رسالة بولس الرّسول إلى أهل رومية (5) "لمّا بررنا الله بالإيمان نعمنا بسلام معه بربنا يسوع المسيح" (رو 1:5). هل قصد بولس أنّه تلمّس انعدام السّلام بينه وبين الله قبل اللّقاء بالمسيح؟ ولعلّ الجواب الأكيد أنّ بولس كان يتخبّط في قلقه الإيماني وإن عن غير وعي. آمن بولس بالله وخضع للشّريعة وطبّقها حرفيّاً إلّا أنّه لم يكن يشعر بالسّلام بدليل الغضب الّذي كان يعتمره، والإصرار على ملاحقة آخر مسيحي وقتله. وأمّا بعد أن تبرّر، نعِم بولس بالسّلام مع المسيح الحيّ، بل لبس السّلام وأفاضه على الآخرين. "به دخلنا بالإيمان إلى هذه النعمة التي نقيم فيها ونفتخر على رجاء المشاركة في مجد الله" (رو 2:5). نفتخر بالنّعمة لأنّنا غير مستحقّين، ولم نفعل شيئاً من أجل هذه الهبة. نفتخر بهذا الحبّ الغامر الّذي لا نظير له لا في السّماوات ولا في الأرض، لا في الشّرائع ولا في النّواميس من بدء التّاريخ حتّى نهايته. نفتخر لأنّ المسيح مات عنّا ونحن بعدُ ضعفاء، غارقون بسوادنا، مشتّتون بكبريائنا، وعميان من شدّة ظلمتنا. لقد أدرك بولس عمق المفهوم الخلاصي لذا افتخر بصليب المسيح: "أمّا من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلّا بصليب ربنا يسوع المسيح، الّذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم." (غلاطية 14:6). وهل لنا أسمى من صليب الرّبّ حتّى نفخر به؟ وأيّ عمل يمكن أن نقدم عليه مهما بلغ من رفعة، يرتقي إلى مستوى الحبّ الإلهي؟. "بل نحن نفتخر بها في الشّدائد لعلمنا أنّ الشّدّة تلد الصّبر، والصّبر امتحان لنا، والامتحان يلد الرّجاء، ورجاؤنا لا يخيب، لأنّ الله سكب محبّته في قلوبنا بالرّوح القدس الّذي وهبه لنا." (رو 5،4،3:5). الشّدائد امتحان الحبّ، والحبّ اللّا متناهي للرّبّ يلد الصّبر. فالصّبر في الشّدائد لا ينمّ عن ضعف وقلّة حيلة، بل إنّه قرار الحبّ الشّجاع الّذي يلد الرّجاء. والرّجاء هو الأمل الأكيد أنّ لنا في ذواتنا إله يسكننا، وينشر من خلالنا الحبّ على العالم أجمع. وإذ نحبّ الرّبّ كما أحبّنا، ونفتخر بصليبه المحيي، نفخر بالحياة الممنوحة لنا من لدنه. "وإذا كان الله صالحنا بموت ابنه ونحن أعداؤه، فكم بالأولى أن نخلص بحياته، ونحن متصالحون. بل نحن أيضاً نفتخر بالله، والفضل لربّنا يسوع المسيح الّذي به نلنا الآن هذه المصالحة." (رو 11،10:5