" مع المسيح صلبت، فما أنا أحيا بعد، بل المسيح يحيا فيّ. وإذا كنت أحيا الآن في الجسد، فحياتي هي في الإيمان بابن الله الذي أحبني وضحى بنفسه من أجلي." ( غلاطية 20:2). كلّ مؤمن بالمسيح هو بحكم الميت عن الإنسان العتيق، أي الإنسان المقيّد بسلطان الكبرياء المؤدّي للخطيئة الّتي هي الانفصال عن الله. وبما أنّه صلب ومات مع المسيح فهو قائم معه للحياة الجديدة. وبما أنّه ارتبط بالمسيح بعلاقة حميمة وخاصّة لا يمكنه العودة إلى سابق عهده، أي التّخلّي عن الحياة والعودة إلى الموت. وهنا نطرح علامة استفهام كبيرة حول منهج حياتنا وسلوكيّاتها ونوعيّة إيماننا وعلاقتنا بالمسيح. – " مع المسيح صُلبت، فما أنا أحيا بعد، بل المسيح يحيا فيّ". لقد عاش بولس الرّسول عظمة الارتباط بالمسيح كما عظمة الحياة الجديدة، وبرهن عن حبّ عظيم للسّيّد وبذل للذّات من أجل الإخوة. ويعبّر عن ذروة نعيم الحياة الجديدة قائلاً:" اقتدوا بي مثلما أقتدي أنا بالمسيح." ( 1 كور 1:11). وليس من يجرؤ على هذا القول إلّا من مات فعلاً عن أناه ليحيا فيه المسيح. إلى هذه الرّتبة يقودنا الصّليب فيرفعنا إلى مستوى المسيح، فتستحيل حياتنا خلقاً جديداً. والخلق الجديد هو يسوع المسيح المتّحد بنا اتّحاداً تامّاً، بمعنى آخر نصبح نحن التّرابيّون بكلّ كياننا بمستوى كيان المسيح. – " وإذا كنت أحيا الآن في الجسد، فحياتي هي في الإيمان بابن الله الذي أحبّني وضحّى بنفسه من أجلي." لم يبذل الرّبّ ذاته من أجلنا لنحمل ذنباً أو ليشكّل هذا البذل حصاراً على حرّيّتنا الإنسانيّة، فننعتق من عبوديّة الخطيئة لنقع بعبوديّة من نوع آخر. إنّ السّيّد أخلى ذاته بفعل تجرّد يفوق كلّ وصف، ليعبّر عن حبّ يتخطّى منطقنا البشريّ المحدود إلّا أنّه لا يخفى بعمقه على أرواحنا. فإذا كان العقل محدوداً فإنّما الرّوح يمكنها استيعاب هذا الحبّ والسّماح له باختراق الكيان الإنساني. بالنّظر إلى خبرة آبائنا القدّيسين وحياتهم يتبيّن لنا أنّ الرّوح أرحب من العقل ويمكنها أن تمتلئ من الرّبّ. يعلّمنا الصّليب المحيي أنّ كلّ خطوة بعيداً عن الرّبّ هي بمثابة انتحار وعودة إلى عالم الموت والظّلمة، ونير الحرف المميت. وكلّ خطوة نحو السّيّد تبني إنسانيّتنا وتسمو بنا إلى مستوى الله المحبّة. " فكيف نكفر بنعمة الله؟ " ( غلاطية 21:2).