إن الدولة العربية الحديثة تحمل بين جنباتها معالم العصرنة والحداثة وبذور التطور من جهة وتختزن فى نسيجها كوابح الموروث الإستبدادى العثمانى من جهة ثانية 0 أما الجوانب المشرقة النيرة والعقلانية من تراثنا العربى الإسلامى فتسعى قوى التسلط إلى دفنه فى الرمال أو تحريف جوهرها والإبتعاد عن تيارات العقلانية التى أبدعت يوما الحضارة العربية الإسلامية المزدهرة قبل قيام الدولة السلطانية0 هذا ويمكن القول بأن التخلف الإقتصادى والإجتماعى والثقافى الذى كرسه الإستعمار منذ دخوله إلى البلاد العربية من تفشى الأمية بمعدلات عالية والجهل بالتقاليد البرلمانية ووسائل التمثيل النيابى وعدم نضج المؤسسات الديموقراطية إلى جانب إنقسامات الأحزاب السياسية 0 وآثار التدخل الأجنبى فى إقتصاديات البلاد عن طريق الأحلاف و القروض لذا توجب الأخذ بالإحتياطات اللازمة لسد الطريق أمام الدسائس والمؤامرات الإستعمارية والعمل السريع لرفع المستوى الإجتماعى والإقتصادى والثقافى للشعب العربى هذا من جهة 0 ومن جهة ثانية فإن الدولة الوطنية العربية التى تأسست فى ظل الإستعمار بعد سقوط الخلافة العثمانية فى كل من العراق فى عام 1921 وفى مصر 1922 وكذا فى كل من سوريا ولبنان لم تكن خالية من بعض الشوائب بل قد حملت أمراضها المترتبة على النشأة فى أحضان الإستعمار من جهة وتناقضات القيادات وصراعاتها من جهة ثانية 0 كما إستمرت مفاهيم الدولة السلطانية فى نسيج الدولة العربية الحديثة وفى كل خلاياها0 وهذا طبعا مما أدى إلى طبع هذه الدولة بسمات الدولة السلطانية المغذية بطبائع الإستبداد الذى تحدث عنها الكواكبى والتى طبعا لانزال نعيش صورا جديدة منها0 كما كمنت الجذور التاريخية للطائفية السياسية فى نظام الملة العثمانى الذى قضى بأن ينظم جميع الرعايا العثمانيين من غير المسلمين فى طوائف مستقلة يرعى شئونها رجال الدين وتخضع لسلطتهم القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية0 إلا أنه فى الحقيقة لم تأتى الطائفية السياسية من التعدد العرقى والمذبى بل من سلوك السلطات الحاكمة والقوى السياسية المنتفذة0 وكذا من طبيعة المعادلات السياسية التى تتحكم فى عقول الحكام 0 وهى طبعا معادلات تقوم على فكرة التفرد فى السلطة وتحويل الناس إلى أتباع وحتى طبعا إلى عبيد0 كما أن العبث الطائفى نابع من هذه المعادلات الصبيانية المدمرة فى مسعى لتمزيق النسيج المنطقى للأحداث كى لا يجرى الإمساك بالأسباب والمبررات فتهوى وتضيع فى غموض الصدفة والوعى 0 كما أنه من جهة ثانية حيث بتزواج ظاهرتى التعصب والتطرف بالمغالاة السياسية والفكرية والمذهبية والدينية طبعا يفتح العبث الطائفى الأبواب مشرعة للإرهاب الطائفى0 كما أنه فى الحقيقة يعتبر التطرف الطائفى مرحلة سيئة وضارة للتعصب المركب الأيديولوجى والدينى والطائفى والتربة الصالحة لإنبات الإرهاب والفاشية وكذا المظاهر الإجتماعية المعادية للتقدم الإنسانى0 هذا وواقع الحال يقول أن التيار الإسلامى المتطرف لا يعترف بالدولة الوطنية ذات الحدود والتى يحكمها القانون والدستور وعمادها المساواة بين المواطنين0 فى حين أن الدولة التى تتبنى منهجا إسلاميا وسطيا تحافظ بالضرورة على مقومات ومكونات الدولة الوطنية بما تحتويه من أقليات0 كما يلاحظ أيضا أن الدول التى حكموا أو تحكموا فيها سوف يجد أنهم قد دمروها تدميرا شديدا0 ومن يلاحظ شؤون أفغانستان قبل غزو حلف الأطلنطى وكذا السودان قبل أزمة أزمة دافور والصومال قبل دخول القوات الأثيوبية ولبنان وفلسطين مؤخرا0 طبعا سوف يجد إلى حد مزقت هذه الجماعات المعتدلة والراديكالية النسيج السياسى للوحدة السياسية سواء كانت دولة أو حركة وطنية0 حيث عندما وضعت هذه الجماعات الدين معيارا للمواطنة حينما قالت لهم مالنا وعليهم ما علينا فإنها قد نسفت من الأساس الفكرة التى تقوم عليها الجماعة السياسية التى لا يمنح فيها طرف ما تجب عليه الأحوال مع أطراف أخرى 0 وعندما جعلت هذه الجماعات ولاء المواطنين ليس إلى الدولة التى تعنى طبعا سلطة مركزية ذات سيادة على شعب موجود على رقعة جغرافية بعينها وإنما إلى الأمة الإسلامية المترامية الأطراف 0 فإنها تكون طبعا قد جعلت الدولة هامشية أولا وجود لها أو مجرد غزوة ناجحة تنتظر بقية الفتوحات والغزوات0 إضافة إلى نمو النزعات اليمنية الأصولية التى غذت الطابع المذهبى أو الطائفى فى التعامل مع باقى مكونات الدولة 0 بل والعمل على تدمير شرعية الدولة0 كما أنه فى ظل الإغراء ات الأميريكية الصهيونية التى علمت على تغذية أسباب الصراع من جهة وحين ننظرمن جهة ثانية للتيارات الإسلامية من أجل معرفة أهدافها وأسباب نششوئها 0 نجد أن معظمها يسرى لإقامة الحكومة الإسلامية التى تعنى الخلافة إسلامية أو الإمارة طبعا فمهما إختلفت التسميات فالهدف واحد0 وهو طبعا السير على نهج الخلافة الراشدة0 وهو طبعا ما يعنى نفى الدولة الوطنية التى لاتزال تبحث لنفسها عن موقع فى ظل تهديدات داخلية وخارجية بالتقسيم 0 كما أن الترافق الطائفى عادة مع الأصولية أى النهج الذى يبرر النكوص إلى الماضى وتقديسه ونفيه وتفريغه من محتواه بدعوى تجاوزه والإنتقال منأصولية مقنعة إلى أصولية سافرة أو الموقف الجامد الأيديولوجى الرجعى الذى يتحجم مع إطلاق العنان للفكر وتحريره من أسر الأدلجة والسير الواقعى بعيدا عن التصورات السابقة 0 كما أنه يمكن القول بأن الطائفية هى علاقة تاريخية للتراتب الإجتماعى المركب وانتظامه المتجدد على الصعيدين السياسى والأيديولوجى وفق الآلية الداخلية الخاصة بالنظم المركزية القائمة0 إن قيام الدولة العربية الحديثة قد تأثر تأثرا واضحا بنموذج الدولة الحديثة البرجوازية الأوروبية 0 كما أدى التعايش بين الإقطاعية والرأسمالية إلى تعايش المجتمعين مع رجحان الإقطاعية فالمجتمع الإقطاعى وريث العلاقات ماقبل الرأسمالية بقى محافظا على كيانه ومقومات وجوده 0 وهكذا فإن الدولة العربية الحديثة ذات البنية البرجوازية تختزن فى شرايينها كثيرا من سمات الدولة العثمانية ولا تختلف عن غيرها من دول العالم قديمه وحديثه من حيث طابعها الإجتماعى المسخر لهذه الفئة أو تلك الفئة الإجتماعية أو تلك0 وهذا طبعا مما يعرقل من عملية قيام دولة حديثة عصرية بأدواتها وفكرها ويؤخر عملية التنمية التى تنشدها سائر الأقطار العربية0