رئيس " الحرية المصري": انتصارات أكتوبر ستظل علامة بارزة في تاريخ العسكرية المصرية    حدث في منتصف الليل| حقيقة تعرض البلاد لشتاء قارس.. وأسباب ارتفاع أسعار الدواجن    أمين صندوق الأطباء للمحافظين: ما الفائدة من التصالح في عيادات وضعها مقنن من الأساس؟    من أعلى نقطة بمدينة العلمين الجديدة.. وزير الإسكان يتفقد أبراج الداون تاون وبحيرات العلمين "كريستال لاجون"    قصف وإنذار للسكان بالإخلاء.. بيروت تشهد أقوى غارات إسرائيلية منذ بدء التوغل    وزير الخارجية الإيراني: أي اعتداء على إيران سيواجه برد أقوى    صافرات الإنذار تدوي في عدة مناطق بشمال إسرائيل    ملف يلا كورة.. بلعيد يرد على قندوسي.. ومحاكمة إمام عاشور    ريال مدريد ضد فياريال، اشتباه في إصابة كارفاخال بالرباط الصليبي    ميتروفيتش يقود الهلال للفوز على الأهلي في الدوري السعودي    سائق قطار يرشد عن أشلاء جثة على قضبان السكة الحديد في سوهاج    مصرع 3 عناصر إجرامية في تبادل إطلاق النيران مع الشرطة بقنا    البيع تم قبل شهور.. مصدر مقرب يكشف مصير مطعم صبحي كابر    أجواء معتدلة وشبورة مائية.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس الأحد بدرجات الحرارة    أحمد السقا يشارك ابنة علاء مرسي رقصة رومانسية في حفل زفافها (صور وفيديو)    ريهام أيمن أمام حمام السباحة و"سيلفي" مايان السيد وهيدي كرم.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| علاء مرسي يبكي في فرح ابنته وأخرى تجري عملية جراحية وحقيقة وفاة إعلامي شهير    استئصال ورم كبير من قلب مريضة بمستشفى جامعة أسيوط    رابع مُنتج للمشروبات في العالم يبحث التوسع في السوق المصرية    مع اقتراب العدوان على غزة من عامه الأول .. الاحتلال يواصل استهداف المدنيين واستشهاد قيادي في "القسام"    إعلام لبناني: صعوبات في وصول الإطفاء والدفاع المدني لأماكن الغارات الإسرائيلية    الرئيس الأوكراني: الأسبوع المقبل ربما يكون إيجابيا بشأن دفاعاتنا    الأردن يرحب بدعوة ماكرون وقف تصدير أسلحة للاحتلال تستخدم في حرب غزة    ملك إسبانيا: "الدمار في غزة ولبنان يجب أن ينتهي"    قصة تريند بيع مطعم صبحي كابر.. «الطلبات شغالة وانتظروا فيديو للحاج» (صور)    كنيسة الروم بلبنان لأهل الجنوب: نحن بحاجة للتمسك بأرض أجدادنا لا تتركوا أرضكم ودياركم    عرض «فرص الاستثمار» على 350 شركة فرنسية    أحمد عبدالحليم: الزمالك استحق لقب السوبر الإفريقي و«الجماهير من حقها الفرحة»    لاعب سيراميكا كليوباترا: مواجهة الأهلي صعبةبعد خسارته السوبر الإفريقي    «مرموش» يقود آينتراخت أمام البايرن للانفراد بالصدارة    5 تعليمات صارمة من محمد رمضان للاعبي الأهلي في أول اجتماع    «خرجت برا السيستم».. سيف زاهر يكشف تفاصيل الجلسة العاصفة بين كولر وإمام عاشور    قفزة في سعر الفراخ البيضاء والبلدي وثبات كرتونة البيض بالأسواق اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    عيار 21 الآن يواصل انخفاضه.. أسعار الذهب بالمصنعية اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 بالصاغة    "نيويورك تايمز" ترصد تأثيرات صراع الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي    الحكومة تحذر من استغلال مزايا استيراد سيارات ذوي الهمم    ننشر صورة طالب لقي مصرعه إثر تصادم موتوسيكل وملاكي بقنا    جوجل والجنيه.. دعم ل«الصناعة المحلية» أم عقاب لصنّاع المحتوى؟    رقم قياسي جديد لرحلات البالون الطائر في سماء الأقصر    تحرير 4 محاضر مخالفات تموينية بسيدي غازي    رئيس شعبة الدواجن يكشف سر ارتفاع أسعار الفراخ    هل ستلغى معاشات الضمان الاجتماعي؟.. التضامن توضح    تعيينات وتنقلات جديدة للكهنة في مطرانية الأردن للروم الأرثوذكس    أعشق السينما ومهمومة بكل تفاصيلها.. كلوديا حنا عن مشاركتها كعضو لجنة تحكيم بمهرجان الإسكندرية    «المضل» في بني سويف تضم «مزامير» داود وكنوزًا زاخرة    محمد أنور: «ديبو» أول مسلسل مصرى تدور أحداثه فى فندق للحيوانات ونجاحه نقلة فى مشوارى ( حوار )    وائل جسار: عايشين حالة رعب وخوف في لبنان.. ودعم مصر مش جديد علينا    نائبا رئيس الوزراء أمام «النواب» غدًا    نقيب الأطباء: الطبيب في مصر متهم حتى تثبت براءته عكس كل المهن    مسلسل تيتا زوزو الحلقة 11، ريم تكشف لخالد أنها حبيبته الأولى وال AI يشعر زوزو بالونس    المصل واللقاح: موسم الخريف شهير بالعدوى التنفسية وأسوأ من فصل الشتاء    رمضان عبدالمعز: الاحتفال بنصر أكتوبر مهم لأنه أمر إلهي    الصحة: فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يتفقد مستشفى الغردقة العام ويحيل واقعة تقصير للشئون القانونية    تناول الطعام في الوقت المناسب يقلل من الإصابة بمرض السكري    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استنفار عالمى ضد الجيش اللبنانى.. البلا سلاح
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 08 - 2010

ظهيرة يوم الثلاثاء الواقع فيه الثالث من أغسطس الماضى تفجر «الخط الأزرق» الذى أحلته حرب تموز 2006 محل الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة بالدم، إثر اشتباك بين الجيش اللبنانى وقوات الاحتلال الإسرائيلى، فسقط ثلاثة شهداء لبنانيين بينهم جنديان ومراسل صحافى، بينما قتل ضابط فى جيش العدو وأصيب عدد من جنوده.
اهتز العالم جميعا، وتوالت ردود الفعل الدولية مستغربة ومستنكرة وآخذة على الجيش اللبنانى أنه واجه فوق أرضه العدو الإسرائيلى بالرصاص، فصد اختراقه لمنطقة لبنانية، وإن اعتبرتها القوات الدولية ملتبسة التابعية ولذلك لم يشملها الخط الأزرق، بل أبقاها «رمادية»... وبالتالى نقطة احتكاك دائمة.
تفرغت سلطة الاحتلال الإسرائيلى لمعالجة هذا التطور الدراماتيكى. استنفرت جيشها ومعه أصدقاؤها الكثر فى العالم، بدءا بالعواصم الكبرى إلى الوسطى والصغرى، كما أثارت رعب أصدقائها من أهل النظام العربى الذين لم يظهر معظمهم أى تضامن علنى مع لبنان وجيشه الصغير، بل لعل بعضهم قد اتصل بأهل الحكم فى لبنان متخوفا، مذعورا، معلنا سلفا عجزه عن حماية لبنان من مغبة هذه المغامرة المتهورة فى هذا الظرف العصيب.
«كيف تجرأ هؤلاء الجنود بأسلحتهم الخفيفة (والعتيقة) على إطلاق النار على الجبار الإسرائيلى؟! وكيف ستواجهون الموقف الصعب؟! لقد أسأتم إلى قوات الطوارئ الدولية، فماذا تفعلون لو انسحبت؟! لسوف تكون شهادة قيادتها أمام مجلس الأمن ضدكم!. ثم، لماذا ورطتم أنفسكم وورطتمونا معكم فى هذا المأزق؟!».
تصرفت إسرائيل، ومعها العالم، بما يؤكد أن قوات الطوارئ إنما جاءت كحرس لحدودها وليس لتأمين لبنان الضعيف عسكريا من مخاطر اجتياحاتها المتكررة منذ العام 1972. «فالقبعات الزرق» تقيم فى الأرض اللبنانية، وتتحرك فوقها، وليس من مهماتها التصدى مثلا للطيران الحربى الإسرائيلى، الذى يجوب الآفاق اللبنانية يوميا، ولا منع الطائرات من دون طيار من اختراق الأجواء من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، تصور كل من وما يتحرك، وترصد حركة الناس فى قراهم التى أعاد أهلها بناءها للمرة الرابعة أو الخامسة نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، خلال فترة الاحتلال، وقبل التحرير الذى أنجزته المقاومة فى 25 مايو من العالم 2000.
بل إن إسرائيل قد تصرفت، وجعلت العالم يتصرف، وكأن يوم الثالث من أغسطس 2010 هو اليوم الأول فى الحرب الجديدة.. السابعة التى تشنها على لبنان! وعبر تصرفها المحموم تكشف حجم الرعب الذى تعيشه، فحرب تموز لا تزال وقائعها طرية فى ذاكرتها... والاشتباك وقع فى غمار ذكراها الرابعة!
الجديد أن الجيش هو من أطلق النار، هذه المرة، وهذا تطور غير محسوب وليس فى التقدير مطلقا! فالجيش الصغير عددا والفقير عدة هو ابن الأرض. والشهداء الثلاثة الذين سقطوا من أبناء الجنوب، ليسوا وافدين (كالفلاشا)، وليسوا طارئين. أحد الجنديين ابن درب السيم، وهى حارة فى ظاهر صيدا، والثانى ابن دير الزهرانى، التى تقوم على حراسة صيدا من جنوبها، والمراسل الصحافى الذى قتله التزامه الوطنى بواجبه المهنى جنوبى أيضا، تتظلل بلدته الكفير جبال حرمون التى تتدرج نزولا مع هضاب الجولان السورية لتنغرس فى لحم السهول الفلسطينية. وهذه القرى الثلاث قد هدمتها الغارات والاعتداءات الإسرائيلية بدل المرة مرات، وهجرت أهلها ألف مرة.
لكن أهلها كانوا يعيدون بناءها. وبعد حرب تموز، وفشل العدو الإسرائيلى فى الانتصار على المقاومة أى أهل الأرض ارتفع البناء مع الطمأنينة إلى أعلى.. واختار الأهالى أن يجعلوا بيوتهم الجديدة فوق التلال والهضاب وليس فى سفح الخوف. لقد اطمأنوا الآن إلى قوتهم، مع هزيمة الحرب الإسرائيلية، مرة جديدة. فمن قبل، تحديدا فى الخامس والعشرين من مايو 2000 أفاقوا فلم يجدوا أثرا لجيش الاحتلال الإسرائيلى الذى اجتاح تلك الأرض فى 16 مارس 1987، وانشأ فيها «منطقة حكم ذاتى» منفصلة عن الدولة فى بيروت، واستمر حتى التحرير.
قبل هذا «الحادث الخطير» كانت إسرائيل مسترخية، تواصل قضم فلسطين على مهل وباستمتاع ظاهر، لا تنغصه الجولات المكوكية للوسيط الأمريكى بلا موضوع جورج ميتشيل، والذى لم يكن يملك للتأثير على الاحتلال الإسرائيلى سوى ابتسامته البلاستيكية والصبر على الرفض المتكرر لعروضه المتضمنة مع كل جولة المزيد من التنازلات الفلسطينية.
حادث واحد على الحدود (الافتراضية) مع لبنان استنفر إسرائيل والعالم معها، جميعا: إسرائيل المفاعل النووى والطيران الحربى الأقوى فى نصف العالم، والقبة الحديدية والصواريخ التى تطاول الشمس، مالكة وصانعة أقوى الدبابات، مصدرة الطائرات من دون طيار التى تجوب الآفاق من حولها دون رادع، مالكة الأسطول البحرى الجبار بالغواصات التى تسير بالطاقة النووية: هذه الإسرائيل الجبارة اهتزت نتيجة «حادث حدودى» مع الجيش اللبنانى... لماذا؟! هل لأن تجربتها فى حرب تموز قد جعلتها تخاف مقاومته التى قاتلت لثلاثة وثلاثين يوما فى أرضها، فلم يهرب المجاهدون ولم ينسحبوا وواجهوا وثبتوا فى مواقعهم حتى لحظة إعلان «وقف العلميات الحربية»؟!
صدام محدود، مفاجئ وغير مخطط له، هز هناء إسرائيل الثكنة هائلة القدرات، برا وبحرا وجوا..
فصيلة من الجنود اللبنانيين، أسلحتهم فردية. بلا حماية جوية. ولا ثكنات لهم فى المنطقة الحدودية بعدما دمرت الاعتداءات الإسرائيلية الثكنات القديمة فلم تجدد. والطيران الحربى الإسرائيلى، بطيارين ومن دونهم، يحلق فوق رءوسهم على مدى الساعة. فوق مقار قياداتهم العليا، السياسية منها والعسكرية. فوق القصر الجمهورى وسراى الحكومة والبرلمان و«الداون تاون» والمصارف وعلب الليل والملاهى جلابة المصطافين وعلب الليل حيث الفتنة لا تنام: هذه الفصيلة من الجنود البسطاء، الفقراء إلى التجهيز والحماية، أقضت مضجع إسرائيل وجعلها تستنفر العالم لحمايتها!
لا تحتمل هذه الدولة هائلة القوة والقدرات المادية هزيمة ولو صغيرة.
هى مطمئنة إلى حدودها جميعا. العالم يحرس جهاتها الأربع، البرية والبحرية.. والجوية. فى الجولان قوات دولية. فى لبنان قوات دولية. فى سيناء قوات مراقبة دولية خارج نطاق الأمم المتحدة، فى الأردن تحرسها كلمة الشرف الملكية والمصالح المشتركة وبعض المراقبين من حول مجرى نهر الأردن.. فضلا عن سيفها الطويل!
إسرائيل، إذن، ليست محاصرة، بل هى تحاصر كل دول جوارها، برا وبحرا وجوا.. فضلا عن أنها تلتهم فلسطين مدينة مدينة، قرية قرية، بالمستوطنات التى تتوالد من ذاتها فتمسح آثار الوجود التاريخى العريق للشعب الفلسطينى فى أرضه على مر القرون، وصولا إلى القدس التى تكاد تبيد أى أثر لأهلها الذين كانوا أهلها دائما!
حادث حدودى واحد على تخوم بلدة العديسة، غير بعيد عن «بوابة فاطمة» الشهيرة فى خراج بلدة كفر كلا، المواجهة للمستعمرة الإسرائيلية مسكاف عام، والتى كان اسمها الأصلى «المطلة»، وكانت لبنانية، جعل مراكز القرار فى العالم كله تستنفر: مجلس الأمن، الأمم المتحدة، قيادة قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل).
دائما إسرائيل هى الضحية.
تحتل، تقتل، تدمر المدن والقرى، تحاصر شعب فلسطين كله، وليس فى غزة فحسب. تحاصر مصر وسوريا والأردن ولبنان، برا وبحرا وجوا. ومع ذلك فهى الضحية! تقتل المتطوعين لنجدة أهل غزة فى باخرة الحرية فى عرض البحر، ثم تظهر ضحاياها مسئولين لحملهم الهراوات وسكاكين المطبخ!
مرة أخرى يثبت لبنان، الصغير مساحة، الضعيف بإمكاناته العسكرية، القوى بإرادة المقاومة فيه، إنه «أقوى من إسرائيل»... وليس الحادث الحدودى الأخير إلا الشاهد الحى على الرعب الإسرائيلى من إرادة المقاومة... على أن إسرائيل مطمئنة إلى أن أهل النظام العربى سيتولون بالنيابة عنها ولحسابها مكافحة هذه الآفة الخطيرة، مهددة السلام فى الكون، والتى اسمها المقاومة.
شهداء لبنان الجدد قدموا الدليل على أن إسرائيل قوية أولا وأساسا بالضعف العربى وجبن النظام العربى عن المواجهة.. وبعد ذلك يمكن الحديث عن القبة النووية وأساطيل الطيران والبحرية والجيش الذى لا يقهر.. والذى كسر هيبته بعض الجنود البسطاء، بسلاحهم الفردى، لأنهم يستندون بظهورهم إلى تجربة ناجحة حققتها المقاومة بالتحرير ثم بالانتصار على الحرب الإسرائيلية قبل أربع سنوات من يوم الاشتباك الذى أضاء مصباحا فى الليل العربى البهيم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.