وصف الدكتور أبو العلا النمر رئيس مركز الشرق الأوسط للتحكيم الدولى ما يحدث فى المحاكم بأنه تهريج، على حد قوله، وقال النمر ل«الشروق» إن وزارة العدل تطلب من القاضى أن يكون «كشكول» يعرف كل القوانين، والنتيجة هى أن المحامين أصبحوا يساعدون القضاة ويقدمون لهم القوانين الواجبة التطبيق. وأضاف أن القضاة غلابة ومظلومون، وليس بمقدورهم أو بمقدور غيرهم الإحاطة علما بسيل التشريعات التى تصدر باستمرار. وأوضح أن المستثمرين المصريين والأجانب لا يثقون فى فاعلية القضاء المصرى لأسباب مختلفة أبرزها البطء الشديد فى المحاكم، ما يؤدى إلى الإضرار بالمستثمرين والمتقاضين. وتحدث النمر عن التحكيم قائلا إنه قبل صدور قانون التحكيم كان المناخ فى مصر طاردا للاستثمار الأجنبى، بسبب عدم ثقة المستثمر الأجنبى فى القضاء الوطنى، حيث يعتقد أنه فرع من الحكومة وتابع لها وخاضع لسيطرتها، فالمستثمر يعتقد أنه أجنبى وأن القاضى الذى ينظر قضيته مصرى ويعمل فى الدولة المصرية، وبالتالى لابد أن يحكم لصالحها، ولطمأنة المستثمرين، أصدرت الحكومة قانون التحكيم، وأصبح من حق الخصمين اللجوء للتحكيم بدلا من الالتجاء للمحاكم، وطبقا للقانون، فإن كل خصم يختار حكما، ويجتمع الحكمان ويختاران حكما ثالثا يترأس جلسات التحكيم، وتصدر هيئة التحكيم حكما نهائيا لا يجوز استئنافه. وأوضح أن التحكيم جائز فيما كان يجوز فيه الصلح مثل المنازعات التجارية، ولكنه لا يجوز فى المسائل الجنائية والأحوال الشخصية والقرارات الإدارية. وواصل بأن المستثمرين المصريين والأجانب يلجأون للتحكيم بل وتنص تعاقداتهم على اللجوء للتحكيم نظرا لأن القانون يعطى الخصمين الحق فى إلزام هيئة التحكيم فى المنازعة المطروحة خلال 3 أشهر، وإذا لم يتفقا على ذلك لجهلهما بالقانون، فإن هيئة التحكيم تصدر حكمها خلال سنة على الأكثر، بينما لو لجأ إلى القضاء لاستمر نظر القضية فى المحاكم لأكثر من 10 سنوات، ما يصيبهما بأضرار جسيمة بسبب طول النزاع. وأوضح أن المستثمر الأجنبى يشترط دائما على الحكومة قبل قيامه بالاستثمار فى مصر الاتفاق على اللجوء للتحكيم، وغالبا يكون التحكيم خارج البلاد حتى يكون المحكمون بعيدين عن نفوذ الحكومة، ويطمئن المستثمر إلى أن هيئة التحكيم محايدة. وأشار إلى أن مصر خسرت العديد من قضايا التحكيم فى بداية موجة الاستثمار الأولى بسبب قلة الكوادر المصرية فى مجال التحكيم، ولكن حاليا كسبت العديد من قضايا التحكيم بعد أن أصبحت تمتلك الخبرات المؤهلة قانونا، وباتت الدول العربية تطلب استشارة رجال القانون المصريين، فضلا عن أن الحكومة المصرية تود أن تقدم صورة نموذجية للعالم عن مصر، وتحاول قدر الإمكان حل النزاع بصورة ودية مع المستثمرين الأجانب، لكن بعضهم يصر على اللجوء للتحكيم فتكون مصر طرفا فيه رغما عنها. وأكد أن رئيس الوزراء أو الوزير المختص هو الذى يختار المحكم المصرى فى النزاعات التى تدخلها الحكومة المصرية مع المستثمرين الأجانب، وغالبا ما يكون المحكم رجل قضاء أو أستاذا جامعيا متخصصا فى مجال التحكيم. ولفت إلى أن القضاء الوطنى لا يملك الكوادر المتخصصة المؤهلة لسرعة الفصل فى قضايا الاستثمار، قائلا إن ما يحدث فى المحاكم «تهريج»، وواصل «القاضى ينظر فى اليوم الواحد 300 قضية، وأمام هذا الكم الهائل لا يستطيع أن يفهم القضايا المعروضة عليه، وتكون النتيجة هى صدور أحكام غير عادلة، وكنت موكلا فى قضية متهم فيها طبيب بالإهمال الطبى، ما أدى إلى مقتل المريض، وفوجئت بأن الحكم الصادر يقرر أن الطبيب قتل المجنى عليه فى حادث سيارة!!! فكيف يستطيع القاضى قراءة كل هذا الكم من القضايا؟». وأضاف «أن الأمر لا يقف عند كثرة القضايا فقط، بل إن ال300 قضية متنوعة ومختلفة عن بعضها البعض، فالقاضى ينظر قضايا ضرب وشيكات وإيصالات أمانة وتموين وتبديد وبيئة وغيرها من القضايا، وذلك يجبره على الاطلاع على عشرات القوانين والقرارات، ووقته لا يسمح بذلك، فتكون النتيجة أن المحامين يقدمون له القوانين الواجبة التطبيق ويرشدونها إليها، وإلى التعديلات التى طرأت على القانون، وهذا تهريج». وتابع: كل عام يصدر سيل من التشريعات، ولا يستطيع أى إنسان الإحاطة بها. وأضاف أنه فى منازعات الاستثمار نحتاج لقضاة متخصصين، بينما القضاة لدينا يفصلون فى كل القضايا، وزارة العدل تطلب من القاضى أن يكون كشكولا، وهذا لا يصح. ولفت إلى أن المستشار ممدوح مرعى وزير العدل بدأ يحاول حل المشكلة بإنشاء محاكم متخصصة هى المحاكم الاقتصادية، ولكنها غير كافية، لأن قضاتها غير متخصصين فى الاقتصاد، وإنما يتم انتدابهم من المحاكم العادية، فكيف أعين قاضيا عمره 55 عاما، وأطلب منه بعد كل هذا العمر التخصص، والصواب أن يتم تعيين القاضى منذ بداية حياته فى المحاكم المتخصصة ويترقى داخلها، وبذلك يكون لديه إلمام كامل بالمجال الذى يتصدى له ويصدر أحكاما صحيحة فى وقت قصير. وأكد أن القضاة غلابة ومظلومون، ووزارة العدل تلقى على كاهلهم الكثير، ولا بد من تخفيف عدد القضايا التى ينظرونها، وتسهيل مهمة القاضى حتى يتمكن من إصدار أحكامه فى وقت قصير. ولفت إلى أن التحكيم لم ينتشر فى مصر، والسبب هو عدم انتشار ثقافة التحكيم، بل إن العديد من المتخصصين من رجال القانون لا يعرفون التحكيم أصلا.