نلاحظ جيداً من خلال الآيات في أعمال الرّسل (24،18:20)، شاول الجديد، بولس، بكلّ ما تحمل عبارة "إنسان جديد" من معنى. الولادة الجديدة يشهد لها بولس بحقّ، وتظهر في شخصيّته كلّ جماليّاتها: التّواضع، الخدمة، الرّقّة، الألم، الالتزام، الاجتهاد… كلّ هذه الخصائص وسواها تظهر لنا الإنسان الجديد المولود من فوق. لذا لا يستغرب أحد كيف استحال شاول إلى بولس، فالمولودون من فوق يخلعون ثوب العالم ويلبسون المسيح. يجولون في هذا العالم برفعة وفكر ومحبّة المسيح فنعاين في حضورهم بهاء الرّبّ وقوّة رحمته ونعمته. " أخدم الرّب بكلّ تواضع ودموع كثيرة، وبتجارب أصابتني بمكايد اليهود كيف لم أؤخّر شيئاً من الفوائد إلّا وأخبرتكم وعلمتكم به جهراً وفي كلّ بيت، شاهداً لليهود واليونانيين بالتّوبة إلى الله والإيمان الّذي بربنا يسوع المسيح. والآن ها أنا أذهب إلى أورشليم مقيداً بالرّوح، لا أعلم ماذا يصادفني هناك، غير أنّ الرّوح القدس يشهد في كلّ مدينة قائلاً: إن وثقاً وشدائد تنتظرني. ولكنني لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتّى أتمّم بفرح سعيي والخدمة الّتي أخذتها من الرّب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله" (أع 24،19:20). لا ريب في أنّ بولس مفكّر بليغ، إلّا أنّ اللّغة في هذه الآيات أبلغ من أيّة لغة، لأنّ بولس يتكلّم حبّاً بالمسيح والإنسان. (أخدم الرّبّ بكلّ تواضع ودموع كثيرة). الخدمة المتحرّرة من كلّ قيد، المفعمة بدموع التّوبة والرّجاء، والمفتونة بالمسيح الحيّ. المولود من فوق لا يفقه إلّا لغة المسيح ولا يتحدّث إلّا بها. ولا ضير في أن نشير ولو عابراً إلى من يدّعون رؤية المسيح نسبة إلى رؤية بولس. رأى بولس المسيح فانقادت أشواقه إليه وإلى الإنسانيّة، ولم يتبجّح ويثرثر. بولس ذاب في المسيح الّذي فيه، وحمل صليبه وسار بكلّ قوّة وشجاعة يكرز بالمسيح وفقط بالمسيح. من يرَ المسيح يتحوّل إليه، ينقص ليزيد الرّبّ كيما يزيد هو. كان يعي بولس أنّ المحبّة فعل شاقّ ومضنٍ، وأنّ ما ينتظره عسير ومتعب، لكنّ حبّ المسيح استحوذه حتّى اغترب عن العالم واستقرّ في الحياة بالرّبّ. " لكنني لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله" (أع 24:20). ذاك هو الإنسان الجديد، وهو أن تولد من فوق، تغمرك محبّة السّيّد بل تمتلك كيانك، وتغتني بالفرح الّذي يحررك حتى من ذاتك.