يشير البعض إلى أنّ بولس الرّسول هو مؤسّس المسيحيّة، ولا ضير في ذلك من ناحية تنظيم الجماعة المؤمنة. سيّما أنّ الرّسل جميعاً هم مؤسسّو المسيحيّة والمساهمين في تنظيمها. أمّا القول بأنّ بولس هو مؤسّس المسيحيّة كدين يخالف كلمة الرّبّ، أو يتعارض وكلمة المسيح، فهذا مرفوض قطعاً، لأنّ المسيح نفسه لم يأتِ ليدعوَ إلى دين جديد، ولا نقرأ في الإنجيل المقدّس أيّة آية تشير إلى هذا الأمر. لأنّ المسيح أتى لتكون لنا الحياة، ولنحيا معه إلى الأبد. ناهيك عن أنّ بولس نفسه يقول: "اقتدوا بي كما أنا أقتدي بالمسيح" (1 كور 1:11). ما يعني أنّ بولس لم يبشّر بالمسيح وحسب، ولم يتّخذه قدوة فقط، بل إنّه انفتح على المسيح لدرجة أنّه صار مسيحاً آخر. " لأنّ لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح." (فيليبي 21:1). وعندما نتحدّث عن نسْب المسيحيّة لبولسَ بدل المسيح فوكأنّنا نقول أنّ الأوّل أهمّ من الثّاني، مع العلم أن لولا المسيح ما كان بولس، وبقيَ شاول يضطهد كنيسة الرّبّ إلى ما لا نهاية. لنحدّد هذا الموضوع أكثر، ونفهم بولس رسولاً للأمم، مبشّراً بالمسيح الحيّ، علينا أن نعلم جميعاً أنّ كلّ واحد منّا شاول، وكلّ واحد منّا بولس. وما حياة بولس قبل المسيح وبعده إلّا مرآة تعكس سقطات الإنسان المتكرّرة وقيامته مع الرّبّ. كما أنّها تعكس قسوة قلوبنا، وقدرة الرّب الحب على تبديلها جذريّاً. بولس الرّسول علامة في العالم لكلّ من لم يرَ المسيح ويعش معه. علامة تقول إنّ الحقيقة واحدة ومتى تجلّت أثبتت ذاتها ولا يمكن لأحد أن يتجاهلها. انطلق القديس بولس من كلمة المسيح، ولم يشقّ طريقه وحده، بدليل الكثير من الآيات الّتي تعتمد أوّلاً وأخيراً على المسيح الرّأس، وأوّلها: "يا رب ماذا تريد أن أفعل؟" (أع 6:9). فأجاب الرّبّ: " قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل" (أع 6:9). من هنا الانطلاقة وأطاع بولس حتّى النهاية، وقام ودخل المدينة وفعل ما كان ينبغي أن يفعله. (فنهض شاول عن الأرض ، وكان وهو مفتوح العينين لا يبصر أحدا. فاقتادوه بيده وأدخلوه إلى دمشق، وكان ثلاثة أيام لا يبصر، فلم يأكل ولم يشرب" (أع 9،8:9). لم يكن بولس يبصر أحداً أو شيئاً لكنّ قلبه كان مستنيراً، لقد رأى الرّبّ في مجده، وسار مغمض العينين، منفتح القلب إلى دمشق، كيما يسلك إنساناً جديداً بالمسيح الحيّ.