بعيداً عن أوهام الحراك السياسى التى تطنطن بها نخبة البرادعى ووعود التغيير المغشوش الذى يبشروننا به، وبعيداً عن صراعات الحكام العجزة (سنا ودورا) الجالسين فى قمة سرت، تعالوا نذهب إلى ما نحب نحن وما يكرهون هم، إلى فلسطينوالقدس الحبيب، كنا فى مطلع الشباب، وفى صخب الحركة الطلابية أوائل السبعينيات من القرن الماضى، نترنم بأبيات (مظفر النواب الشاعر العراقى الكبير) عن القدس، التى صارت عنواناً ثابتاً لكل حركة شعبية تدافع عن المدينة المقدسة فى الأعوام التالية، وكان مظفر (الذى تشرفت بمعرفته الشخصية على مقهى هافانا فى قلب دمشق)، يقول فى رائعته: القدس عروس عروبتكم فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها ووقفتم تسترقون السمع.. وراء الأبواب لصرخات بكارتها وصرختم فيها أن تصمت صوناً للعرض أولاد (...) هل تصمت مغتصبة!! اليوم وفى أجواء القمم العربية الفاشلة، ووسط حالة الارتباك والضعف التى تهيمن على بعض قطاعات نخبتنا، ليسمح لى الصديق الشاعر الكبير (مظفر النواب) أن أسأله وأسأل كل محب لهذه المدينة المقدسة التى تُهوَّد الآن وتنتفض: هل لا تزال القدس عروس عروبتنا حقاً؟ هل لا تزال (عذراء) فتية؟ هل استجاب عرب الاعتلال (أقصد الاعتدال) لصرخات بكارتها؟ وهل أثمر جهاد عرب الصمود والثورة شيئاً ملموساً لاستردادها؟ أم هو السراب تلو السراب الذى أحال المدينة إلى (عجوز) عروبتنا بعد أن كانت عروس تلك العروبة المهانة؟.. أسئلة برجم الغيب، إلا أن ما دفعنى اليوم لإثارتها هذه القمة العربية الفاشلة، وتلك الأحداث المتلاحقة لاقتحام المسجد الأقصى من قبَل الصهاينة، التى سبقها ضم مسجد بلال والحرم الإبراهيمى إلى السلطه اليهودية، والحفريات المستمرة مع التدنيس المتكرر لحرمة مقدسات المسلمين والمسيحيين بالمدينة المقدسة تمهيداً، وفقاً لأساطيرهم ومخططاتهم التلمودية، لهدم المسجد الأقصى خلال هذه الأيام وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى. إن هذه التطورات، التى قد تفاجئنا غداً بنتيجة مؤلمة وهى حرق أو هدم، لا قدر الله، المسجد الأقصى، لا تتطلب بيانات شجب وإدانة على طريقة أحمد أبوالغيط وسعود الفيصل وحمد بن جاسم وعمرو موسى وغيرهم، وكأنهم أدوا مهمة الدفاع عن مسرى النبى (صلى الله عليه وسلم) أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ثم ذهبوا إلى أسرتهم ليناموا ملء الجفون، مستريحى الضمير. الأمر بعد الوصول إلى هذه المرحلة من التهويد والعدوان، يحتاج إلى فعل، لا إلى قول، والفعل ينبغى أن يكون مؤلماً ومؤثراً ضد هذا الكيان الذى لم يعد يحترم إلا القوة، ومنطق التهديد المباشر لأمنه الداخلى، فالقدس (وفى قلبها الأقصى)، لم تعد بحاجة إلى الكلام (سياسة أو كتابة أو شعراً) لكنها بحاجة إلى الفعل، والفعل ينبغى أن يكون من عينة ما قام، ولا يزال يقوم به، شيخ المقاومة الإسلامية السلمية فى القدس الشيخ رائد صلاح (حفظه الله هو ورفاقه المجاهدين المرابطين) ومن عينة قول وفعل السيد حسن نصر الله الذى مهما تختلف مع حزبه (حزب الله) أو فكره فلا تملك إلا أن تحترم صلابته، وتضحياته، وشجاعته (تأمل خطابه الأخير وقس عليه باقى خطابات المعتلين العرب)، الأمر يحتاج إلى فعل الشهيد الشيخ أحمد ياسين، وقبله الشهيد الغالى والصديق الحبيب الدكتور/ فتحى الشقاقى، أمين عام ومؤسس حركة الجهاد الإسلامى فى فلسطين، يحتاج الأمر باختصار إلى مقاومة مسلحة تحمى الأقصى، ومقاومة سلمية (بالمال والأنفس والثمرات) تثبت أهل المحشر والمنشر فى ثغرهم المقدس الذى هو بوابة السماء!!. كيف يتم ذلك؟ الأمر ممكن رغم العراقيل التى تضعها حكومات الهوان العربى، الأمر وارد رغم تشدقات المطبعين المصريين والعرب الذين دأبوا على تيئيس الأمة والعمل بهمة على انكسارها وهزيمتها من داخلها، مترجمين بسيرتهم وكتاباتهم المتصحرة كوجوههم الحديث الشريف(هلك المتنطعون). على أية حال.. الأمر ممكن، إلا أن بداياته بالأساس فى أيدى قوى المقاومة الفلسطينية وتحديداً (حماس والجهاد الإسلامى، والجبهة الشعبية ومن تبقى مؤمنا بالمقاومة المسلحة من حركة فتح بعد مسيرة أوسلو البائسة)، وبالتعاون والتنسيق مع قوى المقاومة العربية المسلحة والسلمية، ومساحة حركة هذه المقاومة واسعة، وأجندتها (السلمية والمسلحة) معلومة الأهداف والمراحل، ولا تحتاج منا إلى نصح القابضين على الجمر فى فلسطين، فهم الأشرف والأعلم، فقط لنبدأ ومن فلسطين بانتفاضة ثالثة وبعمليات استشهادية نوعية، الأمر بإيجاز وفى جملة واحدة:إذا أردنا أن نعيد للقدس (عرسها) فلنعد لفقه (القوة)، و(الجهاد) منزلته أولاً، ولنخرس وإلى الأبد، فقه العجز، و(الوقوعية)، الذى يطلقون عليه هذه الأيام خاصة فى قممهم العاجزة خطأ وتبجحاً (واقعية). والله أعلم [email protected]