تستأنف اليوم محكمة دريسدن الجزئية سماع الشهود فى قضية مقتل الصيدلانية المصرية مروة الشربينى على يد المتهم الألمانى من أصل روسى أليكس فينس، ومن المنتظر أن تضم قائمة الاستماع اليوم عددا من رجال الأمن بالمحكمة، على رأسهم الضابط المثير للجدل إيلى راءول، الذى تناقضت حوله أقوال الشهود الآخرين بصورة أعجزت الجميع عن تحديد مدى تقصيره فى حماية الشهيدة مروة. وأجمع الشهود على أن راءول دخل إلى القاعة وخرج مرة أخرى فى وقت قياسى، قبل أن يدخل الضابط جونتر جريم الذى أطلق الرصاص على علوى عكاز، زوج مروة، لكن بعض الشهود ادعوا أنه دخل لإلقاء نظرة على الموقف وخرج لاستدعاء بقية زملائه، وادعى شاهد واحد أن هذا الضابط ألقى كرسيا على المتهم محاولا إيقافه، لكنه لم يفلح فخرج ولم يعد. وفى ذات السياق، رجحت مصادر ألمانية ألا يتم الاستماع إلى شهادة والدة المتهم وسؤالها عن طبيعة حالته النفسية ومدى إصابته بلوثات عقلية، بناء على طلبها عدم إحراجها، بالإضافة إلى أنه من المستبعد أن تشهد الأم لغير مصلحة ابنها، مما قد يؤثر على سير العدالة. من جهة أخرى، أجرى د.مفيد شهاب، وزير الشئون القانونية والبرلمانية والأمين العام المساعد للحزب الوطنى، اتصالا هاتفيا بالمحامى خالد أبوبكر، عضو فريق الدفاع عن مروة الشربينى، للاطلاع على آخر مستجدات القضية والتعرف على أهم ما ورد فى شهادات الشهود خلال الجلسات الأربع الماضية. وأكد شهاب أنه لا صحة مطلقا لما ادعاه البعض عن إمكانية محاكمة المتهم فى مصر، وأن القانون الألمانى يمنع محاكمة المواطنين الألمان فى الخارج إذا اتهموا فى جرائم ارتكبت فى ألمانيا، مطالبا الجميع بالاهتمام بمجريات قضية مروة لحين الحصول على حكم يعيد للمصريين فى الخارج حقوقهم، دون الالتفات إلى قضايا أخرى فرعية من شأنها تقليل الاهتمام بمحاكمة القاتل. وعلى صلة بالقضية، فقد اتفقت جميع أقوال الشهود فى قضية مروة الشربينى على أن المتهم أليكس فينس كان منتميا، ولو عاطفيا وفكريا، إلى الحزب الوطنى الديمقراطى الألمانى (NDP) الذى يمثل أقصى اليمين المتطرف فى ألمانيا، بل إنه تمنى تغيير اسمه ليكون مشابها لاسم الحزب النازى القديم. ورغم تتابع الأحداث فى القضية خلال فترة وجيزة، وتزامنها مع الانتخابات العامة الألمانية، لم يصدر عن الحزب المتطرف أى رد فعل أو بيان حول حادث مروة، فى الوقت الذى اعتبرته جماعات متطرفة أخرى غير حزبية حادثا فرديا «يعكس خطورة أن يعيش المسلمين والألمان فى مكان واحد» لكن بشاعة الجريمة دفعتهم للتنصل من المسئولية والادعاء بأن تصرفات المتهم ليست طبيعية وأنها نتيجة مرض نفسى. ردود الفعل هذه ظهرت بوضوح فى عدد من المواقع الإلكترونية التى تعبر عن وجهة نظر هذه الجماعات المتطرفة، بينما رجح مراقبون أن يكون الحزب قد نأى بنفسه بعيدا عن هذه القضية حتى لا تسوء نظرة المجتمع إليه أكثر، لا سيما وأنه رفع على مدار السبع سنوات الماضية شعارات منها «لا مكان للأجانب فى ألمانيا» مما أثار غضب معظم أبناء الشعب الألمانى على هذا الحزب لما رأوه فيه من تجديد لدماء الفاشية والنازية دون التعبير عن ذلك صراحة. وتظهر نتيجة المقاطعة الشعبية وجماهيريته المحدودة واضحة فى نتائج الانتخابات، فهو أحد أقل الأحزاب حصولا على المقاعد فى مجالس الولايات الألمانية، كما أنه لم يصل مطلقا إلى البرلمان الاتحادى (بوندستاج) منذ توحيد الألمانيتين مطلع التسعينيات، لكنه يتمتع بوجود ملحوظ فى ولاية سكسونيا التى شهدت جريمة قتل مروة، ويحتفظ الحزب فيها بأعلى نسبة من المؤيدين. ففى انتخابات عام 2004 حقق هذا الحزب انتصارا كبيرا فى انتخابات مجلس الولاية، بحصوله على 9.2% من الأصوات، معتمدا بالدرجة الأولى على الشريحة التى خرج منها المتهم أليكس التى تمثل العائدين إلى ألمانيا والمهاجرين الروس والقادمين من دول شرق أوروبا والعاطلين عن العمل. وبينما حصل الحزب فى العام ذاته على 4% من أصوات ولاية سارلاند الغربية، لم يحصل الحزب على نسب تذكر فى ولايات ألمانياالغربية المستقرة سياسيا والغنية اقتصاديا. وفى انتخابات 2006 حصل الحزب على 2.6% من أصوات الناخبين فى ولاية برلين، و7.3% من أصوات ولاية ميكلنبورج فوربمورن الشرقية أيضا، والتى تعانى من مشكلات اقتصادية عديدة وتزيد فيها نسبة العاطلين عن العمل. وفى انتخابات 2009 فقد هذا الحزب نصف أصواته فى سكسونيا، وجاء سقوطه تحديدا فى دريسدن، حيث منحه الناخبون 5.6% من إجمالى المقاعد، لكن الحزب ظهر لأول مرة فى ولاية براندنبورج الشرقية أيضا فحصل على 2.5% من الأصوات، كما فاز ب4.3% من أصوات ولاية تورنجن التى كانت إحدى ولايات ألمانياالشرقية الاشتراكية قبل الوحدة. وينظر الساسة الألمان إلى تحركات هذا الحزب بمزيد من القلق على القيم المجتمعية الألمانية التى تحاول الحكومات المتعاقبة ترسيخها منذ إزالة سور برلين، وعلى رأسها الترحيب بالأجانب كعاملين وطلاب وعدم التمييز على أسس اللون والعرق والدين، مما جعل دار العمودية فى دريسدن تعبر عن سعادتها بسقوط هذا الحزب فى الانتخابات الأخيرة، كمؤشر على انخفاض تعاطف المواطنين معه. هذا الحزب كان قد نشر ملصقا إبان الانتخابات الماضية حمل رسما لعدة خراف بيضاء ترفس خرافا سوداء وتخرجها من دائرة الضوء، وحملت شعار «دعونا ننظف مكاننا» فى إشارة عنصرية واضحة اعترض عليها أبناء الجاليات الإسلامية والعربية والأفريقية فى ألمانيا. كما أن الحزب يعتبر القيادى النازى رودولف هيس، الذى توفى فى ظروف غامضة فى سجنه مطلع الثمانينيات، أحد رموزه السياسية، ويرفع مؤيدوه فى المظاهرات أعلاما تحمل ألوان العلم النازى القديم بذات ترتيبه: الأسود، الأبيض، والأحمر. ويحذر د.نديم إلياس، رئيس أمناء المجلس الأعلى للمسلمين فى ألمانيا، من خطورة أنشطة هذا الحزب على المجتمع المدنى الألمانى، فى الوقت الذى تتركه الأحزاب الأخرى يعمل بين شرائح اجتماعية وعمرية معينة، مستغلا الظروف الاقتصادية. وأكد إلياس أن الأحزاب الألمانية المعتدلة مطالبة الآن أكثر من أى وقت مضى بالإعلان فى برامجها صراحة عن الترحيب بالأجانب وإدانة أى سلوكيات شاذة ضدهم، لوقاية المجتمع من تكرار حوادث أخرى بنفس سيناريو مقتل مروة الشربينى، لافتا إلى أن أكثر الأحزاب شجبا وإدانة للحادث والاعتداء على الأجانب هو حزب الخضر، أحد الأحزاب الرئيسية والمشارك فى الحكومة الاتحادية.