إن الثورة الكاملة هى الثورة التى تقضى على مؤسسات الدولة القديمة وتفكيكها تفكيكا كاملا وتاما0 وتعمل على إعادة تأسيسها على أسس حضارية جديدة 0 وهذا إنطلاقا من القضاء ومرورا بأجهزة الأمن وانتهاأ بالمؤسسة العسكرية 0 نقول هذا حتى وإن كان التحول الديموقراطى يعنى إيجاد عملية تحول يتم خلالها تحول الأنظمة التسلطية إلى أنظمة ديموقراطية 0 إلا أنه طبعا فى عالمنا العربى لو توصل هذه الثورات شعوبنا العربية إلى الديموقراطية وإنما إنحدرت هذه الدول العربية التى قامت فيها ثورات إلى حروب أهلية كما هو الحال فى العراق وفى ليبيا 0 هذا طبعا والشئ الأكيد هو أن الحروب الأهلية عادة تؤدى إلى إنهيار الدول وظهور أنظمة ديكتاتورية جديدة 0 هذا وقد مرت دول عديدة فى أميريكا اللاتنية وأوروبا وأفريقيا وحتى فى عالمنا العربى بمراحل مبكرة من التحول الديموقراطى لكن الشئ الملاحظ هو أن الكثير من هذه الدول قد فشلت فى تحقيق الديموقراطية0 وهذا طبعا ربما يعود هذا الفشل إلى إلى الإشكال الذى يواجه العلاقة بين الثورات والتحول الديموقراطى فى قضية تحديد المسار الذى يجب إتباع خطواته بعد هذه الثورات 0 إضافة إلى العلاقة بين الشرعية الثورية والشرعية الديموقراطية 0 خاصة وأن الثورات فى بلداننا العربية قد بدأت فى الشوارع ولكنها لم تصل إلى المؤسسات0 هذا فى وقت تعتبر فيه الديموقراطية بدون مؤسسات هى عملية تحول إلى فوضى 0 حيث إذا أخذنا على سبيل المثال الثورة الأوكرانية فإننا نجد أن هذه الثورة بالرغم من نجاحها لكنها لم تستطع أن تصل إلى المؤسسات الحكومية 0 وهذا مما دفع بالغرب اليوم يتبنى نظرية المؤامرة بدفع شعوبنا العربية إلى القيام بثورات وهذا طبعا إنطلاقا من القيام بتطبيق سياسة الفوضى الخلاقة والدمار الخلاق وتحويل عملية إستعادة الديموقراطية إلى ثورات 0وهذا إنطلاقا من تحريك الشارع العربى فى بعض البلدان العربية لكى تلك الفوضى الخلاقة وما ينتج عنها من دمار خلاق 0 كما أنه فى ظل هذه المؤامرة قامت الولاياتالمتحدة الأميريكية بتدعيم المنظمات العربية الداعية إلى الحرية الفردية من جهة وتكثيف تدعيم أيضا للنشطاء الحقوقيين العرب إضافة إلى التدخل فى أبسط القضايا التى تحدث فى بلداننا العربية وقيام المحكمة الدولية بإصدار مذكرات توقيف للمسئولين العرب كما حدث مع الرئيس السودانى عمر البشير 0 نقول هذا حتى وإن كانت خطة إحلال الفوضى الخلاقة هذه تقتضى منح المجتمعات العربية جرعة هائلة من الحرية لم تتعطاها من قبل على مر حياتها تصاحبها فوضى هائلة 0 هذا ويبقى بأن إحلال الفوضى فى أى بلد عربى يعنى القيام بتدمير أو تقليل سلطة القانون الذى يربط مجتمعاتنا العربية بدولها وخلق حالة جديدة من النظام وتفرض أمرا واقعا يكون هدفه عادة إسقاط النظام القائم 0 كل هذا طبعا يحث اليوم فى مجتمعات عربية عاشت فترات طويلة تحت مظلة أنظمة ديكتاتورية مستبدة وحكم شمولى وتحت رحمة حزب واحد ولم تتم ممارسة حرية النقد والتظاهر ضد أنظمتها بسبب التحريم 0 كما أن هذه الحكومات كانت قد إعتادت على قمع مواطنيها وهى تحت مظلة الغرب 0 وإذا بالحال يتغير لترتفع أصوات وحريات مواطنيها وتحت نفس المظلة0 ويبقى القول بأن الحرية لاوجود لها دون ضرورة تدفعها وتوجهها كما أن الحرية لا تستقيم إلا بوجود سلطة تنظمها حتى لا تتحول إلى فوضى كما هو الحال فى كثيرمن بلداننا العربية اليوم 0 وهنا مربط الفرس كما يقال لمؤامرة ما يسمى بالفوضى الخلاقة وما يتبعها من دمار خلاق 0 وهو منح الشعوب العربية جرعة هائلة فجائية من الحرية الفردية لتصدم مع السلطة المنظمة لها دون الدخول فى تدرج محسوب ومدروس من الحريات0هذا وقد إستطاع الغرب اللعب بالحرية على الحبلين بين أفراد شعوب الشرق الأوسط والشعوب العربية وكذا الحكام العرب 0 حيث عندما بدأت تظهر بوادر التحرر الشعبى فى الشقيقة تونس0 لم يتدخل الغرب فى البداية وإنما بقى يراقب من بعيد قبل أن يقوم بالتعليق على هذه الأحداث 0 كما أن الهدف من هذا الصمت هو إعطاء زين الدين بن على الفرصة لكى يتمكن من قمع هذه الإحتجاجات وهذا من أجل أن يوقعه فى فخ مدروس كما ينبغى لأن الغرب كان على دراية بأنه من طبيعة المجتمعات المعبأة بروح التمرد وكسر حاجز الخوف من بعد النقد على الديكتاتور المستبد سرعان ما تتأجج وتشتعل نارها كلما حاول هذا الديكتاتور المستبد إخمادها بالقوة المفرطة0 وهذا ما كان قد حدث من قبل فى كثير من ثورات العالم كالثورة الفرنسية أيام حكم الملك لويس السادس عشر 0 وحدث هذا أيضا فى تاريخ إستقلال الولاياتالمتحدة الأميريكية بعد النقد العلنى للتصرفات البريطانية وتقريبا نفس الشئ قد حدث فى ثورات أوروبا الشرقية لمحاولة الخروج من تحت المظلة السوفياتية 0 كما لا ننسى بأن الغرب قد تعلم وأخذ الدرس من إيران حين دعم علانية التحرك الإيرانى المطالب بالإصلاح منذ اللحظة الأولى 0 لكن الحكومة الإيرانية إستطاعت قمع المظاهرات وإقناع الشعب الإيرانى بعمالة الإصلاحيين للغرب لزعزعة الإستقرار0 وهذا مما يجعلنا نقول بأن الصمت الغربى فى بداية الأحداث فى تونس الشقيقة هو أن الغرب كان بأن الشعوب العربية هى فى حالة ريبة وشك وعدم الثقة فى الغرب 0 وبالتالى فإن الغرب لو قام بتدعيم هذه الأحداث فى تونس منذ البداية 0 فإن الرئيس التونسى زين الدين بن على كان بإستطاعته إقناع الشعب التونسى بالمؤامرة الغربية على تونس وأن هؤلاء المحركين للغضب الشعبى هم عملاء للغرب كما حدث فى إيران0 لذلك إنتظر الغرب لحظة نداء الإستغاثة من المحتجين وبعض الدول العربية لكى يغيير صورته الشيطانية فى الوعى العربى ويظهر له بأنه المخلص لحقوق الإنسان العربى وحريته0 فكان طبعا الضغط السياسى والتجميد الإقتصادى والتهديد ضد الرئيس التونسى زين الدين بن على حتى هرب ورفض إستقباله وإيوائه على أراضها من طرف كل الدول الغربية 0 كما أن هذا المشهد قد تكرر فى مصر الشقيقة مصر أم الدنيا قائدة العالم العربى 0 فالغرب كان بإمكانه أن يحث الجيش التونسى والجيش المصرى والضغط عليه لأجل قمع المتاظهرين لبقاء حلفائهم فى مناصبهم 0 لكن مخطط الفوضى الخلاقة يرى غير ذلك 0 كما أن هذا قد تكرر فى ليبيا وبصورة دموية أكبر وأعنف من العقيد معمر القذافى 0 إذن صمت الغرب فى اللحظات الأولى لهذه الإحتجاجات كان الهدف منه إعطاء الضوء الأخضر لحكام هذه الدول لقمع إجتاجات شعوبهم والوقوع فى مستنقع العنف والعنف المضاد والتلويح للشعوب العربية الجائعة للحريات لتخرج وتتمرد فتقع فى فخ الفوضى0