابعة العربية التى أجازت أو غطت المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل»، فإنه صار واضحا أن الرئيس أوباما ضغط بشكل غير مسبوق على الرئيس محمود عباس مقترحا حتى لا نقول ضاغطا على لجنة المتابعة العربية تسهيل اختصار مدة المفاوضات غير المباشرة من أربعة أشهر إلى شهرين من دون مبررات مقنعة، على اعتبار أن مهمة ممثل الرئيس أوباما السيناتور ميتشل لم تفسر الأسباب لاختزال تجربة «المفاوضات غير المباشرة»، إلا أن الاستنتاج هو الطلب الذى تقدم به نتنياهو الذى أبدى «رغبته» للرئيس أوباما، وسرعان ما تجاوب بشكل فورى مما أعطى الانطباع بأن ضغوطا سياسية داخلية خاصة قام بها اللوبى «الإسرائيلى» إيباك دفعت إلى التسرع لوضع الرئيس عباس و«الاعتدال» العربى أمام الخيار فسارعت الدولتان المنضبطتان إلى تسويق ضرورة «الدخول فورا فى المفاوضات المباشرة»، وإلا، كما ورد فى رسالة الرئيس أوباما إلى الرئيس عباس، «لن نقبل رفضا لطلبه»، وإلا «ستكون للرفض تبعات على العلاقات الأمريكيةالفلسطينية». وعزز الرئيس الأمريكى هذه الرسالة الضاغطة ب «أن رئيس الوزراء «الإسرائيلى» نتنياهو أصبح جاهزا للانتقال إلى المفاوضات المباشرة عقب اللقاء الذى عقده معه أخيرا»، كما أن أوباما لن يقبل بالتوجه إلى الأممالمتحدة بديلا عن المفاوضات المباشرة. من المرجح أن أعضاء لجنة المتابعة العربية لم يكونوا مطلعين على محتوى العناصر التى وردت فى اللقاء الثانى بينه وبين نتنياهو، لأن سرعة الموافقة دلت على أنه لم يسبق قرار لجنة المتابعة تجاوب مع طلب الرئيس أوباما من دون أية إحاطة دقيقة بما استوجب ثقة الرئيس الأمريكى بالنتائج المرجوة الضامنة لقيام الدولة الفلسطينية مكتملة السيادة. لماذا الشك؟ كما لماذا ترك الرئيس محمود عباس وحيدا فى مجابهة غير متوازنة فى مفاوضات ليست «مفاوضات»؟ استعمال مصطلح «مفاوضات» ينطوى على اتفاق مسبق بين الأطراف على النتيجة، وبالتالى يصبح التفاوض على المراحل والتوقيت والترتيبات الإجرائية المطلوبة لتسريع إنجاز الاتفاق لا لاكتشاف ما هو الاتفاق، كما أن لجنة المتابعة لم تأخذ أى إجراء جدى أو حتى غير جدى لإنجاز خطوات حاسمة لوحدة المرجعية التى تفرزها وحدة كل الفصائل حتى لا تتعثر المفاوضات، وأن يؤدى التسرع إلى مزيد من الانقسام وانعدام الفرص لممارسة حق تقرير المصير. يُضاف أن الرئيس أوباما لم يوضح بما فيه الكفاية، أو بالأحرى لم يوضح أبدا إذا انتزع من نتنياهو اعترافا بأن «إسرائيل» سلطة محتلة فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة على الأقل منذ يونيو/حزيران، 1967 كما أن ما تم من تجميد للاستيطان لم يكن مستقيما مع تواصل الإجراءات التهويدية فى القدس والتكثيف الحاصل فى عدد من المستوطنات القائمة. وتستمر الأسئلة: ولماذا لم توفر لجنة المتابعة لنفسها إمكان مخاطبة الرئيس الأمريكى؟ وتسأله، لماذا لا يطالب بتفكيك المستوطنات بدلا من تجميدها، مما يعنى تعامل إدارته مع كون «إسرائيل» تحتل الضفة وقطاع غزةوالقدس الشرقية؟ وجود المستوطنات يشكل إضافة إلى كونه خرقا واضحا لاتفاقيات جنيف الرابعة، و«إسرائيل» تعتبر تمددها الاستيطانى حقا يمليه المشروع الصهيونى، وبالتالى يتنافى مع اعتبار المجتمع الدولى أن «إسرائيل» محتلة، فهل وفر للرئيس أوباما ضمانا أن «إسرائيل» سوف تفاوض على كونها محتلة؟ أو كما يدل سلوكها منذ 5 يونيو 1967 أنها مستمرة بسلطتها كفاتح. لقد حان الوقت أن يتوحد العرب فى طرح هذا السؤال على الرئيس الأمريكى وإدارته كون المجتمع الدولى اعترف بأن «إسرائيل» تحتل، والإدارة الأمريكية تبقى الالتباس من خلال كلمة مفاوضات، لتمكن «إسرائيل» من الاستفراد بالمصير الفلسطينى، إذا لم يستعد العرب إدراكهم لمسئوليتهم القومية تجاه فلسطين القضية، كما بالتالى تستعيد «لجنة المتابعة» إدراكها أن استقامة معادلة التفاوض هى أيضا تعبر عن ثقافة المقاومة، وبالتالى تعطى غطاءات ل «المفاوضات العبثية»، عليها أن تعى أن مسئوليتها أشمل من مجرد «تغطية»، بل المشاركة بتعبئة قومية حتى لا تعود «إسرائيل» تستفرد بتعريف المصطلحات وبإملاء التوقيت والإمعان باستباحة الحقوق والادعاء بأنها مستعدة للقيام ب«تنازلات» هى ذروة الاستعلاء العنصرى والاستخفاف بعقول العالم والإمعان فى التهديد والتهويد وممارسة التمييز العرقى والدينى، واعتبار أية مقاومة لاحتلالها كأنها تمرد على حقوقها الملكية وسهولة ممارستها القمع، وأيضا اعتبار أن أى مساءلة عن ترساناتها النووية بمثابة «تهديد وجودى لها»، بما يعنى أن أى سؤال فى هذا الشأن دليل على حقها فى الابتزاز، وبالتالى التفوق الاستراتيجى على الكل العربى باحتضان أمريكى معلن. أمام هذا الوضع، أليس هناك من حاجة للجنة المتابعة لإعادة النظر فورا بما أقدمت عليه من تمكين «إسرائيل» من الاستفراد بالسلطة الفلسطينية فى عملية «تفاوض» فاقدة الحد الأدنى من ميزان القوة والحد الأقصى من استمرار التمدد الاستيطانى «الإسرائيلى» وانقسام المرجعية القيادية للشعب الفلسطينى وفقدان مرجعية عربية موثوقة. ألم نتعلم أن فقدان التنسيق بين أقطار الأمة العربية ناهيك عن الوحدة بسبب ضياع البوصلة، سببّ المزيد من التفكك والتقوقع وتفتيت المجتمعات؟ أو هل قدرنا أن نبحث عن دورة تأمين حقوقنا من دون المطالبة بحقوق فلسطين؟ يبدو كأننا نجتر تذمرات سابقة، فهل من فرصة للخروج من حالة الاستقالة التى تجد الأمة العربية نفسها وقعت فيها؟