بعد فشل ثورة القاهرة الأولى والتى اندلعت فى 21 أكتوبر سنة 1798 أخمدت الثورة بالقمع والإرهاب ودخلت القوات الفرنسية الجامع الأزهر بخيولها مما أثار الشعور الديني لدى المصريين . وظلت الثورة كامنة فى نفوس الشعب المصرى لكن الصمت لم يطل فسرعان ما انفجر بركان الغضب مرة أخرى إلا أن هزيمه نابليون بونابرت وفشله في حصار عكا بفلسطين بقيادة أحمد الجزار باشا وفقدانه لأسطوله في البحر المتوسط قرر العودة إلى فرنسا للحفاظ على ما تبقى له من مجد في أوروبا، فعاد سراً إلى فرنسا في 12 أغسطس 1799م تاركاً وراءه كليبر ليقود الحملة في مصر وكانت هذه الآسباب هى مقدمات ثورة القاهرة الثانية… ترك نابليون مصر والأخطار تهدد الحملة من كل جانب تمثل ذلك فى أن الجيش الفرنسي كان في تناقص عددي بسبب المعارك الداخلية والخارجية ،عودة المماليك لمقاومة الحملة مرة أخرى تجددت ثورات المصريين في الشرقية وامتدت إلى وسط وغرب الدلتا فأرسلت الدولة العثمانية حملتين إلى العريشودمياط .. أدرك كليبر صعوبة التغلب على هذه الأخطار ورأى أن من مصلحة الحملة مغادرة مصر ،وعرض أمر الصلح على الصدر الأعظم للدولة العثمانية وقائد الأسطول الانجليزي في البحر المتوسط وتم توقيع معاهدة العريش عام 1800م على أن يخرج كليبر بكامل جنوده ومعداته على نفقة الدولة العثمانية.. كان كليبر بعد الاتفاق قد سمح للقوات العثمانية بدخول مصر فأخذوا يجمعون الضرائب بالقوة وعندما تحقق كليبر من نقض الاتفاقية هاجم القوات العثمانية وفشلت المعاهدة. انتهز المصريون في القاهرة فرصة وجود الجيش العثماني في أطرافها مما أعطاهم الأمل في إمكانية الخلاص من الفرنسيين، فقاموا بالثورة في مارس 1800م.. وهاجم الثوار المصريين معسكرات الجيش الفرنسي، وبدأت آنذاك محاولة لاستخدام بولاق كميناء نهري للوصول إلى مناطق الوجه البحري، وبالرغم أن أهل بولاق لم يساهموا مساهمة ظاهرة في ثورة القاهرة الأولى "أكتوبر 1798م" إلا أنهم هم الذين فجروا ثورة القاهرة الثانية في 20 مارس 1800م بقيادة "مصطفى البشتيلي" من أعيان بولاق. استمرت ثورة القاهرة الثانية حوالي شهر، بقيادة "عمر مكرم" الذي التف الشعب حوله، وأصبح رمزًا للمقاومة والصمود كافح القاهريون بكل ما في وسعهم من جهد، ووصل المجاهدون الليل بالنهار في قتال عنيف شارك فيه الجميع بحيث "لم ينم سوى الضعيف والجبان والخائف" كما يقول الجبرتى.. عاد كليبر إلى القاهرة يوم 27 مارس بعد أن هزم القوات العثمانية في عين شمس والمطرية، فوجد نار الثورة تضطرم في أحياءها خاصة في بولاق ومصر القديمة وإقامة الثوار حصوناً للدفاع، ووجد جميع الوكالات والمخازن التي على النيل قد تحولت إلى شبه قلاع احتلها الثوار، وصارت الملاحة في النيل تحت رحمتهم. وعندما أنهي الجنرال "بليار " ثورة دمياط ، وعاد بمعظم قواته إلى القاهرة، عسكر أمام بولاق التي كانت قد تحولت إلى معقل الثورة، فقرر كليبر القضاء على ثورة القاهرة، حتى ولو اضطر إلى إحراق القاهرة وبولاق معاً. وفي 14 أبريل 1800م أنذر كليبر العاصمة بالتسليم ولكن الثوار لم يعبأوا. وفي اليوم التالي بدأت الجنود بالهجوم على حي بولاق قبل شروق الشمس بقيادة الجنرال "بليار"، وأخذوا يضربونه بالمدافع، وكانت مداخل الحي مُحصنة والثوار مُتحصنين خلف المتاريس وفي البيوت، فأجابوا على ضرب المدافع بإطلاق النار من المتاريس والبيوت المُحصنة، ولكن نيران المدفعية الفرنسية كانت أقوى فحطمت المتاريس القائمة على مدخل الحي فحدثت فيها ثغرة كبيرة، تدفق منها الجنود إلى شوارع بولاق، وأضرموا النار في البيوت القائمة بها، فاشتعلت فيها واتسع مداها وإمتدت إلى مباني الحي من مخازن ووكالات ومحال تجارة فالتهمتها، ودمرت هذا الحي الكبير الذي يعد ميناء للقاهرة في ذلك الوقت ومستودعاً لمتاجرها، وهدمت الدور على سكانها فأبيد كثير من العائلات تحت الأنقاض وامتد ضرب المدفعية إلى باقي أحياء القاهرة. تحرك علماء الأزهر واستأنفوا مساعيهم لحقن الدماء، بعد استمرار ثورة القاهرة الثانية حوالي شهر فأرسلوا المشايخ "الشرقاوي والمهدي والسرسي والفيومي" وغيرهم، وقابلوا الجنرال كليبر فعرض عليهم أن يوقف القتال ويعطي أهل القاهرة أماناً، فلما عرض المشايخ طلب كليبر الصلح على الجماهير وزعماء الثورةقاموا عليهم وسبوهم وضربوا المشايخ واتهموهم بالردة والموالاة للفرنسيين مما أخفق مساعي الصلح وتجددت المذابح. ودارت مفاوضات بين الثوار وكليبر انتهت بعقد اتفاق في "26 من ذي القعدة 1214ه – 21 من أبريل 1800 م"، وقع عليه ناصف باشا من الأتراك العثمانيين، وعثمان أفندي عن مراد بك، وإبراهيم بك عن المماليك، وفيه تعهد العثمانيون والمماليك بالجلاء عن القاهرة خلال ثلاثة أيام مع أسلحتهم وأمتعتهم في مقابل أن يعفو كليبر عن سكان القاهرة بمن فيهم الذين اشتركوا في الثورة. ولكنه لم يفى بوعده ففرض على أهالي القاهرة غرامة مالية ضخمة قدرها 12 مليون فرنك وطالبهم بتدبير 20.000بندقية و 10.000سيف و 20.000 طبنجة ، وخص علماء الأزهر بنصيب كبير منها، وعلى رأسهم الشيخ السادات، ومصطفى الصاوي ومحمد الجوهري وغيرهم، وألقى بالشيخ السادات في السجن حين عجز عن تدبير المبلغ الذي طالبه به من الغرامة، وكان مائة وخمسين ألف فرنك وقيل 800.000 فرنك ، وقام بتعذيبه دون أن يراعي مكانته وسنه. وقام بمصادرة املاك الزعماء و بخاصة " أحمد المحروقى " فرض كليبر على بولاق وحدها 500.000ريال نقدا و عينا تسليم الاسلحة و مالدى الاهالى من الاخشاب و الحبوب.. أما الوجه القبلى : فتم إخضاعه بالاتفاق مع مراد بك على أن يحكم الصعيد تحت الحكم الفرنسى ، وقبل مراد بك حتى لا يعود الأتراك مرة أخرى لحكم مصر. و فى 14 يونية 1800 م قام أحد طلاب الازهر الشريف وهو طالب سورى الجنسية و يدعى " سليمان الحلبى بالتنكر فى لبس شحاذ و الدخول لقصر كليبر ومن ثم وجه إليه طعنات أودت بحياته.. وتولى القائد مينو أمور الحملة فى مصر بعد مقتل كليبر..