(من ليس معى فهو ضدي)، هذا هو الشعار الأثير لدى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو، الذى لا يقبل سوى دعم سياساته، حتى لو هددت الاستقرار والأمن الدوليين فى منطقة الشرق الأوسط بكل أهميتها الاستراتيجية. يطلب تأييد ممارساته، حتى لو كانت متعارضة مع القانون والشرعية الدولية، وتمثل إبادة جماعية لشعب كامل، بهذا يمكن فهم معركته الأخيرة مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون. نسى نتنياهو للرجل - أولاً - أنه كان من أوائل قادة العالم الذى هرع لزيارة تضامن ومساندة لإسرائيل، بعد أسبوعين فقط من عملية طوفان الأقصى، ويومها لم يطالب حتى بوقف إطلاق النار، بل تزيد بشكل فاق كل تصور حتى على الموقف الأمريكي، واقترح اقتراحاً كان الأغرب، وهو تشكيل تحالف دولى ضد حركة حماس، ولم يتحمس له أحد حتى كبار مساعديه، ماكرون - ثانياً- الذى أقام فى ديسمبر الماضى حفل الجالية اليهودية فى القصر الرئاسى ب (عيد الأنوار) الذى يطلق عليه بالعبرية (هانوكا)، وتم خلاله الإعلان عن الاحتفال بحصوله على جائزة «لورد جاكوبوفيتش»، التى يمنحها مؤتمر حاخامات أوربا للقادة الأوربيين، لجهودهم فى مجال محاربة معاداة السامية، وهو- ثالثاً - الذى كشف فى أوج خلافاته مع نتنياهو، أنه أمر قواته فى المنطقة بتوفير حماية جوية لإسرائيل، أثناء هجوم إيران على تل أبيب، ساهمت بالفعل فى إسقاط بعض الصواريخ الإيرانية، وهو- رابعاً - الذى فى ظل الأزمة الأخيرة، كان حريصاً على التأكيد على دعمه لتل أبيب، من نوعية قوله (التزام فرنسا بأمن إسرائيل لا يتزعزع). نسى نتنياهو كل ذلك للرئيس الفرنسي، عندما اختلف الرجلان عند نقطتين أساسيتين، الأولى دعوته المتكررة إلى وقف تصدير الأسلحة، وانتقاده لمن يطالب بوقف إطلاق النار ويستمر فى توفير الأسلحة لإسرائيل، معتبراً أن الأولوية اليوم فى العودة إلى حل سياسي، كان رد نتنياهو عنيفاً، واستخدم فيه عبارات لا تليق بين رئيسين، من عينة (عليه، وعلى القادة الغربيين أصحاب دعوة فرض حظر على الأسلحة، أن يشعروا بالعار، فتل أبيب ستنتصر بدونهم، ولكن عارهم سيستمر طويلاً)، أما الأزمة الأخيرة، فكانت حول تنفيذ قرارات الأممالمتحدة، عندما قال ماكرون، فى اجتماع مغلق فى الأليزيه، تم تسريب ما جرى فيه: «على السيد نتنياهو ألا ينسى أن بلاده تم إنشاؤها بقرار من الأممالمتحدة - فى إشارة لقرار المنظمة الدولية فى نوفمبر1947- وليس من المناسب التنصل منها الآن»،على خلفية الاعتداء على قوات الأممالمتحدة لحفظ السلام فى لبنان، ورد نتنياهو بسرعة، (دولة إسرائيل نشأت نتيجة الانتصار فى حرب 1948- والتى وصفها بحرب الاستقلال- والذى تحقق بدماء المقاتلين الأبطال، ومن بينهم الناجون من المحرقة، وليس بقرار أممي). ولعل كلمة السر فى التغيير فى الموقف الفرنسي، هو لبنان، فباريس تدافع حالياً عن مصالحها التاريخية، بعد دخوله ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية، والتطور الكبير فى المواجهات، بعد اغتيال قيادات حزب الله، والتمهيد لعمليات غزو بري، حتى لو كان محدوداً للجنوب اللبناني، واستهداف قوات اليونيفيل، ودعوتها إلى إخلاء مواقعها، يضاف إلى ذلك أن نتنياهو مستمر فى سياساته، دون أى اعتبار لأى جهة، وهو ما أشار إليه ماكرون صراحة، واتهم نتنياهو بأنه لا يستمع لأحد، ويسعى إلى تحول لبنان إلى غزة أخرى، والتضحية بالشعب اللبناني. ماكرون يدرك تماماً أن لبنان هى آخر معاقل نفوذ بلاده فى المنطقة، بعد تراجع ملحوظ فى وجودها غرب إفريقيا، خاصة وأن فرنسا استثمرت فى ذلك طويلاً، من خلال نسج علاقاتها طوال عقود مع النخبة السياسية، وليس لديها أى استعداد للتخلى عن الورقة اللبنانية ودورها هناك، وهذا ما يكشف عنه استضافتها غداً مؤتمراً دولياً على المستوى الوزاري، لحشد الدعم الدولى للبنان، وتحديد سبل دعم المؤسسات، خاصة القوات المسلحة، باعتبارها ضامنة للاستقرار الداخلى فى البلاد. وهكذا، فالأمر يتعلق بالمصالح لا بالمبادئ، فعندما تعلق الأمر بجريمة إسرائيل فى غزة، لم نسمع لماكرون صوتاً، ولكن مع لبنان، فقد (أقام الدنيا ولم يقعدها)..