ويذكر خلال سطور الكتاب أن أهم أعضاء الجسم البشري هو المخ لأنه هو المسؤول عن استيعاب 90٪ من طاقة الطفل، ولكن إذا حدث أي تدخل في هذه الطاقة أثناء فترة الطفولة فستنجم عن ذلك آثار خطيرة ودائمة وأخطر ما يؤثر في مخ الطفل هو الأمراض الطفيلية والمعدية، حيث تعوق النمو الطبيعي، فالطفيليات تؤثر على عملية امتصاص الطعام والفيتامينات من الأمعاء، وكذلك تبطل نمو الخلايا بالجسم، كما تقوم بتوجيه الطاقة إلى جهاز المناعة بدلًا من المخ مما يؤثر على نسبة ذكاء الطفل في سن البلوغ. في كتابه الممتع والبعيد عن التعقيد، "قراءة للعقل المصري"، الصادر عن دار الكرمة، يقدم لنا الدكتور أحمد عكاشه، أحد أهم الأطباء النفسيين في العالم العربي، تحليلًا نفسيًا عميقًا للمصريين خلال السنوات الأخيرة، فيفسر لنا العديد من الظواهر التي نستغربها، ويشرح الكثير من التصرفات التي لا نفهمها حاليًا. من الأسئلة التي يتناولها أستاذ الطب النفسي الكبير بالشرح والتحليل والتفسير في كتابه يأتي سؤال هل الذكاء المصري في خطر؟، ليجيب أنه من المحير ما توصلت إليه الدراسات الحديثة من أن الملكات المعرفية تتفوق في بعض البلدان عن غيرها، وأنه كلما ارتفع مستوى النمو الاقتصادي والديمقراطي لدى وطن ارتفع بالتالي معدل الذكاء به. وأرجع أسباب ذلك التفاوت في الملكات الفكرية بما سُمي «تأثير فلين»، الذي يتأثر أيضًا بمستوى الدخل والتعليم والعمل غير الزراعي، حيث استطاع جيمس فلين، من خلال أبحاثه أن يثبت أن معدل الذكاء يزداد ارتفاعًا على مدار الأجيال، ومعدل ذكاء الأجيال الحالية أكثر ازديادًا عن الأجيال السابقة، وأن لذلك علاقة طردية بالنمو الاقتصادي والتكنولوجي. ويشير إلى أن الدراسات أثبتت أن من أخطر أمراض الطفولة تأثيرًا على نسبة الذكاء لدى الطفل هو الإسهال، وكذلك يؤدي مرض الإصابة بفقر الدم (الأنيميا)، خاصة نقص الحديد، لانخفاض نسبة الذكاء لدى الأطفال أو الكبار، لأنه بمثابة المسؤول عن إمداد المخ بالأكسجين اللازم، ويؤكد أن نسبة الإصابة به في مصر 30٪ من إجمالي سكانها، منهم 70٪ أطفالًا، أي حوالي 42٪ من أطفال مصر يعانون من أنيميا نقص الدم. ويرى أستاذ الطب النفسي أن بعض العادات الغذائية تؤدي إلى منع امتصاص الحديد في الدم، كاحتساء الشاي بعد وجبات الطعام، وتناول الفول مع قشره لأن القشرة الخارجية للفول تحتوي على فايتات مانعة لامتصاص الحديد. توصي الدراسات التي ذكرها "عكاشة" بضرورة اهتمام الدول بحصول مواطنيها على الماء الآمن وغير الملوث بالصرف الصحي، والتطعيم، والأدوية، لتقل الإصابة بالأمراض المعدية والطفيلية، وبذلك تتحسن نسب الذكاء. ويستعين عكاشة بما ذكره كتاب لين وفانهامن عن «معدل ذكاء الأمم»، وحسب «تأثير فلين»، نجد أن أعلى معدل ذكاء في هونج كونج (107)، ثم كوريا الجنوبية (106)، ثم اليابان (105)، ثم الصين (104)، ثم سنغافورة (103)، ثم النمسا وإيطاليا وألمانيا (102)، أما في البلاد العربية فنجد أن ترتيب لبنان ❞ بين 185 دولة هو (52) بمعدل ذكاء (86)، والمغرب (54) بمعدل ذكاء (85)، أما مصر والسعودية والإمارات فتحتل رقم (60) بمعدل ذكاء (83)، والسودان رقم (70) بمعدل ذكاء (72). ويخلص أستاذ الطب النفسي الكبير أن على مصر أن تعمل على محاربة الأمراض المعدية والأمراض الطفيلية في الريف أو الحضر على حدٍّ سواء، وأن تقوم بحملات توعية لمواطنيها بأنواع الأطعمة المختلفة المانعة لامتصاص الحديد في الدم، والتي تؤدي بالتالي للإصابة بمرض فقر الدم، وأخيرًا أن تهتم بتحسين المستوى التعليمي والثقافي والاقتصادي لجميع أفراد الشعب من أجل النهوض بالذكاء المصري وإعادته لسابق عهده. أحمد عكاشه طبيب نفسي مصري من مواليد 1935. تخرج في جامعة عين شمس عام 1957، ثم سافر في بعثة دراسية إلى إنجلترا. وعند عودته كان أول من أدخل قسم الأمراض النفسية في كليات الطب في مصر عام 1964. ألَّف واشترك في تأليف 47 كتابًا، و276 بحثًا علميًّا، وهو رئيس وعضو هيئة تحرير أكثر من 20 مجلة طب نفسي محلية وعالمية. ترأس، في فترات مختلفة، الجمعية المصرية للطب النفسي، والجمعية المصرية للطب النفسي البيولوجي، واللجنة العلمية لزمالة الطب النفسي المصرية، واتحاد الأطباء النفسيين العرب، والجمعية العالمية للطب النفسي. نال الدكتور عكاشه جوائز وأوسمة عديدة، أهمها: الجائزة التقديرية الرئاسية من الجمعية الأمريكية للطب النفسي سنة 2006، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى لسنة 2013. ا. ا. ا. ا. ا. ا. ا. ا. ا.