زمن الصليب الصّليب محور الكون (6) " ناظرين إلى رأس إيماننا ومكمله، يسوع الذي تحمل الصّليب مستخفّاً بالعار، من أجل الفرح الّذي ينتظره، فجلس عن يمين عرش الله." ( عبرانيين 12:2) بين العالم الإلهيّ والعالم الأرضيّ اختلاف طبيعيّ، وبُعد بين العمق السّماوي المتجلّي بالكمال وبين الحالة البشريّة الخاضعة للنّقص. هذه الحالة البشريّة لا يمكنها الوصول إلى الله وحدها. قد تتلمّسه نظريّاً، وتستنبط مراده إلى حدّ معيّن. لكنّها لن تلج صلب محبّته لأنّها غير مدركة لها اختباريّاً. وإذا كان العالم الإلهي مغايراً للعالم البشري، فماذا يربط الإنسان بالله؟ وإذا كانت العبادات والتّقدمات لا تنقل الإنسان من حالة عبوديّة والخطيئة إلى الخلاص، فما أهمّيّة الحضور الإلهيّ النّظري كفاعل في تحرير الإنسان؟ " لذلك قال المسيح لله عند دخوله العالم: ما أردت ذبيحة ولا قرباناً، لكنك هيأت لي جسداً، لا بالمحرقات سررت ولا بالذبائح كفارة للخطايا." ( عب 6،5:10). إنّ حقيقة وجود الله مرتبطة بحضور يسوع المسيح. وحقيقة الصّليب كعمل فدائي مرتبطة بحقيقة الاتّحاد بين الأرض والسّماء، وبالتّالي يسوع المصلوب هو الّذي يربطنا بالله. وإلّا لبقي الله مجرّد نظريّة يرهب منها الإنسان فيعبدها، أو يستخف بها فيرفضها. إنّ يسوع المسيح شخص المحبّة المتجسّدة، وحبّ الله الّذي بلغ ذروته على الصّليب، هو محور الكون. بل هو حاجة الكون لينعتق من عبوديّته وينظر إلى العلى ويتبيّن حقيقة حضور الله. يسوع المسيح الّذي ارتضى الموت من أجل الحقيقة القائلة بأنّ الله اقترب من الإنسان حدّ الذّات، وسكن معه إلى الأبد، هو حضور الله الأكيد. قد يبدو الصّليب في ظاهره ضعفاً يستخفّ به كثيرين، وحالة استهانة تعيق الله كون المنطق الإنساني لا يستوعب موت الإله. لكنّ النّاظر إلى الإرادة والحبّ الإلهيين في يسوع المسيح، وغمر الغفران المنسكب على البشريّة كلّها يعلم أنّ هذا الكون لن يستقيم ولن يشهد السّلام الممتدّ من العلى إلّا بالألم من الحبّ كفعل إلهي، وبالإرادة المناضلة في سبيل تحقيق هذا الحبّ.