وزير الخارجية والهجرة يلتقي مع مدير عام العمليات بالبنك الدولي    مباحث الجيزة تكثف جهودها للقبض على لص السيارات بالهرم (صور)    موعد عرض مسلسل "إنترفيو" الحلقة 6    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    هل سيرتفع سعر الخبز السياحي بعد زيادة أسعار الأنابيب    فصائل المقاومة العراقية تستهدف قاعدة إسرائيلية بطائرات مسيرة    استشهاد 4 أطفال ووالدتهم في قصف إسرائيلي على منزل بدير البلح    الأخبار العاجلة وأهم الأحداث الدولية فى تغطية إخبارية لليوم السابع.. فيديو    جوميز يطيح بنجم الزمالك بعد السوبر الأفريقي.. مدحت شلبي يكشف التفاصيل    «فودافون» تعلن سبب وموعد انتهاء أزمة نفاد الرصيد    حالة الطقس اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    أسعار اللحوم اليوم الاثنين 23-9-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-9-2024    ألمانيا.. حزب أولاف شولتس يفوز في انتخابات ولاية براندنبورج    برلمانية أوكرانية: خسارة أوكرانيا لمدينة أوغليدار مسألة وقت    ماكرون يدعو إلى إعادة التفكير في "العلاقة مع روسيا"    تشكيل النصر المتوقع أمام الحزم في كأس الملك.. من بديل رونالدو؟    شعبة الأدوية: الإنسولين المستورد متوفر في كل الصيدليات.. ومعظم النواقص أصبحت موجودة    إيمي سمير غانم تتعرض ل أزمة صحية مفاجئة.. ما القصة؟    حيفا تستعد لاستقبال صواريخ حزب الله    اليوم.. حفل توزيع جوائز مسابقة هيكل للصحافة العربية لعام 2024    وفاة اللواء رؤوف السيد رئيس "الحركة الوطنية".. والحزب: "كان قائدًا وطنيًا"    ثمانية أيام راحة للاعبي المصري والفريق يستأنف تدريباته في الأول من أكتوبر المقبل    نائب رئيس الوزراء يكشف حقيقة ما تم تداوله بشأن الحالات المرضية في أسوان    تكثيف البحث عن شقيق اللاعب عمرو ذكي بعد تعديه على حارس عقار بالمنصورة    طلب جديد لإيقاف القيد.. محامي حسام حسن يكشف تفاصيل صادمة بشأن أزمة المصري    خلال شهرين، عطل يضرب شبكة فودافون    المهندس عبد الصادق الشوربجى: صحافة قوية فى مواجهة التحديات    ملف يلا كورة.. منافس الأهلي.. مدرب المنتخب.. وموعد قرعة دوري الأبطال    "بالتوفيق يا فليبو".. صلاح يوجه رسالة لأحمد فتحي بعد اعتزاله    وفاة اللواء رؤوف السيد رئيس حزب الحركة الوطنية    عرض «كاسبر» يناقش القضية الفلسطينية في مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي ال14    أطفال التوحد خارج مقاعد الدراسة..والأصحاء مكدسين فوق بعض بمدارس "المزور"    بدء تشغيل شادر نجع حمادي الجديد في قنا بتكلفة 40 مليون جنيه    رئيس غرفة صناعة الدواء: كل الأدوية تحتاج تعديل أسعارها بعد تعويم الجنيه    شعبة الأدوية توضح كيفية الحصول على الدواء الناقص بالأسواق    رانيا يوسف: فيلم التاروت لم يكن يوما ممنوعا.. وحصل على موافقة الرقابة    رامي صبري يطرح أغنية «أهلي أهلي» تتر «تيتا زوزو» بطولة إسعاد يونس (فيديو)    «مراتي بقت خطيبتي».. أحمد سعد يعلق على عودته ل علياء بسيوني (تفاصيل)    «بسبب علامة غريبة على وجه ابنته».. زوج يتخلص من زوجته لشكه في سلوكها بمنطقة بدر    «البحوث الزراعية» تكشف أسباب ارتفاع أسعار الطماطم والبطاطس (فيديو)    القبض على شخص قاد سيارته داخل مياه البحر في دهب    ارتفاع درجات الحرارة وأمطار.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس اليوم الإثنين    وفاة والد الإعلامي أحمد عبدون    الأزهر يُعلن تكفله بكافة مصروفات الدراسة للطلاب الفلسطينيين بمصر    ملف رياضة مصراوي.. قميص الزمالك الجديد.. مدرب منتخب مصر للشباب.. منافس الأهلي في إنتركونتيننتال    ماذا سيعلن وزير الصحة من مؤتمره الصحفى بأسوان اليوم؟.. تفاصيل    محمد عدوية وحمادة الليثي.. نجوم الفن الشعبي يقدمون واجب العزاء في نجل إسماعيل الليثي    انتداب المعمل الجنائي لفحص آثار حريق منزل بالجيزة    ميلان يحسم ديربي الغضب بفوز قاتل على الإنتر    وكيل «صحة الشرقية» يجتمع بمديري المستشفيات لمناقشة خطط العمل    هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة جماعة مع زوجي؟.. سيدة تسأل والإفتاء تجيب    بالصور .. الأنبا مقار يشارك بمؤتمر السلام العالمي في فرنسا    محمود سعد: الصوفية ليست حكراً على "التيجانية" وتعميم العقاب ظلم    بالفيديو.. خالد الجندي يرد على منكرى "حياة النبي فى قبره" بمفأجاة من دار الإفتاء    كيف تُحقِّق "التعليم" الانضباطَ المدرسي في 2024- 2025؟    الجامع الأزهر يتدبر معاني سورة الشرح بلغة الإشارة    اللهم آمين | دعاء فك الكرب وسعة الرزق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يسألونك عن التوريث
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 11 - 2009

أرأيت كيف هان أمرنا وخاب أملنا حتى صارت أوطاننا تركة تورّث، وأصبحت شعوبنا كتلا آدمية مصلوبة على أوهام ووعود لم تتحقق.
(1)
حدثنى صديق أنه حضر فى الستينيات معسكرا لمنظمة الشباب أقيم فى مدينة حلوان، وضم نخبة من طلاب الجامعات النابهين الذين ملأتهم أجواء ذلك الزمان بالثقة والطموح، وفى المحاضرات التى ألقيت عليهم وقتذاك رددوا على مسامعهم عدة مرات أن واحدا منهم سيكون رئيسا لجمهورية مصر فى المستقبل.
صدق صاحبنا الكلام، واقتنع بأن المستقبل مفتوح أمام ذلك الجيل. وطوال الأربعين سنة الماضية لم يتحقق شىء مما سمعه، ولكن ظلت أحلام جيله تتبخر واحدا تلو الآخر، وإذ جاوز الستين من العمر هذه الأيام، فإنه انتهى يائسا.
وفاقدا الأمل فى كل شىء، وغير قادر على أن يصدق ما يقال عن توريث السلطة فى مصر.
فى العدد الأخير من الطبعة العربية لمجلة «نيوزويك» (17/11) كتب أحد المثقفين اليمنيين يقول عن الرئيس على عبد الله صالح إنه أمضى فى موقعه 31 عاما «صادر خلالها أحلام الوطن وأباد كل أسباب وممكنات وجوده وتقدمه، وظل عائقا أمام قدرتنا على التفكير بما يمكن الوطن من استعادة أمله فى أن ينهض من كبواته المستدامة وتعثره المزمن..
ولئن كان محور اهتمام القادة الحقيقيين فى العالم هو الإنسان والوطن والتقدم، فإن محور اهتمام قائدنا هو العرش ونقله ميراثا لأجياله. فسيَّج البلاد بكل أسباب انتقاله، ولغَّم معابر الوصول إليه بكل أشكال الفوضى، وإبداع صناعة الملهاة».
لا نحتاج إلى مزيد من الشواهد حتى ندلل على أن توريث السلطة أصبح بدعة هذا الزمان فى الجمهوريات العربية، التى ظننا حينا من الدهر أن انتقالها من النظام الملكى إلى الجمهورى هو خطوة إلى الأمام، لكنه ظن خيبته تجربة الدول العربية الحديثة، التى أجهضت الآمال المبكرة التى علقت عليها.
إذ أصبح التوريث حاصلا أو واردا فى ست دول عربية، بعضها تم فيها ذلك بصورة رسمية، والبعض الآخر صار التوريث واقعا فيه لكنه لم يستكمل شكله القانونى بعد، أما البعض الثالث فالتوريث فى مرحلة الإعداد والترتيب.
(2)
كانت سوريا سباقة فى هذا الباب، فقد عدل دستورها وتم تخفيض شرط السن لتمكين بشار الأسد الذى كان عمره وقتذاك 34 سنة، من شغل منصب رئيس الجمهورية وهو ما تم سنة 2000.
وبعدما انفتح الباب طُرح بقوة اسم السيد جمال مبارك فى مصر، الذى يتولى الآن أمانة السياسات فى الحزب الوطنى.
وثمة شبه إجماع فى الدوائر السياسية بأن الرئيس القادم لمصر، فى انتخابات عام 2011 سيكون جمال مبارك (46 عاما) إذا لم يرشح الرئيس مبارك نفسه. وترشيح مبارك الابن ليس آتيا من فراغ،
ولكنه ينبنى على شواهد عدة، أهمها أن تعديل المادة 76 من الدستور المتعلقة بالترشح للرئاسة فى مصر، وضع شروطا لا يمكن أن تنطبق إلا على مرشح الحزب الوطنى.
ومعلوم أن الحزب فى ظل الأوضاع الراهنة لن يرشح للرئاسة غير أمين السياسات فيه، الذى يقوم الآن بدور لا يستهان به فى صناعة القرار السياسى.
النموذج المصرى تكرر فى ليبيا بصورة نسبية، إذ مثلما برز دور جمال مبارك فى المجال العام وأنشئت له أمانة السياسات، لكى يتولى من خلالها توجيه مختلف مجالات الشأن الداخلى، فإن المهندس سيف الإسلام القذافى (37 سنة) بعد أن قام بعده أدوار فى سياسة بلاده الداخلية والخارجية، عين أخيرا منسقا عاما للقيادات الشعبية، وهو أعلى منصب فى السلطة بعد العقيد القذافى.
وقيل إنه كان ينبغى أن يتولى ذلك المنصب «لكى ينفذ مشروعه الإصلاحى لبناء ليبيا الغد». الأمر الذى رشحه بصورة مباشرة لخلافة والده على رأس السلطة.
لم يعد سرا أن الترتيبات فى اليمن تمضى فى ذات الاتجاه. إذ يتردد بقوة اسم المقدم أحمد ابن الرئيس على عبد الله صالح، باعتباره المرشح لخلافة والده، وهو يشغل الآن منصب قائد الحرس الجمهورى رغم أنه فى العشرينات من عمره.
ولضمان ذلك فإن الأسرة تمسك بمفاتيح أجهزة الأمن فى البلد. فعمار ابن عمه مسئول عن الأمن القومى وشقيقه يحيى الرجل القوى فى وزارة الداخلية، والأخ غير الشقيق للرئيس على محسن يقود الجيش فى المناطق الشمالية.
«الطبخة» جارية على قدم وساق فى تونس. ذلك ان الرئيس زين العابدين بن على عدل دستور بلاده لكى يسمح له بالبقاء فى السلطة مدى الحياة، فى عودة لما كان عليه الحال فى عهد الرئيس بورقيبة الذى أخذ عليه بن على رئاسته المؤبدة وأعلن فى عام 1987 أنها ستكون لمدتين فقط (!) وبعد ذلك اتجه إلى ترتيب أمر خلافته، فدفع صهره وزوج ابنته محمد صخر الماطرى (28 سنة) إلى الصف الأول من المشهد السياسي، حيث أصبح عضوا فى اللجنة المركزية للحزب الدستورى الحاكم، ثم انتخب مؤخرا عضوا فى مجلس النواب. وهو فى الوقت نفسه يدير إمبراطورية مالية كبيرة تضخمت فى عهد صهره.
إذ إضافة إلى تأسيسه إذاعة «الزيتونة» للقرآن الكريم، فإنه أسس الآن بنك الزيتونة، وله أسهم فى بنك الجنوب، إضافة إلى استحواذه على 70٪ من أسهم دار الصباح، أعرق المؤسسات الصحفية فى تونس. كما أنه يدير شركات عدة فى مجالات الصناعات الدوائية والعقار والسياحة.
الأخ غير شقيق للرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة يهيأ بدوره لخلافته، وهذا الأخ (سعيد) يشغل الآن منصب الطبيب الخاص للرئيس وكاتم أسراره، لذلك فإنه يلازم الرئيس عبد العزيز فى كل جولاته الخارجية. وقد أقدم مؤخرا على تقديم طلب لإنشاء حزب باسم التجمع من أجل الوفاق الوطنى، يأمل أن يخوض به الانتخابات، ويفتح له باب تحقيق طموحاته السياسية.
(3)
هناك مدرستان فى التوريث، بمعنى الاستمرار فى احتكار السلطة وإبقائها فى نطاق الأسرة، بما يحولها إلى ملكية مقنعة، مدرسة «الغلبة» التى تقوم على فرض الأمر الواقع بقوة السلطة وأدواتها، ومدرسة اصطناع الشرعية.
والأخيرة أصبحت أكثر رواجا، بعدما أصبح «المنظر» فى الحالة الأولى مستهجنا فى الأجواء الراهنة التى يروج فيها الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ثم إن تطور أساليب الالتفاف والاحتيال على الشرعية رجح كفة المدرسة الثانية.
إذ بات من اليسير تصعيد الوريث فى مراتب السلطة مع إغلاق الأبواب فى وجه أى منافس محتمل له، بحيث يصبح خيارا وحيدا يمكن دفعه إلى الصف بسهولة، بالقانون الذى يتم تفصيله ليناسب الحالة، ومن خلال المؤسسات «الشرعية» التى يجرى اصطناعها.
من الحجج التى تساق لتبرير الانتقال وتغطيته أن الوريث مواطن عادى، له حق الترشيح كغيره من المواطنين، ولا ينبغى أن يحرم من هذا الحق «ويظلم» لمجرد أنه ابن الرئيس، أو عضو فى أسرته.
وهو قول مردود بحجتين، الأولى أنه فى كل أحواله لا يعامل باعتباره مواطنا عاديا، ولكنه يظل طوال حكم الأب مواطنا من الدرجة الأولى الممتازة، الذى يعمل له ألف حساب. فلا ترد له كلمة أو يرفض طلب. وفى حركاته وسكناته فإنه يعامل باعتباره مواطنا غير عادى. يتمتع بنفوذ وصلاحيات لا تتاح لأى شخصية سياسية أخرى.
الحجة الثانية أن ترشحه فى وجود الرئيس أو استنادا إلى بطانته مشوب بالبطلان من الناحية السياسية. والقياس هنا على ما هو وارد فى القانون من ضمانات لضمان حيدة القاضى ونزاهته،
ذلك أن المادة 146 من قانون المرافعات فى مصر مثلا تنص على عدم صلاحية القاضى للسير فى أى دعوى، إذا كانت له أو لزوجته أو لأحد أقاربه مصلحة فيها. وهذا البطلان يتحقق حتى ولو لم يتمسك به أحد.
فالمشرع هنا كان واعيا بأن أى صلة قرابة تربط القاضى بأى واحد له مصلحة فى أى قضية تعرض عليه وقرر أن تلك الصلة تجعله غير صالح للنظر فى الدعوى، لأن شبهة عدم الحياد قائمة فى هذه الحالة.
وإذا كان ذلك حاصلا فى القضايا المدنية والجنائية مهما صغر شأنها، فأولى به أن يحدث فى أمر يتعلق بمصير الوطن ومستقبله، الأمر الذى يعنى أنه لا يجوز بأى معيار أن يترشح ابن للرئاسة أو لأى منصب رسمى آخر فى ظل رئاسة الأب وهيمنته على أجهزة الدولة، لأن ذلك يخل بنزاهة الحكم واستقامته.
(4)
صحيح أن التوريث الذى يحول الجمهوريات إلى ملكيات مقنعة ليس حكرا علينا. لكنه حاصل فى بلدان أخرى، فى كوريا الشمالية وأذربيجان وكوبا وتاهيتى، وبعض الدول الأفريقية الأخرى. مع ذلك فالقاسم المشترك الأعظم بين كل تلك النماذج وبين الحالات المماثلة فى بلادنا يتمثل فى أنها دول غيبت الديمقراطية، ودمرت فيها مؤسسات المجتمع المدني.
بما يعنى أنه ما كان لتلك الدول أن تتجرأ على توريث السلطة فيها إلا أنها اطمأنت إلى إخصاء مجتمعاتها وإفقادها القدرة على إيقاف أو مقاومة نقله من هذا القبيل، بكلام آخر فإن الدولة العربية الحديثة التى انتقلت بعد ذهاب الاستعمار من النظام الملكى إلى النظام الجمهوري،
حين عمدت نظمها إلى احتكار السلطة ومصادرة الديمقراطية، فإنها أضعفت مجتمعاتنا وقامت بتفكيكها، حتى أعادتها إلى مرحلة القبيلة السابقة على فكرة الدولة بمفهومها الحديث، وهو ما أطلق عليه المثقف الأردنى البارز الدكتور مصطفى حمارنه، تعبير «بدونه» السياسة العربية، بمعنى ارتدادها إلى تقاليد المرحلة البدوية، إذ أصبحت الدولة قبيلة تتوارثها عائلة.
أريد أن أقول إن السلطة المطلقة حين نجحت فى إضعاف مجتمعاتنا وتفكيكها فإنها لم تجد عائقا يحول دون إدامة ذلك الاحتكار من خلال التوريث، الذى يمكنها من أن تضرب عصفورين بحجر واحد. فمن شأن ذلك أن يضمن لأهل الحكم الاستمتاع بمباهج السلطة والتقلب فى نعيمها وجاهها، كما انه من ناحية ثانية، يضمن التغطية على المكاسب والثروات الهائلة التى تحصلت أثناء البقاء فى السلطة، كما يضمن التغطية على الممارسات والتجاوزات التى ارتكبت فى تلك الفترة.
على صعيد آخر، أزعم أن ذلك النزوع إلى التوريث يلقى ترحيبا وتشجيعا من القوى الأجنبية المهيمنة فى المنطقة العربية، والولايات المتحدة الأمريكية على رأسها. وعندى فى ذلك أسباب وقرائن هي:
إن هذه القوى أصبحت مطمئنة إلى أن الأوضاع الراهنة فى العالم العربى تحقق لها مصالحها وتوفر لها وضعا استراتيجيا مريحا للغاية، ولذلك فان استمرار تلك الأوضاع بأى صورة وبأى ثمن أصبح هدفا غاليا يتعين الحفاظ عليه.
إن المخططين فى تلك الجهات بذلوا جهدا مشهودا فى رعاية وإعداد الأجيال الجديدة من أبناء الأسر الحاكمة فى العالم العربي، الذين تلقى أكثرهم تعليما فى الخارج، ولذلك فإن لديهم اطمئنانا كافيا إلى أن عناصر تلك الأجيال لن تكون أقل تجاوبا ووفاء إذ لم نكن أكثر من جيل الآباء.
إن القوى الخارجية لم تعد مطمئنة إلى البدائل التى يمكن أن تصل إلى الحكم فى العالم العربى إذا ما لم يتم التوريث وجرت انتخابات ديمقراطية. إذ هم يدركون جيدا أن الرأى العام العربى يملك الكثير من مشاعر الرفض والبغض للسياسة الأمريكية. والانتخابات الديمقراطية قد تأتى بمن يعبر عن تلك المشاعر.
ومن ثم يهدد المصالح الأمريكية، وهو ما يمكن أن يحدث إذا ما أتت الانتخابات بعناصر وطنية، والخوف الأكبر أن ينجح أصحاب التوجه الإسلامي، كما حدث فى غزة، وإزاء مخاطر من هذا القبيل فإن التوريث من وجهة نظرهم يصبح الحل.
(5)
من هذه الزاوية تبدو صورة المستقبل معتمة فى العالم العربي، أقصد أشد قتامة مما هى عليه الآن. لكن سنن الكون تقول لنا إن الليل له نهاية وإنه لا توجد هناك غيوم أبدية. وذلك لا يطمئننا كثيرا لأننا ننتظر ذلك الوعد منذ عقود، ولكن أوان تحقيقه لم يحن بعد فيما بدا، ثم إننا لا نعرف كم تكون التكلفة فى هذه الحالة.
لأن السنن لا تجرى بالمجان، لأن هناك أسبابا ينبغى أن تتوافر أولا لكى تستجلب النتائج وتستدعيها، ومن الواضح أننا لم نأخذ بعد بما يكفى من الأسباب لكى تترتب النتائج المرجوة والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.