«اسمى سعد سعد، وهو بالعربية يعنى أمل أمل وبالإنجليزية حزين حزين، كنت أود لو أتمسك بالمعنى العربى، بالوعود المزدهرة التى يخطها فى السماء، كنت أتمنى لو أنى اتخذت من الكرامة المحرك الوحيد لو أنى أموت وأكبر وتنفست فى المكان الذى ولدت فيه، مثل شجرة تفتحت وسط ذويها ثم تغدق رفضها فى المقابل، بعد أن تنهى رحلتها الصامدة فى الزمن، كنت سأسعد أن أتقاسم وهم السعداء الظانين أنهم يشغلون أجمل موقع فى العالم من دون أن يقوموا بأى رحلة تتيح لهم عقد المقارنات، هذا النعيم انتزعته منى الحرب والديكتاتورية والفوضى وآلاف العذابات وازدياد الموتى (...). اسمى سعد سعد، ويعنى بالعربية أمل أمل وبالإنجليزية حزين حزين. أحيانا أكون سعد الأمل، وأحيانا سعد الحزين، ومع ذلك وبكل تأكيد أنا فى عيون العدد الأكبر لا شىء». مقطع من رواية «أوليس من بغداد» فارا من بغداد وفوضاها، يتمنى سعد أن يلحق بأوروبا، أن يفر من الجحيم ليبدأ حياة ثانية فى لندن. لكن اجتياز الحدود يعد أمرا شديد التعقيد، يكاد يكون مستحيلا. تبدو رحلته اليوم فى عالمنا المعاصر شبيهة برحلة أوليس تعترضها العثرات واللقاءات الدالة والكوارث الطبيعية. بقلمه الماكر يحكى إريك إيمانويل شميت ملحمة هؤلاء الرجال الذين يدعون «المهاجرين غير الشرعيين» ومصير هؤلاء المجذوبين بوهم أوروبا. وعلى عكس أوليس لا يعود هؤلاء إلى وطنهم من جديد بل يبحثون عن مكان جديد تحت الشمس، مكان لا تنتظرهم فيه أى «بينيلوب»، تلك الزوجة الأسطورية، التى ما فتئت تنتظر عودة أوليس تفك كل يوم ما حاكته بالأمس فى رحلة طويلة من الصبر والانتظار والوفاء. يقابلون العديد من العقبات، لكنها ليست غضبة الآلهة الصغيرة، التى كانت تفترش طريق البطل الملحمى، لكنها مكائد أشد فتكا صنعت من نفس جنس بنى الانسان. يمزج إيريك إيمانويل شميت الحس الإنسانى بالكتابة الساخرة، ويلقى الضوء على أسئلة خطيرة بأسلوب رهيف من أمثلة ما معنى الحدود؟ إلى أى عالم نحن مقدمون؟ ما حقيقة الهوية هل صنعت من حجر أم من دخان؟ يعبر إيريك بروحه الساخرة عن كرهه للحدود، التى تفتت الإنسان وأحلامه إلى شذرات متناثرة «الحدود، لنا كل الحق أن نتساءل لماذا توجد؟» يقولها الكاتب ليصنع منها نصا فريدا. مستندا على التاريخ وتنويعاته الفلسفية تقع هذه الرواية فى منطقة وسط فى أعمال شميت بين روايتى «السيد إبراهيم وزهور القرآن» من ناحية ورواية «ناحية الآخر». عرف إيريك إيمانويل شميت الذى ولد عام 1960 حصل على درجة الدكتوراه فى الفلسفة، ككاتب مسرحى حين بدأ بكتابة مسرحية «الزائر»، التى تدور حول لقاء متخيل بين الله وسيجموند فرويد، وأصبحت هذه المسرحية من الريبرتوار الذى يجول مسارح أوروبا. كما عرف فى العالم العربى حين دعى إلى القاهرة بمناسبة الاحتفال بمرور 30 عاما على اتحاد كتاب مصر وقام الكاتب محمد سلماوى بترجمة روايته «السيد إبراهيم وزهور القرآن»، التى تحولت إلى فيلم سينمائى قام بدور البطولة فيه الفنان عمر الشريف. واعترف شميت للجمهور المصرى أثناء زيارته للقاهرة عن ظروف كتابة روايته أنه عرف طريقه للإيمان عندما تاه فى صحراء الجزائر الشاسعة، وأدرك أن الموت لا محالة قادم، لكنه نجا من الموت وفق سيناريو قدرى لم يكن له دخل فيه، فخرج من صحراء الجزائر مؤمنا وكاتبا قادرا على الكتابة بعد أن كبلته الفلسفة سنوات طويلة. فيرى شميت من خلال مسيو إبراهيم وزهور القرآن أن الإسلام دين حيوى يحتفى بالإنسان، وأن المسلم عكس ما تصوره السينما العالمية والإعلام الغربى يميل إلى التسامح، ويرى أن المسلمين لعبوا دورا مهما فى خدمة القضايا الإنسانية ولا يستطيع إلا جاحد أن ينكر هذا الأمر. ورغم الاحتفاء الذى قوبل به عمله الذى تناول الإسلام بشكل صوفى يعلى فيه القيم الإنسانية الرفيعة والتسامح إلا أنه لم يكن بحثا فى الاسلام فى حد ذاته بل تقع هذه الرواية ضمن مجموعة من أربعة أعمال أطلق عليها الكاتب اسم «دورة اللامرئى» استعار فيها الكاتب. الذى يطلق عليه لقب تلميذ ديدروه، شكل القصة الفلسفية، فتناول البوذية فى «ميلاريبا» واكتشف الاسلام فى «السيد إبراهيم وزهور القرآن»، والألحاد فى «أوسكار والسيدة الوردية» والعلاقة بين اليهود والمسيحيين فى «طفل نوح». بالإضافة إلى تيمة الطفولة والروحانية، التى تتقاسمها تلك الأعمال، هناك خط شفيف يجمع بينها هى أن الآباء ليسوا مطالبين بتفسير الدين لأبنائهم بالرد والحجة القوية بل على العكس يطرح شميت صورة الطفل الباحث، الذى يطرح السؤال أكثر منه يقدم الإجابات.